ثورة هادئة في بيئات العمل بسبب الحضور المتزايد للذكاء الاصطناعي
(البيان)-12/02/2025
خلال رحلة طيران لي إلى فرنسا مؤخراً، انفتح باب الحوار بيني وبين المسافرة التي كانت تجلس إلى جواري. وأثناء الحديث برز برنامج «تشات جي بي تي».
هذه المسافرة تعمل كموظفة بنك، ولفتت على أنها باتت تستخدم الآن برنامج الدردشة الآلية لكتابة غالبية مراسلاتها مع الزملاء والعملاء.
وأكدت أن الكتابة لم تكن أبداً نقطة قوتها، لذا، ترى أن التطبيق قادر على توليد نص يلتقط ما تريد قوله بشكل أفضل مما تستطيع. ومازحت بأنها قد تبدأ استخدامه لكتابة رسائل إلى الأصدقاء والعائلة، بل أشارت بخجل إلى حد ما أنها فعلت ذلك بالفعل.
حيث طلبت من التطبيق المساعدة في رسالة عيد ميلاد مؤخراً. وأوحى قلقها بأنها شعرت بأن ما كانت تفعله كان خطأً بطريقة ما.
وهكذا، فإنها مثل الكثير من الآخرين غيرها، تستخدم الآن الذكاء الاصطناعي التوليدي في نطاقات شاسعة من الاتصالات الشخصية والمهنية، دون أن يعلم أولئك الذين يتلقون هذه الرسائل بأنها وليدة الذكاء الاصطناعي.
وبينما تستكشف الشركات كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي التوليدي بطرق مربحة وتحويلية، فإن ثورة هادئة تجري بالفعل بين صفوف الموظفين.
لقد بات المحامون والمصرفيون والأطباء والعديد من المهنيين الآخرين يستخدمون الآن بانتظام برامج الدردشة الآلية للكتابة إلى الزملاء والعملاء والزبائن والمرضى. ويبدو أن المديرين التنفيذيين للشركة يقللون من تقدير مدى استخدام موظفيهم للتكنولوجيا.
وفي أكتوبر الماضي، كشف استطلاع أجرته شركة ديلويت في أوروبا أن ما يقرب من نصف (47 في المائة) من المستجيبين الملمين بالذكاء الاصطناعي التوليدي استخدموه بالفعل في الأنشطة الشخصية، بينما استخدمه ربعهم (23 في المائة) في العمل.
وكشف التقرير أيضاً أن ربع الموظفين استخدموا نماذج دفعوا ثمنها بأنفسهم. ويأتي هذا مع أنه لم يمر سوى عامين على إصدار «تشات جي بي تي»، وهو تطبيق يكلف 20 دولاراً شهرياً للإصدار «بلاس» الذي يأتي بدون حدود للاستخدام.
وفي الشهر الماضي، حل المنافس الصيني المجاني «ديب سيك» محل «تشات جي بي تي» في موقع الصدارة بمتاجر التطبيقات. ويمكن أن تؤدي شعبيته إلى تبني أوسع للذكاء الاصطناعي التوليدي.
وأفاد استطلاع ديلويت، الذي استطلع آراء 30 ألف مستهلك وموظف في 11 دولة، أن 63 في المائة من أعضاء الموظفين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي قالوا إن شركاتهم إما تشجع (44 في المائة) أو تسمح (19 في المائة) باستخدامه لأغراض العمل. فيما قال ما يقرب من ربعهم (23 في المائة) إن مؤسساتهم ليس لديها بعد سياسة للذكاء الاصطناعي.
لقد أدى هذا الافتقار إلى الوضوح إلى ارتفاع في استخدام الذكاء الاصطناعي في الظل، مما يعني أن بعض الشركات ليس لديها أي فكرة عما يفعله موظفوها. وفي حين أن هناك آمالاً في أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من تحسين الإنتاجية.
إلا أن ذلك سيأتي بتكلفة ما، خاصة إذا كان غياب التدريب والإشراف يعني نقل معلومات غير دقيقة بين الموظفين أو إلى العملاء. كما قد تكون التفاصيل السرية معرضة للخطر إذا استخدم العمال أدوات غير مصرح بها ولا تلتزم بمعايير الأمن والخصوصية.
وقد وجد بحث أجراه المركز الأوروبي لتطوير التدريب المهني أن واحداً من كل 7 عاملين بالغين في أسواق العمل الأوروبية يعمل الآن بأدوات رقمية تكمل المهام نيابة عنهم، حيث يستخدم 22 في المائة من الموظفين الذكاء الاصطناعي للتعرف على النصوص أو ترجمتها أو نسخها أو إنشائها.
وتشدد سياسات معظم المؤسسات الإعلامية، بما في ذلك فاينانشال تايمز، على أن الصحافة لا يمكن إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي، لكن ماذا عن التواصل مع الزملاء؟
هل يجوز استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لصياغة بريد إلكتروني إلى المدير لطلب زيادة في الراتب، أو كتابة مراجعة لأداء أحد أعضاء فريق العمل؟
وهناك أيضاً خطر يتمثل في أن الموظفين الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي التوليدي لديهم ثقة كبيرة في التكنولوجيا. وفي تقرير ديلويت، قال 70 في المائة من المستخدمين إنهم يثقون في ملخصات الذكاء الاصطناعي التوليدية للمقالات الإخبارية.
وكان الرقم 64 في المائة فيما يتعلق بمسائل مثل الإقرارات الضريبية أو المزايا الوظيفية. ووجد استطلاع آخر ركز على المملكة المتحدة أن 36 في المائة من المستخدمين يعتقدون خطأً أن الذكاء الاصطناعي كان دائماً دقيقاً من الناحية الواقعية.ويتحسن نتاج أدوات الذكاء الاصطناعي طوال الوقت، لكن الأخطاء لا تزال شائعة ويصعب اكتشافها.
في العام الماضي، لاحظت شركة «فاكتال» للتكنولوجيا أن نماذج الذكاء الاصطناعي تتخلى بانتظام عن الإسناد الصحفي من الملخصات، مثل إزالة «حسب تصريحات الشرطة» من القصص الإخبارية. وبالنسبة للمحامي الذي يراجع قضية، فإن مثل هذا الإغفال يمكن أن يكون حاسماً.
وماذا أيضاً عن الطريقة التي يتم بها نسج هذه التكنولوجيا بسرعة في حياتنا الشخصية؟ هل يهم إذا كانت رسالة عيد الميلاد مكتوبة بواسطة الذكاء الاصطناعي، أم أن الفكرة لا تزال هي المهمة؟
هل العالم الذي تساعد فيه برامج المحادثة الآلية أولئك الذين يكافحون لتحويل الأفكار إلى كلمات أفضل من العالم الذي لا يتم فيه كتابة الكثير، أم أن تآكل الصوت الشخصي أمر يجب أن نحذر منه؟
من الواضح أن المزيد من الشركات يجب أن تقدم الخطوط العريضة التي تشرح من خلالها كيف يمكن لموظفيها استخدام الذكاء الاصطناعي للتواصل. وعموماً، كمجتمع، يجب علينا أن نفعل الشيء نفسه.