ترامب يفتح باب كنز القرن الثمين أمام فائقي الثراء
(البيان)-19/12/2024
ماسك يبدو في طريقه ليكون أول تريليونير خلال فترة رئاسة ترامب
قفزت ثروة إيلون ماسك إلى ما يربو على 440 مليار دولار، بزيادة تُقارب الثلثين منذ فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأمريكية، في 5 نوفمبر الماضي، ما يجعله يُحلق بعيداً عن الجميع، في ظلّ الانتعاش الاقتصادي الحالي، الذي يصبّ في مصلحة فائقي الثراء. وبهذه الوتيرة، يبدو ماسك في طريقه ليكون أول تريليونير خلال فترة رئاسة ترامب.
وفي محاولة للحاق بالركب، تبرع كل من مارك زوكربيرغ مؤسس «ميتا»، وجيف بيزوس مؤسس «أمازون»، بمليون دولار لحفل تنصيب ترامب، في خطوة لكسب ود الإدارة الجديدة. ومع توجه الولايات المتحدة نحو أكبر عملية تحرير اقتصادي من القيود التنظيمية في تاريخها، شهدت ثروات هؤلاء الأثرياء أيضاً قفزات ملحوظة.
لكن هل ستستفيد الطبقة العاملة التي منحت ترامب ثقتها مجدداً من النمو المتوقع؟ هكذا أكد ترامب في وعوده. وقد حصد أصواتهم بسبب إنجازات ولايته الأولى، حين شهد الدخل الحقيقي نمواً ملموساً قبل الجائحة. لكن الظروف الاقتصادية تغيرت تماماً، ففي 2017، ورث ترامب اقتصاداً بأسعار فائدة صفرية، أما الآن، فالقيود النقدية مشددة. وسيكون لتجديد التخفيضات الضريبية آثار تضخمية، قد تعصف بآمال الطبقة العاملة.
غير أن الأثرياء، خاصة ممن لهم استثمارات في الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة، لن يواجهوا المصير ذاته. فهذان القطاعان هما الأكثر دعماً وحماسةً لترامب. أما تضارب المصالح الذي يحيط بإيلون ماسك، بصفته رئيساً مشتركاً لما يُسمى «وزارة كفاءة الحكومة» أو «دوج»، فهو غير مسبوق، فـ«دوج» ليست دائرة حكومية حقيقية، ولا تسعى للكفاءة حقاً.
ويزعم ماسك أنه يطمح إلى تقليص الميزانية بمقدار 2 تريليون دولار، أي ما يعادل نحو ثلث الإنفاق الفيدرالي. لكن هذا الهدف يبدو مستحيلاً دون إجراء تخفيضات جذرية على ميزانية الدفاع والضمان الاجتماعي و«ميديكير»، وهما التعهدان اللذان قطع ترامب على نفسه بالحفاظ عليهما، بل وزيادتهما.
ولا يتبقى في الموازنة سوى بند الإنفاق المحلي التقديري، الذي يشمل التعليم، وبرامج المساعدات الغذائية، والبنية التحتية، وغيرها، بقيمة تقل عن تريليون دولار. ومع ذلك، يبدو من الصعب أن ينجح إيلون ماسك في إقناع الكونغرس بالتخلي عن سلطته في التحكم بالموازنة، بينما سيجد الأخير نفسه مستعداً لإقرار تخفيضات ترامب الضريبية.
والنتيجة الحتمية لذلك ستكون ارتفاع العجز في الموازنة الأمريكية، والذي يبلغ بالفعل 6.4 % من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024. وهذا العجز المتنامي لن يمر دون تبعات، إذ سيرفع تكلفة الاقتراض، ما سيُثقل كاهل الطبقة الوسطى مرتين: مرة عبر استنزاف جزء متزايد من الموازنة لخدمة الدين، ومرة أخرى من خلال الضغوط المالية الناجمة عن ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية على مداخيلهم الشخصية.
لكن ماسك، في واقع الأمر، يركز على هدف أبعد من ذلك، فمبادرته المعروفة باسم «دوج»، تهدف في جوهرها إلى إزالة القيود التنظيمية. وتوقعات السوق بنجاحه في هذا المسار، كانت العامل الأكبر في تضخم ثروته مؤخراً.
فالطفرة التي تشهدها قيمة «دوج كوين»، التي يمتلك ماسك فيها حصة، ما هي إلا انعكاس للنجاح الذي تحققه شركاته الأخرى، مثل تسلا، وسبيس إكس، ونيورالينك، وإكس آيه آي، التي تزدهر جميعها على نحو غير مسبوق. ومع تشابك مصالح ماسك واتساع نطاقها، سيصبح من الصعب على الإعلام، والكونغرس، والهيئات الرقابية تتبّع مجمل هذه الأجندات.
ومن أبرز المكاسب المتوقعة لماسك: تخفيف المسؤولية القانونية عن نظام القيادة الذاتية لتسلا، وزيادة العقود السرية المبرمة بين سبيس إكس والبنتاغون، فضلاً عن فتح الباب على مصراعيه لاستثماراته في مجالي الذكاء الاصطناعي والشرائح الدماغية.
صحيح أن إيلون ماسك يتصدر المشهد، لكنه ليس وحده على السياحة، فأعضاء «مافيا باي بال» الشهيرة، التي أطلقت شركة الدفع الإلكتروني، يجنون أيضاً ثمار الوضع الجديد، فبيتر ثيل صاحب شركة «بالانتير تكنولوجيز» لتحليل البيانات، التي ترتبط بعقود ضخمة مع البنتاغون (أغلبها سرية)، شهد ارتفاعاً في سعر سهم شركته بنحو 25 % منذ الخامس من نوفمبر. وبهذا تكون القيمة السوقية لـ«بالانتير» قد تجاوزت قيمة «لوكهيد مارتن»، الرمز التقليدي لمجمع الصناعات الدفاعية الأمريكية.
في الوقت ذاته، اختار دونالد ترامب رجل الأعمال ديفيد ساكس، ليشغل منصب «مسؤول الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة في البيت الأبيض»، تنفيذاً لأحد وعوده الانتخابية، بأن يضيف الاحتياطي الفيدرالي العملات المشفرة إلى ميزانيته.
وإذا تحقق هذا الوعد، فسيُعتبر البنك المركزي الأمريكي داعماً لما يصفه العديد من الخبراء، بأنه مخطط «احتيال هرمي». ولا عجب أن تتجاوز قيمة البيتكوين حاجز 100 ألف دولار، عقب فوز ترامب، الذي علّق بدوره عبر منصته «تروث سوشال» بتعليق ساخر: «على الرحب والسعة».
في الولايات المتحدة، يقول البعض إن الفساد قانوني. ورغم تضارب المصالح الواضح، لا أحد يتهم ماسك أو ترامب بمخالفة القوانين. السياسة وحدها هي الحكم في هذه الحالة. ومع أن ترامب لم يحصل إلا على أقل من نصف الأصوات الشعبية، فإنه يتصرف وكأنه يمتلك تفويضاً شعبياً شاملاً لإعادة تشكيل أمريكا.
المستفيدون بدأوا فعلياً بحصد مكاسب لا تُصدق، وكل هذا يحدث قبل حتى أن تطأ قدما ترامب البيت الأبيض.