بريطانيا: الاتفاق مع بروكسل سيضيف 9 مليارات إسترليني للاقتصاد بحلول 2040
(العربية)-20/05/2025
توصلت بريطانيا، اليوم الاثنين، إلى تفاهم جديد لضبط العلاقات الدفاعية والتجارية مع الاتحاد الأوروبي منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بعد أن أجبرت قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الجانبين على تجاوز آثار انفصالهما.
وبعد ما يقرب من 9 سنوات من تصويتها على الانفصال عن الاتحاد، ستشارك بريطانيا، ذات الثقل الدفاعي، في مشروعات مشتريات مشتركة. كما اتفق الجانبان على تسهيل وصول الأغذية والسياح البريطانيين إلى الاتحاد الأوروبي ووقعا اتفاقية جديدا للصيد.
وأجبرت رسوم ترامب الجمركية، إلى جانب التحذيرات بضرورة بذل أوروبا المزيد من الجهد لحماية نفسها، الحكومات في جميع أنحاء العالم على إعادة التفكير في العلاقات التجارية والدفاعية والأمنية، ما قرب المسافات بين ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وغيره من القادة الأوروبيين، وفقًا لـ “رويترز”.
وراهن ستارمر، الذي أيد البقاء في الاتحاد الأوروبي في استفتاء خروج بريطانيا من التكتل، على أن تقديم مزايا ملموسة للبريطانيين مثل استخدام بوابات إلكترونية أسرع في مطارات الاتحاد الأوروبي سيعلو على صرخات “الخيانة” التي أطلقها نايجل فاراج، أحد أعضاء حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وقالت الحكومة إن الاتفاق مع أكبر شركائها التجاريين من شأنه أن يقلل من الروتين بالنسبة لمنتجي الأغذية والمنتجين الزراعيين، مما يجعل الغذاء أرخص ويحسن أمن الطاقة ويضيف ما يقرب من 9 مليارات جنيه إسترليني (12.1 مليار دولار) إلى الاقتصاد بحلول عام 2040.
وهذه هي الصفقة الثالثة التي تبرمها بريطانيا هذا الشهر، بعد الاتفاق مع الهند والولايات المتحدة، ورغم أنه من غير المرجح أن تؤدي إلى دفعة اقتصادية ذات مغزى على الفور، فهي قد تزيد ثقة الشركات وتجذب الاستثمارات التي تشتد الحاجة إليها.
وقال ستارمر في بيان “حان وقت التطلع إلى الأمام.. للمضي قدما من المناقشات القديمة البالية والمعارك السياسية لإيجاد حلول عملية منطقية وعملية تحقق الأفضل للشعب البريطاني”.
وصرح ستارمر بأن الاتفاقية مع بروكسل جيدة للوظائف والحدود، وأنها ستخفض الأسعار. مضيفاً: “الاتفاق يمنحنا وصولا غير مسبوق لأسواق دول الاتحاد”. وقال إن الاتفاق سيحقق تنمية الاقتصاد وتحسين معيشة البريطانيين.
أوضحت الحكومة البريطانية أن الاتفاق يزيل العقبات أمام زيادة صادراتها الزراعية إلى الاتحاد الأوروبي.
أشارت الحكومة البريطانية إلى أن ربط أسواق الكربون مع الاتحاد الأوروبي سيوفر 800 مليون جنيه. وأكدت أن صادرات الحديد إلى أوروبا ستكون معفاة من الرسوم.
من جانبها، وصفت المفوضية الأوروبية، الاتفاق مع بريطانيا بـ”لحظة تاريخية”، مضيفة أنه سيعزز قدراتنا لمساعدة أوكرانيا لأن التعاون في الأمن والدفاع مع بريطانيا سيصبح أكبر. وتابعت: “ندخل مرحلة جديدة في العلاقة الأمنية والدفاعية مع بريطانيا”.
أبرمت بريطانيا والاتحاد الأوروبي اتفاقا جديدا للتعاون الأمني والدفاعي وذلك خلال قمة مهمة في لندن، على ما قال الجانبان.
وقال مكتب رئاسة الحكومة البريطانية في بيان إن الاتفاق: “سيمهد الطريق” أمام صناعة الدفاع البريطانية للمشاركة في صندوق دفاعي قيمته150 مليار يورو (167 مليار دولار) يعمل الاتحاد على إنشائه.
وأعلن دبلوماسيون أوروبيون اليوم الاثنين التوصل إلى اتفاق بشأن إعادة تنظيم العلاقات مع المملكة المتحدة بعد محادثات جرت ليلا لحل الخلافات حول نقاط شائكة رئيسية.
وافق أعضاء الاتحاد الأوروبي في وقت سابق على ثلاثة نصوص للتوقيع عليها، لا سيما في مجال الدفاع وكذلك في مسألة حقوق الصيد الشائكة، بعد اختراق في اللحظات الأخيرة.
يدفع ستارمر باتجاه تعزيز علاقات المملكة المتحدة مع جيرانها الأوروبيين، وترى حكومة حزب العمال بأن الاتفاق الذي أبرمته حكومة المحافظين السابقة “لا يخدم مصالح أي طرف”.
لكن ستارمر، الذي تولى رئاسة الوزراء عقب انتخابات يوليو/ تموزالماضي رسم عدة خطوط حمراء قال إنه لن يتجاوزها.
وبقيت نقاط شائكة حول بعض مطالب الاتحاد الأوروبي، فيما ينتقد المحافظون خطوة “إعادة تنظيم” العلاقات باعتبارها “استسلاما”.
وصرح مصدر مطلع على المحادثات لوكالة فرانس برس بأنه “حدث تقدم متأخر الليلة الماضية، ولا تزال هناك خطوات يجب اتخاذها”.
بموجب الاتفاق النهائي، تُبقي بريطانيا مياهها مفتوحة أمام الصيادين الأوروبيين لمدة 12 عامًا بعد انتهاء صلاحية الاتفاق الحالي في عام 2026، مقابل تخفيف دول الاتحاد الأوروبي السبع والعشرين القيود البيروقراطية على واردات السلع الغذائية من المملكة المتحدة إلى أجل غير مسمى، وفقا لدبلوماسيين.
وفيما يتعلق بمسألة تنقل الشباب، اتفق المفاوضون على صياغة عامة تُؤجل المساومة إلى وقت لاحق. وتخشى لندن أن يُؤدي أي برنامج لتنقل الشباب إلى عودة حرية التنقل بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة.
ظل روسيا وترامب
وتأتي المحادثات في وقت يسعى الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لزيادة التسلح في مواجهة التهديد من روسيا والمخاوف من تراجع الولايات المتحدة عن المساهمة في حماية أوروبا في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
ومن المفترض أن تؤدي شراكة الدفاع إلى إجراء محادثات أمنية بشكل أكثر انتظاما، واحتمال انضمام بريطانيا إلى بعثات عسكرية تابعة للاتحاد الأوروبي، فضلا عن إمكانية استفادة لندن الكاملة من صندوق دفاع بقيمة 150 مليار يورو (167 مليار دولار) يعمل الاتحاد على إنشائه.
لكن العديد من التفاصيل قد تترك لتنجز لاحقا، مثل مسألة السماح لبريطانيا وصناعتها الدفاعية بالاستفادة بلا قيود من برامج الاتحاد الأوروبي.
وترتبط بريطانيا أصلًا بعلاقات دفاعية متشابكة مع 23 من دول الاتحاد الأوروبي من خلال حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لذلك تعد شراكة الدفاع الجزء الأسهل من الاتفاقات المطروحة.
وقالت أوليفيا أوسوليفان، مديرة برنامج المملكة المتحدة في العالم بمركز تشاتام هاوس للأبحاث “أعتقد أنه ينبغي أن نحافظ على نظرة معتدلة نسبياً لأهمية هذا الأمر”.
وأضافت لوكالة فرانس برس “إنها الخطوة التالية نحو تعاون أوثق… لكنها لا تمثل حلا للعديد من القضايا العالقة”.
استبعد ستارمر العودة إلى الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، لكنه يبدو مستعدًا لاتفاق بشأن المنتجات الغذائية والزراعية.
الإجراءات البيروقراطية والتنقل
وقال وزير شؤون أوروبا نِيك توماس-سيموندز كبير المفاوضين البريطانيين، في مقابلة مع “بي بي سي” الأحد: “نريد بالتأكيد تقليص الإجراءات البيروقراطية وكل الشهادات المطلوبة”، موضحًا أن بعض المواد الغذائية كانت تتعرض للتلف بسبب بقاء الشاحنات ساعات طويلة بانتظار عبور الحدود.
رفض ستارمر العودة إلى حرية الحركة الكاملة، لكنه منفتح على برنامج تنقل يتيح لبعض الشباب البريطانيين والأوروبيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 عامًا الدراسة والعمل في المملكة المتحدة وبالعكس.
ويتعامل ستارمر مع هذا الملف بحذر، في ظل صعود حزب “إصلاح المملكة المتحدة” (ريفورم يو كي) اليميني المتشدد، المناهض للهجرة والاتحاد الأوروبي، بقيادة نايجل فاراج.
وقال توماس-سيموندز إن أي اتفاق بشأن البرنامج سيُصاغ بعناية وسيخضع “لضوابط دقيقة”.
وأضاف أن لندن تسعى أيضا إلى توفير مسار جمركي أسرع للمواطنين البريطانيين الداخلين للاتحاد الأوروبي، موضحًا: “نريد أن يتمكن البريطانيون من الاستمتاع بإجازاتهم، لا أن يعلقوا في طوابير الانتظار”.
وفي سياق متصل، وصف نور الدين فريضي، مراسل “قناة العربية”، التطورات الأخيرة في العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بأنها “نقطة تحول” حقيقية.
وأشار فريضي، إلى أن رئيس الوزراء البريطاني محق في حديثه عن “بداية عهد جديد”، وهو ما قابله تفاؤل مماثل من رئيس المجلس الأوروبي ورئيسة المفوضية الأوروبية بالحديث عن “فصل جديد” و”طي صفحة السنوات الأخيرة” التي اتسمت بصعوبة تداعيات اتفاق “بريكست” على الاقتصاد البريطاني.
وأوضح أن الاتفاق الجديد سيمكن بريطانيا من المشاركة في الاستثمارات الأوروبية، خاصة في مجال تسليح أوروبا، حيث خصص الاتحاد الأوروبي 150 مليار يورو لهذا الغرض. وعلى الصعيد السياسي، سيتمكن البريطانيون من المشاركة في اجتماعات وزراء الدفاع والأمن الأوروبيين، مما يعزز دورهم في آليات صنع القرار الأمني والدفاعي الأوروبي.
وأكد أن هذه الشراكة تأتي في مرحلة مهمة للاتحاد الأوروبي، خاصة مع إشارة الولايات المتحدة إلى إمكانية تخفيف التزاماتها الأمنية تجاه أوروبا في مواجهة التحديات التي يراها الاتحاد وحلف شمال الأطلسي. وعلى الصعيد الاقتصادي، ستستفيد بريطانيا من تبسيط الإجراءات أمام مصدري المنتجات الزراعية والحيوانية، بالإضافة إلى العمل المستقبلي على خطط لتنقل الشباب والطلاب بين الجامعات الأوروبية.
وأرجع تسارع وتيرة التقارب إلى عدة عوامل، منها رغبة رئيس الوزراء البريطاني الحالي في تقليل الآثار السلبية لـ”بريكست”، والدور الريادي الذي لعبته بريطانيا في دعم أوكرانيا عسكريًا، بالإضافة إلى السياسات الحمائية التي اتبعتها الإدارة الأميركية والتي دفعت الأوروبيين والبريطانيين إلى الشعور بالحاجة لتعزيز الروابط بينهما على مختلف الأصعدة.