تخفيض التصنيف الائتمانيّ لفرنسا يعكس هشاشة الاقتصاد وسط الأزمات السياسيّة والدَّين المرتفع
(النهار)-31/12/2024
خفّضت وكالة موديز التصنيف الائتماني لفرنسا بشكل مفاجئ إلى “AA3” مع نظرة مستقرة، في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية التي يمر بها ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا، محذرة من مخاطر التشرذم السياسي وارتفاع الديون، الذي تخطّى حجمها سقف الـ3.5 تريليون دولار، بحسب وزارة المالية الفرنسية. فيما أعلنت قرابة الـ49 ألف شركة إفلاسها في فرنسا هذا العام بحسب ما كشفه بنك فرنسا. هذا ويعيش أكثر من 10 ملايين فقير في فرنسا بحسب الأمم المتحدة. وقرار موديز جاء بعد سقوط حكومة ميشيل بارنييه بسبب الميزانية وتكليف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فرانسوا بايرو لتشكيل حكومة جديدة، وهي رابع حكومة في فرنسا منذ العام الجاري، ما يعكس حالة الخوف من تزايد هشاشة المالية العامة وسط الانقسام السياسي الحادّ.
في هذا الإطار شرح رئيس قسم الأسواق العالمية في cedra markets، جو يرق، في حديثه لـ”النهار” أنّ “أحد الأسباب التي دفعت إلى الدعوة لانتخابات مبكرة في فرنسا هو التحدّي الكبير الذي يواجه الاقتصاد الفرنسي للوصول إلى مستوى عجز 3% في حلول عام 2027، وهو مستوى وعدت فرنسا الاتحاد الأوروبي بتحقيقه. هذا الهدف يبدو صعب المنال في ظل الأوضاع الحالية، ما يفرض تحدّيات هائلة على الاقتصاد الفرنسيّ لتخفيض العجز. لتحقيق ذلك، سيكون هناك حاجة لفرض ضرائب إضافية، وهو أمر قد يؤدّي إلى تداعيات اقتصادية واجتماعية”.
وفسّر يرق أنّ “السياسات الاقتصادية السابقة أدت إلى سقوط الحكومة السابقة برئاسة بورنييه، وتعيين حكومة جديدة بقيادة ماكرون. ومن المتوقع أن تكون أيّ محاولات لتخفيض العجز مصحوبة بزيادات ضريبية، ستنعكس بشكل مباشر على المستهلكين، الشركات، والمواطنين الفرنسيين”.
الوضع يظهر جليّاً عند النظر إلى العوائد على السندات الفرنسية، حيث بلغ الفارق بين السندات الفرنسية والألمانية – التي تعتبر معياراً (Benchmark) في أوروبا – أعلى مستوى له منذ عام 2012، واتسع الفارق ليصل إلى 80 نقطةَ أساسٍ. هذا يعكس ارتفاع مستوى المخاطر في الاقتصاد الفرنسي، بحسب يرق الذي اعتبر أنّ “الأخطر من ذلك هو أن الفارق بين عوائد السندات الفرنسية واليونانية، رغم وضع الأخيرة المتعثر، وصل إلى مستوى الصفر الشهر الماضي، ما يعكس الضغوط المالية الهائلة على فرنسا”.
علاوة على ذلك، فإن عوائد السندات الفرنسية بلغت مستويات غير مسبوقة تجاوزت 30%، وهو ما يزيد من قلق المستثمرين ويضع ضغوطاً إضافية على الحكومة لتوفير مداخيل جديدة، غالباً من خلال فرض ضرائب إضافية. هذه الضرائب ستثقل كاهل الشركات والمستهلكين على حدّ سواء، ما قد يؤدّي إلى ضعف في عجلة الاقتصاد وتفاقم الأزمات الاقتصادية، برأي يرق.
على نطاق أوسع، تواجه أوروبا بأكملها تحديات اقتصادية كبيرة. ألمانيا، التي تُعدّ المحرّك الاقتصادي الرئيسي للقارة، تعاني من نموّ شبه معدوم، بينما فرنسا تواجه ضغوطاً متزايدة رغم تحقيق بعض النمو الطفيف المرتبط بأحداث مثل أولمبياد باريس. أما إيطاليا، فهي الأخرى تعاني من مشكلات مشابهة.
كما أنّ الحرب الروسية الأوكرانية ألقت بظلالها الثقيلة على أوروبا، حيث رفعت أسعار الطاقة وأثّرت سلباً على الاقتصاد الأوروبيّ، مع تكبّد القارة خسائر تقدر بحوالي تريليون دولار بسبب تداعيات الحرب. إلى جانب ذلك، تواجه أوروبا تحديّاً ديموغرافيّاً كبيراً مع شيخوخة القوى العاملة، ما يزيد من حجم التحدّيات المستقبلية للقارة.