الهجرة تحول إسبانيا إلى نقطة مضيئة بين اقتصادات أوروبا الضعيفة
(البيان)-30/09/2025
تشكل إسبانيا الآن نقطة مضيئة نادرة بين اقتصادات أوروبا التي يُعاني أداؤها من ضعف غالب للأداء. ومنذ بداية عام 2024، نما الاقتصاد الإسباني بمعدل سنوي متوسط قدره 3%، مقارنة بما يزيد قليلاً على 1% لمنطقة اليورو ككل. وخلال الأسابيع الأخيرة، رفعت وكالة ستاندرد آند بورز العالمية تصنيفها الائتماني لإسبانيا. كما رفع بنك إسبانيا توقعاته للنمو لعام 2025 إلى 2.6%، ما يؤكد مكانة البلاد كأسرع الاقتصادات الرئيسية نمواً في أوروبا، بل وأحد أقوى اقتصادات العالم المتقدم.
وعززت مجموعة من العوامل النمو القوي في إسبانيا. فقد تعافت السياحة من الجائحة. وتوفر الحكومة منحاً من صندوق الجيل القادم للاتحاد الأوروبي لتحسين البنية التحتية؛ وتُعدّ إسبانيا بالفعل ثاني أكبر مستفيد من الصندوق. كما جذبت الطاقة المتجددة الرخيصة الكثير من الاستثمار الأجنبي المباشر. وقد أسهمت الإصلاحات السابقة، بما في ذلك مبادرة في عام 2021 لتعزيز استقرار التوظيف، أيضاً في دفع وتيرة النمو.
لكن المحرك الأكبر لنمو إسبانيا كان هو الهجرة، ففي حين حرصت دول أوروبية أخرى على تشديد الرقابة على حدودها، اعتمدت إسبانيا نهجاً أكثر ليبرالية. ولذلك، فإنه منذ عام 2022، بلغ متوسط التدفق السنوي الصافي للمهاجرين نحو 600 ألف مهاجر، معظمهم في سن العمل. وقد دفع اتساع قاعدة العمالة معدلات التوظيف إلى مستويات قياسية، وساعد إسبانيا على تجنب بعض من النقص الحاد في المهارات الذي عانت منه نظيراتها الأوروبية. كما عززت الطفرة السكانية الإنفاق الاستهلاكي.
وقد جاء جزء كبير من الوافدين الجدد من أمريكا اللاتينية. وفي عام 2023، شكّل المهاجرون من هذه المنطقة نحو 70% من الزيادة بعدد سكان إسبانيا، وفقاً لبنك جيه بي مورغان. وساعدت اللغة المشتركة والتشابه الثقافي وشبكات الارتباط القائمة على اندماجهم في سوق العمل، وقبولهم في المجتمع على نطاق واسع. ومن المتوقع أن يستمر تدفق المهاجرين، خاصة بعد أن بسّطت إسبانيا مؤخراً مسارات الهجرة القانونية، ووضعت خططاً لمنح الإقامة وتصاريح العمل لمزيد من المهاجرين غير المسجلين.
ومع كل النجاح الذي حققته حتى الآن، لا بد لإسبانيا أن تدير طفرة النمو التي يقودها المهاجرون بعناية كبيرة، فرغم أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لإسبانيا- على أساس تعادل القوة الشرائية – قد ارتفع بنحو 6.8% منذ عام 2019، إلا أنه من حيث نصيب الفرد لم يزد إلا بنسبة 3.1% فقط. وقد أسهم المهاجرون بشكل رئيسي في سد الفجوات في القطاعات ذات القيمة المضافة المنخفضة، بما في ذلك قطاعي الضيافة والبناء. كذلك، فإنه لضمان نمو مستويات المعيشة، يجب تحسين وتيرة نمو الإنتاجية البطيء في إسبانيا أيضاً. ويوصي صندوق النقد الدولي بتبسيط اللوائح وتقديم حوافز ضريبية لزيادة توافر رأس المال المخاطر طويل الأجل، خاصةً لتعزيز الشركات الصغيرة.
كما أن مبادرات تحسين المهارات من شأنها دعم النمو وجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاعات الخدمات الراقية، بما في ذلك التمويل واستشارات تكنولوجيا المعلومات والهندسة. وفي الواقع، لا يزال معدل البطالة في إسبانيا هو الأعلى في الاتحاد الأوروبي.
إضافة على ذلك، ينبغي على صانعي السياسات استباق المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الأوسع التي قد تعيق استدامة التدفقات المرتفعة للمهاجرين. وهناك دعم من غالبية الإسبان للهجرة، لكن إذا فشلت الحكومة في تقديم الدعم الكافي لوصول الإسبان إلى السكن والخدمات العامة بأسعار معقولة، فقد يتآكل الانفتاح على الغرباء. والإيجارات باهظة بالفعل بالنسبة للكثيرين، وقد شهدت إسبانيا اضطرابات بين السكان المحليين والأشخاص من أصول شمال أفريقيا. ويمكن أن تشكل البيئة السياسية المجزأة في إسبانيا عقبة كبيرة أمام تعزيز تقدمها الاقتصادي. وقد واجهت حكومة الأقلية برئاسة بيدرو سانشيز صعوبة في إقرار عدد من التشريعات الرئيسية.
وعموماً، فقد أظهرت إسبانيا للاقتصادات المتقدمة الأخرى كيف يمكن أن تكون الهجرة مصدراً مهماً للمرونة الاقتصادية، حتى في فترات عدم الاستقرار في الداخل والخارج. ولكي تبقى نموذجاً يُحتذى به، يتعين على إسبانيا تحويل ثروتها السكانية المفاجئة إلى عامل رئيسي للازدهار الدائم.