باريس «عاصمة» الذكاء الاصطناعي في العالم يومي الاثنين والثلاثاء
(الشرق الاوسط)-10/02/2025
تستضيف باريس، يومي الاثنين والثلاثاء، القمة الدولية للذكاء الاصطناعي التي يُتوقع أن تكون المشاركة فيها، إن على المستوى الرسمي أو الخاص، مرتفعة للغاية نظراً إلى التحديات التي بات العالم يواجهها في ظل دخول الذكاء الاصطناعي جميع المجالات.
وتريد باريس التي شهدت، منذ الخميس الماضي، ورشات عمل عديدة تدور كلها حول هذا الملف، أن تلعب، وفق مصادر قصر الإليزيه، دوراً ريادياً على المستويين الأوروبي والدولي، بحيث لا يكون التنافس في هذا القطاع الاستراتيجي محصوراً بين الولايات المتحدة والصين.
وسيحضر نائب الرئيس الأميركي جيه. دي. فانس القمة وكذلك نائب رئيس الوزراء الصيني زينغ كيوكينغ، إلى جانب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، ومجموعة من القادة الأوروبيين والعالميين.
100 دولة ومئات الباحثين مشاركون
تريد باريس أن تكون خلال هذين اليومين «عاصمة الذكاء الاصطناعي في العالم». وفي وقت لم ينشر الإليزيه لائحة كاملة عن الحضور الرسمي، حتى بعد ظهر الأحد، تأكد حضور شخصيات أميركية بارزة من أمثال سام ألتمان، رئيس شركة «أوبن إيه آي» مبتكِرة تطبيق «تشات جي بي تي»، والرئيس التنفيذي لـ«غوغل» ساندر بيتشاي، وديميس هاسابيس الحائز على جائزة نوبل الذي يقود وحدة أبحاث «ديب مايند إيه آي» في الشركة، فضلاً عن شركة «أنتروبيك».
ومن الصين سيحضر كبار مسؤولي الشركة الرائدة «سي إي أو» و«علي بابا» إضافة إلى شركات أوروبية.
ولأن المشاريع الجديدة تحتاج لتمويل كبير، فإن باريس تشدد على وجود الصناديق السيادية، وأولها من منطقة الخليج إلى جانب كبار المستثمرين الأميركيين والأوروبيين والآسيويين.
ومن المتوقع أن تشارك في القمة نحو مائة دولة، علماً أن ماكرون استقبل في قصر الإليزيه مجموعة كبيرة من رؤساء ومسؤولي الشركات الكبرى تمهيداً للمؤتمر.
مشروعان استثماريان كبيران
قبل انطلاق القمة التي سيدير فعالياتها ماكرون بالتشارك مع رئيس الوزراء الهندي بالنظر للدور الذي يمكن أن تلعبه الهند في هذا السياق، تم الإعلان عن مشروعين استثمارين كبيرين: الأول، مع الإمارات العربية المتحدة، وذلك بمناسبة الزيارة التي قام بها الشيخ محمد بن زايد إلى باريس ولقائه ماكرون؛ والثاني من جانب صندوق الاستثمار الكندي (بروكفيليد).
ويقوم المشروعان على إنشاء مركزي بيانات للذكاء الاصطناعي على الأراضي الفرنسية قدرة كل منهما 1 غيغاوات.
وتقدر الاستثمارات الإماراتية ما بين 30 و50 مليار دولار، بينما المشروع الكندي سيكون بحدود 20 مليار يورو (20.7 مليار دولار).
وتريد باريس أن ترى في المشروعين أول الغيث، وهي تؤكد أنه تتوافر لديها جميع الإمكانات لاستضافة هذا النوع من المشاريع التي خصصت لها 35 موقعاً عبر الأراضي الفرنسية.
وبالنظر إلى أن مراكز البيانات تستهلك كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية لتشغيلها، فإن باريس تركز على أنها الدولة الكبرى في العالم التي تنتج الطاقة النظيفة بفضل اعتمادها على مفاعلاتها النووية الـ56 التي تنتج نحو 70 في المائة من طاقتها الكهربائية المستهلكة في البلاد. وتخطط باريس لنشر عشرات المفاعلات صغيرة الحجم من الجيل الجديد في السنوات القليلة المقبلة.
فرنسا رافعة الذكاء الاصطناعي الأوروبية
ترغب السلطات الفرنسية أن يكون المشروعان بمثابة أول الغيث، وتتوقع الكثير من المؤتمر لإبراز أن ما تستطيع توفيره والذي يمكن أن يشكل حوافز كافية لاجتذاب الشركات والكفاءات من أجل تطوير إمكانيات المنافسة.
من هنا، جاء تركيز المنظمين على دعوة الكثير من الفائزين بجوائز نوبل العلمية والباحثين المعروفين في كبريات المختبرات والمختصين في هذا الحقل لإفهامهم أن كاليفورنيا ليست الجهة الوحيدة في العالم التي تعمل على دفع الذكاء الاصطناعي قدماً.
ويسعى ماكرون لأن تكون بلاده «الرافعة الأوروبية» لهذه التكنولوجيا. وفي مقابلة مع صحف فرنسية عدة قبل يومين، شدد على عزمه على الدفاع عن «السيادة» الفرنسية والأوروبية في مواجهة عمالقة هذا القطاع. وقال ما حرفيته: «هل نحن مستعدون للكفاح من أجل أن نكون مستقلين تماماً، أم أننا نسمح باختزال المنافسة إلى معركة بين الولايات المتحدة الأميركية والصين؟ إذا تداركت أوروبا هذه المسألة، وبسّطت الأمور، وسرّعت الوتيرة فلديها ورقة تلعبها».
وقالت مصادر الإليزيه، في معرض تقديمها للقمة، إن الغرض الأساسي منها «تبيان أننا لا نريد أن يكون الذكاء الاصطناعي مرتهناً للجانبين الأميركي والصيني، وبالتالي إبراز أن لفرنسا ولأوروبا وللأطراف الدولية الأخرى حضورها وكلمتها ودورها».
ومن المرتقب أن تكشف فون دير لاين عن «خطة» أوروبية للذكاء الاصطناعي.
تحديات مجتمعية واقتصادية ودبلوماسية
لا يريد منظمو القمة التي تم التحضير لها خلال عام كامل أن يكون غرضها استثمارياً فقط رغم أهمية هذا الجانب. وتقول المصادر الرئاسية إن ثمة 3 تحديات يواجهها القطاع الجديد وهي اجتماعية واقتصادية ودبلوماسية. وقمة باريس هي الثالثة من نوعها في العالم إذ سبقتها قمتان جرى تنظيمهما بالتعاون بين بريطانيا وكوريا الجنوبية. لكن فرنسا تريد أن تأخذ القمة بعين الاعتبار ليس فقط الابتكارات والتجديدات التقنية، بل أيضاً تأثيراتها المجتمعية على حياة الناس. وفي الملف الذي أعدته لهذه الغاية. والسياق العام لهذه القمة أنها توفر «فرصة من أجل الانخراط جماعياً بحيث يكون التقدم العلمي والتقني والحلول التي يفضي إليها الذكاء الاصطناعي موضوعة في خدمة المصلحة العامة وللجميع». من هنا، حضور ممثلين عن كل القارات بمن فيهم من أفريقيا على أساس أن التقدم «يهم الجميع وليس حصراً الدول المتقدمة وحدها»، والدليل على ذلك أن ما لا يقل عن 1000 باحث وأكاديمي ومطور وفاعل سيسهمون في توفير رؤية متكاملة للدور لذي يمكن للذكاء الاصطناعي أن يوفره اليوم وفي المستقبل وانعكاساته على مسار المجتمعات. وفي هذا السياق، وإلى جانب التركيز على آخر ما يوفره الذكاء الاصطناعي من تطبيقات علمية وصحية وتعليمية وصناعية… سوف تطرح مجموعة تساؤلات مهمة أولها كيفية التمكن من التطوير المكثف لتكنولوجيات الذكاء الاصطناعي واستخداماتها بحيث تستفيد منها كل بلدان العالم. وثانيها، كيفية الحيلولة دون الافتئات على الحريات العامة والخاصة؟ وثالثها، طريقة العمل بحيث تكون استخدامات الذكاء الاصطناعي في خدمة المواطن وليس مسخراً لها؟