حمى الذهب تجتاح العالم.. إلى متى يمكن أن تستمر؟
(البيان)-15/10/2025
بعد ساعة فقط من افتتاح متجر نيهون ماتيريال للذهب في طوكيو، بدأ رفض المشترين الجدد.
وشعر كينجي أونوكي مدير شركة معمارية يبلغ من العمر 40 عاماً، بنشوة النصر، بعد إتمام أول عملية شراء له على الإطلاق لهذا المعدن الثمين، وهي سبيكة ذهب صغيرة، رغم أنه سيضطر إلى الانتظار شهراً كاملاً حتى وصولها.
في جميع أنحاء العالم، يتدفق المستثمرون الجدد والقدامى على هذا المخزن العريق للقيمة، بعد انتعاش قوي استمر ثلاث سنوات، مدفوعاً بعمليات شراء من البنوك المركزية.
وقد استحوذ الأمر على كثير من الاهتمام، ليس فقط من المستثمرين المحترفين، بل من عامة الناس أيضاً.
هذا مجرد مثال واحد على تهافت المستثمرين الأفراد، حتى خارج الأسواق التقليدية المهتمة بالذهب، مثل الهند وتركيا، على شراء سبائك وعملات الذهب. وقد ساهم ذلك في تعزيز هذا الانتعاش القوي.
وارتفعت أسعار السبائك بأكثر من 50 % هذا العام، مسجلةً رقماً قياسياً، تجاوز 4100 دولار للأونصة، ما يضع الذهب على مسار أفضل عام له منذ عام 1979، عندما تضاعف سعره أكثر من الضعف، بسبب مخاوف التضخم.
وقد عزز تجدد التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين هذا الأسبوع، ارتفاع المعدن الأصفر.
ومن الصعب إرجاع الارتفاع بنسبة 19 % منذ بداية سبتمبر إلى أي من العوامل التقليدية المؤثرة في أسعار الذهب الفورية: أسعار الفائدة، وتوقعات التضخم، أو المخاوف الجديدة بشأن عدم الاستقرار الجيوسياسي.
بدلاً من ذلك، يشير العديد من المراقبين إلى هوس الذهب، الذي يبدو أنه استحوذ على المستثمرين، كباراً وصغاراً.
ويقول جريج فريث مدير تداول السبائك المعدنية لدى شركة غونفور السويسرية لتداول السلع: «الآن يتساءل الجميع: متى سيأتي الانخفاض؟ لكن في كل مرة ينخفض فيها السعر، تنشط موجات الشراء المؤسسي».
وكان المحرك الرئيس وراء هذا الارتفاع منذ عام 2022، هو عمليات الشراء القياسية التي أجرتها البنوك المركزية، خاصة في الدول النامية، والتي تسعى لتنويع أصولها الاحتياطية، بعيداً عن الدولار الأمريكي.
علاوة على ذلك، فاجأت موجة أحدث من عمليات الشراء المؤسسي والتجزئة السوق: تم ضخ مبلغ قياسي قدره 26 مليار دولار في صناديق المؤشرات المدعومة بالذهب خلال الربع الثالث، بعدما سيطر على مجتمع المستثمرين، الذي طالما شكك في هذا الأصل الذي لا يدر دخلاً، ما أطلق عليه البعض «الخوف من فوات الفرصة المغطاة بالذهب».
وفي ظل التدفقات المتزايدة، أكد بنك سوسيتيه جنرال، أن الوصول إلى 5000 دولار للأونصة «أمر لا مفر منه بشكل متزايد».
وفي هذا السياق، يتم الاستشهاد بكل سيناريو متوقع لعام 2025 كسبب للشراء: الملاذ من أمريكا بقيادة دونالد ترامب والعالم الأقل استقراراً، الحماية من أزمات الديون المستقبلية في الدول الغنية، والملجأ الوحيد المتبقي من الأسهم ذات الأسعار المرتفعة عندما تتذبذب السندات.
ويقول ديفيد تايت الرئيس التنفيذي لمجلس الذهب العالمي: «كان الدافع الرئيس في جميع أنحاء العالم، هو الخوف المتأصل من شكل من أشكال الانهيار المالي. إنه الخوف من كارثة مالية، أو لنقُل سيناريو الديون الجامحة.
كما أن السبب الكامن وراء ارتفاع أسعار الذهب هو الديون، لكنه يقر بأن هذا الارتفاع «تحدى المنطق».
مع تزايد الارتفاع، بدأ عدد متزايد من المستثمرين والمتداولين يتساءلون: متى ستتوقف هذه الموجة؟ حتى المُستثمرون القدامى في الذهب منبهرون بما يحدث للذهب.
ويقول تريفور غريثام رئيس قسم الأصول المتعددة في شركة رويال لندن لإدارة الأصول: «يبدو الأمر مُبالَغاً»، لكن مدير الصندوق، الذي يمتلك استثمارات في الذهب منذ ما يقرب من عقد من الزمان، قال: «ينظر الناس إلى الذهب كأداة تحوط جيوسياسية، وأداة تحوط مالية، وأداة تحوط من ترامب، ويشير مازحاً: «إن أكبر خطر على الذهب الآن، هو العودة إلى اتباع المنطق السليم في أمريكا».
وتتصدّر الولايات المتحدة المشهد، حيث يمارس ترامب ضغطاً كبيراً على البنك المركزي لخفض أسعار الفائدة بشكل صريح، للمساعدة في خفض تكاليف خدمة ديون البلاد.
ويرى تايت أنه إذا انخفضت مستويات الدين الأمريكي، فقد يُضعف ذلك من قيمة الذهب.
ويضيف: «هناك عوامل عديدة تُعزز ارتفاع قيمة الذهب، وعامل واحد من شأنه أن يُغير الوضع، وهو أن يحالف الحظ ترامب ببيئة تتسم بانخفاض التضخم وارتفاع النمو».
ويشير المستثمرون القلقون بشأن استقلال الاحتياطي الفيدرالي، إلى تعيين مستشار البيت الأبيض ستيفن ميران في مجلس إدارة البنك المركزي، والمعركة القانونية حول ما إذا كان بإمكان الرئيس ترامب إقالة حاكمة البنك ليزا كوك.
وتُشير روث كرويل الرئيسة التنفيذية لجمعية سوق السبائك في لندن، إلى أن «سعر الذهب شهد ارتفاعاً حاداً مع الهجوم على ليزا كوك.
لذلك، إذا بات هناك يقين باستمرارها في منصبها في الاحتياطي الفيدرالي، فقد تهدأ الأمور».
وهناك عامل آخر قد يُضعف من ارتفاع سعر الذهب، وهو أن تبدأ بعض البنوك المركزية في بيع الذهب، لإبقائه ضمن نطاقات تخصيصها المستهدفة.
فنظراً لارتفاع قيمة الذهب بسرعة كبيرة، فقد زادت بشدة قيمته كنسبة مئوية من إجمالي حيازات البنوك المركزية.
وليس من السهل الحكم على ما إذا كانت أسعار الذهب الحالية في منطقة الفقاعة: فعلى عكس أسهم الشركات، لا يُدرّ الذهب أي أرباح أو سيولة نقدية تُقارن بتكلفته.
وعلى عكس السندات، لا يُدرّ أي دخل يُمكن مقارنته بعوائد الأصول الأخرى.
بدلاً من ذلك، يميل سعره إلى أن يكون مدفوعاً إلى حد كبير بنظرة المستثمرين الأوسع للعالم، وهو ليس غريباً على حالات انهيار المضاربات – وذلك عندما تتلاشى مخاوف التضخم.
وقد أعقب صدمة التضخم في السبعينيات ارتفاع هائل، تلاه ركود في أوائل الثمانينيات، وحدث انخفاض مماثل، بعد أن بلغ الذهب ذروته في عام 2011.
ويشعر بعض المحللين بالقلق بالفعل بشأن «سلوك القطيع» في السوق الحالية.
فقد وضع ربع مديري الصناديق الذين شملهم استطلاع بنك أوف أمريكا الشهر الماضي، الرهانات الطويلة على الذهب، على أنها أكثر الصفقات ازدحاماً في السوق، حيث زادت بنسبة 12 % في أغسطس، واحتلت المرتبة الثانية بعد الرهانات على أسهم التكنولوجيا للشركات «السبع الرائعة».
وعند قيامهم بذلك، قد يتسبب المستثمرون، دون قصد، في خطر جديد – فقاعة محتملة في الذهب، حسبما يشير يقول جاي ميلر كبير استراتيجيي السوق في شركة زيورخ للتأمين.
ومن حيث الأداء، تسارعت وتيرة ارتفاع الأسعار الأخيرة بشكل كبير، حيث تجاوز سعر الذهب الآن متوسطه المتحرك لمئتي يوم بأكثر من 20 %، ومتوسطه المتحرك لمئتي أسبوع بأكثر من 70 %، وفقاً لمحللي بنك أوف أمريكا، الذين لفتوا الانتباه إلى أن هذا لم يحدث إلا ثلاث مرات من قبل، في ذروة أعقبتها انخفاضات بنسبة 20 – 33 %.
وكان أحد المحركات المهمة لارتفاع أسعار الذهب هذا العام، تزايد التوقعات بخفض أسعار الفائدة، ما قلل من جاذبية الاحتفاظ بالديون الحكومية، حتى مع قلق الناس بشأن توقعات التضخم.
وفي الولايات المتحدة، يتوقع المستثمرون أربعة تخفيضات بربع نقطة مئوية بحلول نهاية العام المقبل، على الرغم من تجاوز التضخم هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 %، ببلوغه 2.7 % في أغسطس، والسياسات المالية المتساهلة التي تُعزز النمو.
ونتيجةً لذلك، يُحذر بعض المستثمرين بشكل متزايد من ارتفاع محتمل في التضخم.