القمة العالمية الأولى لمكافحة الاحتيال .. مساع لإيقاف نزيف مالي للاقتصاد العالمي بـ 4.69 ترليون دولار سنويا
(الشرق)-15/03/2024
مع اختتام القمة العالمية الأولى لمكافحة الاحتيال المنعقدة في لندن لمواجهة التهديد المتصاعد لعمليات الاحتيال في جميع أنحاء العالم، برزت تساؤلات عدة، ما أهمية القمة؟ وإلى أي مدى كانت ضرورية؟ وهل كشفت عن تأخر القادة والزعماء في إدراك خطورة الاحتيال المالي وتأثيرها على الاقتصاد العالمي؟
هدفت القمة إلى تعزيز التعاون الوثيق بين الحكومات ووكالات إنفاذ القانون والقطاع الخاص في مكافحة الجريمة المنظمة، وحماية الأفراد والشركات من الاستغلال المالي. فقد نما الاحتيال ضد الأفراد والشركات بسرعة ليصبح أحد أكثر الجرائم انتشارا في العالم، وبات يمثل تهديدا منظما عابرا للحدود الوطنية
ولكن ما هو الاحتيال؟
المحامي توم أشفورد المختص في مجال القضايا المالية يقول لـ”الاقتصادية”، “يحدث الاحتيال عندما يستخدم شخص ما أساليب خادعة لتحقيق مكاسب غير قانونية أو غير أخلاقية على حساب شخص آخر. وعمليات الاحتيال تنطوي على تمثيل كاذب للحقائق، سواء عن طريق حجب المعلومات أو تقديم بيانات كاذبة للحصول على شيء لم يكن من الممكن الحصول عليه لولا الخداع”.
لا يختلف هذا التعريف جوهريا عن تعريف مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي فالاحتيال “تحريف متعمد للحقيقة بغرض حث شخص آخر أو كيان آخر للاعتماد عليه للتخلي عن شيء ذي قيمة أو التنازل عن حق قانوني”.
وحول حجم الخسائر المالية لعمليات الاحتيال، تقول لـ”الاقتصادية”، الدكتورة صوفيا أغسطين أستاذة الاقتصاد الدولي في مدرسة لندن للتجارة “شركة موديز أنالتيك أعلنت أن الاحتيال يكلف الاقتصاد العالمي ما يقدر بنحو 3.7 تريليون دولار سنويا، وإدراكا لخطورته فإن المملكة المتحدة رفعت الاحتيال لمستوى تهديد الأمن القومي، أما مركز دراسات مكافحة الاحتيال بجامعة بورتسموث فيقدر الكلفة الاقتصادية له بـ4.69 ترليون دولار”.
يكمن التحدي في مكافحة الاحتيال المالي في طبيعته المتنوعة والمتطورة باستمرار، ومع تكاثر أنواع الاحتيال تتزايد صعوبة إدارة هذا النوع من الجرائم المالية، والخسائر المالية على خطورتها لا تعد المشكلة الوحيدة لهذا النوع من الجرائم، فالاحتيال يضر بثقة المستهلكين والشركات، ويسبب ضائقة عميقة للضحايا، والفشل في التصدي له يهدد بتقويض الثقة في أجهزة إنفاذ القانون والمؤسسات الحكومية، ومن ثم يدخل ضمن العوامل الطاردة للاستثمار المحلي أو الأجنبي.
مع تطور التكنولوجيا نمت جرائم الاحتيال المالي بشكل كبير، وتقدر الأجهزة الأمنية البريطانية أن 89 % من عمليات الاحتيال يتم تسهيلها من خلال التكنولوجيا الرقمية خاصة الإنترنت.
روبرت جوبتا ضابط سابق في المكتب الوطني لمكافحة الاحتيال يعلق لـ”الاقتصادية”، قائلا “الاحتيال لا يحترم الحدود الوطنية يساعده في ذلك التكنولوجيا، و70 % من حالات الاحتيال لها روابط دولية، ومع توجه النظام المصرفي العالمي إلى مزيد من الرقمنة، والاعتماد الواسع النطاق للممارسات المصرفية عبر الهاتف المحمول، وسهول إجراء المعاملات من أي مكان باتت تلك التطبيقات أهداف رئيسة للمحتالين”.
ويضيف “التعاون الدولي أمر بالغ الأهمية لتفكيك شبكات الاحتيال، ولابد من تعاون بين مقدمي خدمات الاتصالات ومقدمي خدمات الدفع المالي وشركات التكنولوجيا الكبرى بما لديهم من مهارات وموارد لتطوير تقنيات لمكافحة الاحتيال، فتطوير تقنيات المكافحة يسمح بسرعة الاستجابة وتحديد ومعالجة التهديدات الإجرامية بسرعة أكبر، ومن الضروري زيادة التمويل لأجهزة مكافحة الاحتيال بما يتناسب مع حجم المشكلة”.
تتطلب الواقعية الإقرار بأن الاحتيال تهديد معقد للغاية ويتطور باستمرار، وربما يكون ذلك الدافع الحقيقي لعقد القمة العالمية الأولى لمكافحة الاحتيال بوصفها خطوة ضرورية لزيادة الوعي والتعاون الدولي لمكافحة تلك الآفة.