خبراء: العملات المشفرة تحمل سمات فقاعة واضحة
(الإقتصادية)-15/10/2025
عادت بيتكوين وأخواتها من العملات المشفرة إلى واجهة المشهد المالي العالمي خلال الأشهر الأخيرة، إذ وصلت قيمة العملة المشفرة لأول مرة إلى 125 ألف دولار، وهو مستوى قياسي غير مسبوق، قبل أن تتراجع دون 120 ألفا.
هذا الصعود والانخفاض فتح النقاش مجددا حول جدوى العملات المشفرة ومخاطرها.
يرى فريق من الخبراء أن العالم أمام تحول مالي عالمي قد يغير قواعد اللعبة، ويؤكد أن الارتفاع سيستمر في الأشهر المقبلة، مرجعا الانخفاض الى تغيرات سوقية “طبيعة” ترتبط بالعرض والطلب. في المقابل يقرأ فريق آخر المشهد على أنه إشارة إلى فقاعة جديدة ستنتهي بانهيار حاد.
رغم المخاطر المحدقة بالاستثمار في العملات المشفرة، فإنها تتمتع اليوم بقاعدة واسعة من المدافعين الذين يرون فيها أداة للتحرر من قبضة البنوك المركزية. فاللامركزية المرتبطة بالعملات المشفرة تمنح مستخدميها سيطرة أكبر على أموالهم بعيدا عن تدخلات السلطات النقدية.
“الذهب الرقمي“
أن. كريس، المحلل المالي في مجال الأصول الرقمية لدى شركة “فوريس DAX”، يصف البيتكوين بأنه “الذهب الرقمي” حاليا.
وقال لـ “الاقتصادية”: “البيتكوين وسيلة فاعلة للتحوط ضد التضخم وفقدان العملات الوطنية لقيمتها، خاصة في الاقتصادات التي تضعف فيها الثقة بالعملة المحلية”.
يعزز وجهة النظر هذه التبني المؤسسي المتزايد من قبل شركات وصناديق استثمارية كبرى في العملات المشفرة، التي باتت جزءا من أصولها، ما يمنح السوق شرعية أكبر.
وتشير التقديرات الحالية إلى أن النسبة الشائعة التي تستثمر بها صناديق كبرى في العملات المشفرة عادة تكون في نطاق 1-5% من أصولها.
أنصار العملات المشفرة يعتبرون أن القيمة الحقيقية لتلك العملات تكمن في التكنولوجيا التي تقوم عليها، أي سلسلة الكتل “البلوكتشين” بما تحمله من إمكانات في المدفوعات وسلاسل التوريد، وهذا ما يجعل كثيرا من المستثمرين أكثر ثقة بمستقبلها.
لا قيمة جوهرية
في المقابل، يبرز انتقاد جوهري لهذه الأصول، لأنها لا تستند إلى قيمة جوهرية مثل الشركات أو السلع. فالسهم يُبرز ملكية في شركة ذات أرباح أو أصول، والذهب يتمتع بقيمة مادية وتاريخية، أما البيتكوين ونظرائها فلا تصدر عن بنك مركزي ولا تدعمه تدفقات نقدية.
تُبنى قيمة العملة المشفرة بالكامل على ثقة المتعاملين، وهي ثقة قد تنهار سريعا وفقا لـ إن. سي. سي. درايتون، أستاذ النقود والبنوك.
درايتون قال لـ “الاقتصادية”: “سوق العملات المشفرة تتسم بتقلبات شديدة. فالبيتكوين تشهد دائما موجات صعود حادة تليها انخفاضات بالحدة نفسها، ما يجعلها أقرب إلى أداة مضاربة من كونها أصلا استثماريا مستقرا”.
لا يقتصر الخطر على المستثمرين الأفراد، بل يمتد إلى الاستقرار المالية. فمع توسع استثمارات المؤسسات والصناديق الكبرى في هذه السوق، قد يقود أي انهيار مفاجئ إلى خسائر بمليارات الدولارات تؤثر في الأسواق التقليدية.
كذلك، فإن غياب إطار تنظيمي عالمي موحد يفتح الباب أمام غسل الأموال والاحتيال.
اجترار لفقاعة الإنترنت
ترى الدكتورة إيفا جريفيث، أستاذة الاقتصاد الدولي، أن المشهد الحالي يذكّر بفقاعة الإنترنت في تسعينيات القرن الماضي.
ولـ “الاقتصادية” قالت: “في ذلك الوقت، انهار عديد الشركات الناشئة. لكن التكنولوجيا الأساسية، أي الإنترنت، لم تختف وأصبحت حجر الأساس للاقتصاد العالمي”.
قد تسلك العملات المشفرة مسارا مشابها، بحسب جريفيث، بحيث تنهار عملات عدة أو تفقد قيمتها، بينما تستمر تكنولوجيا البلوكتشين وتحدث تحولا كبيرا في النظام المالي.
“لكن التوسع غير المنضبط في أدوات مالية غير مفهومة قد يقود إلى أزمة عالمية” وفقا لقولها.
يمكن القول بأنه بين سمات الفقاعة الواضحة في عالم العملات المشفرة، والتكنولوجيا الواعدة الكامنة خلفها، يظل الحذر واجبا على المستثمرين، والحاجة إلى تنظيم أكثر وضوحا وشفافية أشد إلحاحا.
في خضم هذا المشهد، يبقى مستقبل العملات المشفرة رهنا بقدرتها على تجاوز طبيعتها في المضاربة والتحول إلى جزء من الاقتصاد الحقيقي.