المصارف الاستثمارية ترد الضربة للائتمان الخاص
(البيان)-26/02/2024
لم تكن فترة العام والنصف الماضية هذه جيدة بالمرة لأقسام القروض المُشتركة بالمصارف الاستثمارية. وتضطلع هذه الأقسام بترتيب القروض، وغالباً ما تكون بهدف عمليات استحواذ برافعة مالية للشركات ذات الجدارة الائتمانية، ومن ثم بيعها إلى المستثمرين، في مقابل رسوم.
كان ذلك عملاً مربحاً، حتى بدأت أسعار الفائدة في الازدياد. ومنيت المصارف، فجأة، بخسائر جراء «الديون المُعلّقة»، أي الديون الميتة التي ما زالت عالقة في الميزانيات العمومية للمصارف. ومع مطاردة الحديث بشأن عدم اليقين والركود الاقتصادي للمصارف، اضطرت أقسام القروض المُشتركة لديها إلى الانسحاب.
ومع انسحاب هذه الأقسام، هرع الائتمان الخاص ليحل محلها. ولم يغب المقرضون المباشرون عن المشهد، لكن وجودهم انحصر على السوق المتوسطة، ويُقصد بها الشركات الأصغر ذات الأوضاع المالية المُعقّدة. وعلى مدى العقد الماضي، تدفق رأس المال باطراد إلى الائتمان الخاص، وشهدت التدفقات زيادة ملحوظة بعد تفشي الجائحة.
واليوم، يمكن للمقرضين المباشرين استقطاب كميات هائلة من رأس المال لترتيب صفقات أكبر بمليارات الدولارات. وروّج الائتمان الخاص لفكرة لليقين في التنفيذ والسرعة، وتلبية الاحتياجات الخاصة لكل مقترض، خلافاً للمصارف المرتبكة.
وشكلت هذه العوامل «اللحظة الذهبية» للائتمان الخاص في 2023، لكن البندول كان مُقدّراً له التأرجح ليتجه للمصارف من جديد. ويبدو أن هذا ما يحدث في الوقت الحالي بالفعل. لكن من الصعوبة بمكان قياس حجم التنافس بين الائتمان الخاص ومقدمي القروض المشتركة، فليس ثمة مؤشر يراقب الأمور مباشرة ليمنحنا الصورة كاملة، وإنما تتشكّل الصورة الكلية من خلال تجميع قصاصات البيانات معاً وما يراه المشاركون في السوق.
لنبدأ إذن بالسردية الموجودة في السوق بشأن الهبوط السلس وخفض أسعار الفائدة، وهي خلفية اقتصاد كلي معتدل للغاية لأسواق الائتمان. ومثلما أتاحت هذه السردية سوقاً صعودية للسندات مرتفعة العائد، فقد أدت أيضاً إلى تعزيز الطلب على القروض المُشتركة. وبنهاية يناير، جرى تداول متوسط القروض الأمريكية حديثة الطرح عند أضيق مستويات الفروق منذ بداية الجائحة، بحسب «بيتشبوك إل سي دي».
عزّزت التزامات القروض المضمونة الطلب على القروض المُشتركة، وهي أدوات مُقسّمة إلى شرائح تشتري الجزء الأكبر من القروض ذات الرافعة المالية.
وتشهد التزامات القروض المضمونة طفرة في الطلب عليها بسبب قروضها الأعلى من حيث الجودة، فيما تقترب فروق شرائح التزامات القروض المضمونة ذات الجودة الائتمانية AAA منذ أدنى مستوياتها منذ 20 شهراً. ويأتي الطلب الزائد على التزامات القروض المضمونة، جزئياً، من المصارف الأمريكية.
وبما أن النشاط المصرفي ينطوي على أعمال مرتبطة بالفروق، تحصل جاذبية شرائح التزامات القروض المضمونة ذات التصنيف الائتماني AAA على عائد يقارب 150 نقطة أساس فوق سندات الخزانة، دون أي زيادة كبيرة في مخاطر التخلف عن السداد.
وانضم كل من «سيتي» و«جيه بي مورغان» و«بنك أوف أمريكا» إلى الاستفادة من ذلك. وقال سيرهان سيشمن، رئيس قسم التزامات القروض المضمونة الأمريكية لدى «نابيير بارك غلوبال كابيتال»، إن الطلب المصرفي على التزامات القروض المضمونة يأتي على الأرجح نتيجة للتوقعات بتدفقات من صناديق أسواق المال بمجرد بدء خفض الفائدة.
ويساعد تزايد الطلب على القروض المُشتركة، المصارف الاستثمارية، على التنافس مع المقرضين المباشرين على الأسعار. وشاركت عدة مصارف، الأسبوع الماضي، في منح قرض لـ «كيه كيه آر» بقيمة 5 مليارات دولار، لشراء حصة في كوتيفيتي للتكنولوجيا صحية التي تحظى بمتابعة كبيرة.
وأُشيع أن التسعير المرتفع للمصارف كان حاسماً، إذ عرضت فارقاً عند 350 نقطة أساس، وبذلك قلصت الفرق المتراوح بين 525 – 550 نقطة أساس الذي يوفره الائتمان الخاص. ويُعد هذا الاتجاه شائعاً على نطاق أوسع.
بحسب «بلومبرغ» التي أشارت إلى أن «بلاكستون سعت للحصول على قرض بقيمة 250 مليون دولار بفائدة تزيد نحو 4.75 نقاط مئوية عن المعدل القياسي الأمريكي لتمويل شرائها المُعتزم لروفر غروب، فيما يمكن أن يكون واحداً من أرخص قروض الائتمان الخاص على الإطلاق».
وتعيد شركات الائتمان الخاص، بما في ذلك «بلاكستون» و«كيه كيه آر» و«إتش بي إس» وأخريات، تسعير قروضها الحالية على نحو استباقي، لكي تواصل العمل، بحسب أشخاص منفصلين على دراية بالأمر، وذلك استجابة لتوفير المصارف قروضاً أرخص. وقال هؤلاء، إن رعاة شركات الأسهم الخاصة غالباً ما يطلبون خصماً يتراوح بين 50 و100 نقطة أساس، للإبقاء على القروض مع المقرضين المباشرين.
ورغم زيادة المصارف لحدة التنافس، لكنها تظل حذرة بعض الشيء مع ذلك. وأشار أرمين بانوسيان، المدير الإداري لدى «أوك تري»، في حوار منذ أيام، إلى تركيز المصارف غالباً على القطاعات عالية الجودة في سوق القروض. وقال: «بكل صراحة، تُعد المصارف أسرع مما ظننا، لكنني لا أرغب في المبالغة في تحديد مدى عودتها إلى المشهد.
إنها ترغب في إبرام صفقات ائتمان عالي الجودة. بإمكانك إبرام صفقات لتسليم قروض تحظى بأولوية السداد بجودة ائتمانية BB بفارق يتراوح بين 300 و350 نقطة أساس طوال اليوم. إنها سوق مفتوحة على مصراعيها.
لكن كلما ذهبت إلى مستويات أقل في الجودة الائتمانية، مثل تلك الحائزة على B، ستكون الصفقات أكثر تكلفة، وربما تكون عند فارق يتراوح بين 450 و500 نقطة أساس. وعندما تكون في هذا النطاق، تجد أن سوق القروض المُشتركة في طور التحسن، لكنها ليست مفتوحة على مصراعيها كلياً بعد».
يتفق رامكي موثوكريشنان وروث يانغ، اللذان يغطيا التمويل بالرافعة المالية لحساب «إس آند بي»، على أن أفضل زاوية يمكن النظر منها إلى هذا، هي أنه استعادة تدريجية للتنافس، لا أن المصارف تشق طريقها نحو الصدارة. وصارت شركات الأسهم الخاصة تفضل الحصول على خيارات فيما يتصل بالتمويل.
وبمرور الوقت، تتوقع هذه الشركات استقرار السوق في حالة توازن طبيعي، تختار فيه الصفقات المباشرة القروض المُشتركة الأرخص، وينتهي المآل بالصفقات الأصغر أو الأكثر تعقيداً في أيدي الائتمان الخاص. وأضاف يانغ أنه في حين أصبح حجم الصفقات أقل أهمية مما كان عليه قبلاً، لكنه لا يزال مهماً.
وأضاف: «لا شك وأن الائتمان الخاص تطور وبإمكانه العمل على صفقات كبيرة. لكن إن كنت ستبرم صفقة كبيرة بقيمة 8 مليارات دولار، أرى صعوبة في إمكانية إتمام ذلك سوى في سوق القروض المُشتركة الأوسع. لكننا لم نرَ بعد عودة مثل هذه الصفقات الضخمة».
وقال: «لديك ما يتراوح بين 45 و50 مديراً في سوق القروض المُشتركة بإمكانهم العمل على جزء ضئيل من الصفقة. أما في الائتمان الخاص، فلديك حفنة ضئيلة من اللاعبين الذين يعملون في المستوى الأعلى من السوق المتوسطة. لذلك، هناك حدود طبيعية لعدد الصفقات الكبيرة التي يمكن لمديري الائتمان الخاص استيعابها سنوياً». يجدر بنا تذكّر أننا لم نرَ الائتمان الخاص يعمل في أي شكل من أشكال الاستقرار.
ويظل إبرام الصفقات منخفضاً، كما أن الكثير من الأنشطة الأخيرة في فضاء القروض ذات الرافعة المالية منحصر في إعادة تمويل قروض قديمة، وليس توليداً لائتمان جديد. وستتوقف كيفية تقسيم مقدمي القروض المُشتركة والائتمان الخاص للكعكة، على المدى الذي يمكن لكليهما أن يذهب إليه.