«ديب سيك» الصيني يتسبب بيوم «اثنين أسود» لشركات التكنولوجيا الأميركية
(الشرق الاوسط)-29/01/2025
من دون مبالغة، كان يوم الاثنين على شركات التكنولوجيا الأميركية العملاقة، يوما أسود بكل ما للكلمة من معنى. فتبخر نحو تريليون دولار في يوم واحد، من القيمة السوقية لتلك الشركات، أكثر من نصفها لشركة «إنفيديا» التي خسرت أسهمها نحو 600 مليار دولار، في أعقاب طرح شركة «ديب سيك» الصينية المغمورة، وتخطت معانيه وتداعياته الجانب الاقتصادي البحت.
الخبر الأول في الإعلام الأميركي
وللدلالة على أهمية الحدث، تصدر يوم الثلاثاء خبر إطلاق الشركة الصينية لنموذجها الأولي «آر1»، عناوين كبريات الصحف ووسائل الإعلام الأميركية، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، مجبرا الرئيس الأميركي دونالد ترمب على التطرق إلى الموضوع، مطلقا تحذيرا لتلك الشركات من «الخطر» الذي يشكله المنافس الصيني على «سيليكون فالي» برمته. وبدا أن «العملاق» الصيني كان يحضر لإطلاق تلك المفاجأة في «الوقت المناسب»، بعد أقل من أسبوع على تنصيب ترمب، وقبيل بدء المحادثات المتوقعة بين البلدين «لإدارة تنافسهما»، على أسس ندية، بعدما أمعنت الولايات المتحدة في فرض الكثير من القيود، على قدرة الصين في الوصول إلى صناعة الرقائق الإلكترونية الفائقة.
نتائج إيجابية للأسواق!
ورغم ذلك، تحدثت الكثير من عناوين الصحف الأميركية، عن النتائج «الإيجابية» على الأسواق التي بدأت في إعادة النظر في تسعير مستقبل الذكاء الاصطناعي، الذي سيكون أرخص وأكثر سهولة في الوصول إليه مما كانت تفترضه سابقا. ورأت أنه كلما قل المال الذي تحتاج الشركات إلى إنفاقه لإنتاج الذكاء الاصطناعي، من رقائق متقدمة تحتكرها حتى الآن شركة «إنفيديا»، إلى الطاقة الكهربائية اللازمة لتشغيلها، زادت ربحيتها.
ومع ذلك، فإنه ما بدا وكأنه ضربة كبيرة يوم الاثنين، تبين أنه أصاب بعض الشركات، فيما استفادت شركات أخرى منه. وبعدما انخفضت غالبية مؤشرات سوق الأسهم بشكل عام، وعلى رأسها قيمة أسهم شركة «إنفيديا»، أغلقت الأسواق على ارتفاع لمؤشر داو جونز، وارتفعت أسهم شركة «أبل» أكثر من 100 مليار دولار.
ضربة لشركات التكنولوجيا والطاقة
كان الاعتقاد أن الذكاء الاصطناعي سيكون كبيرا، وستشهد شركاته ارتفاعا في أسعار أسهمها بمجرد الإعلان عن شرائها لعدد كبير من شرائح «إنفيديا». كما ارتفعت أسهم شركات الطاقة التي كانت مشاريعها لتطوير إنتاج الطاقة الكهربائية، التي سيعتمد عليها في تشغيل ثورة الذكاء الاصطناعي، تشهد انتعاشا كبيرا. لكن الأخبار القادمة من الصين، أعادت الأمور إلى نصابها، حيث تبين أنه بالإمكان خفض تلك التكاليف بشكل كبير، مع الحفاظ على الأداء المتوقع مقابل كل دولار يستثمر في الذكاء الاصطناعي.
وأظهرت شركة «ديب سيك» أنه من الممكن إنتاج ذكاء اصطناعي متطور لا يحتاج إلى عدد كبير من الرقائق المتطورة وإلى طاقة أكثر أو استثمارات أولية كبيرة. وهو ما عد أخبارا سيئة لشركة «إنفيديا» التي تحتكر فعليا رقائق الذكاء الاصطناعي، كما أنه سيئ لشركات الطاقة التي كانت تعتمد على الطلب المتزايد من تلك الشركات.
عائد كبير بتكلفة أقل
فتكلفة تدريب وتطوير نماذج «ديب سيك» لا تمثل سوى جزء بسيط مما هو مطلوب لمنتجات «أوبن إيه آي» و«ميتا» المتطورة. وقد أثارت كفاءتها العالية، على الرغم من قلة تكلفتها، قلق وحيرة الشركات الأميركية العملاقة، مثل «إنفيديا»، و«ميتا»، والتي أنفقت مبالغ ضخمة للهيمنة على قطاع الذكاء الاصطناعي المزدهر. وتسببت بضجة كبيرة، وحالة من الرهبة والذهول في قطاع التكنولوجيا الفائقة، وأثارت تساؤلات حول مستقبل الهيمنة الأميركية على الذكاء الاصطناعي.
وقد لا يقف الأمر عند هذا الحد. وفي حين كانت شركات مثل «مايكروسوفت» و«أمازون» و«ميتا» و«غوغل» تخطط لاستثمار أكثر من 300 مليار دولار فيما بينها على النفقات الرأسمالية لتطوير الحوسبة الضخمة للذكاء الاصطناعي، فقد فرض عليها «المنافس الصيني» إعادة النظر في تلك التكاليف.
استثمارات «ستارغيت» ترمب مهددة
بل قد يفرض أيضا على الرئيس الأميركي ترمب إعادة النظر في الاستثمار الواعد الذي أطلقه الأسبوع الماضي لتأسيس أكبر قاعدة بيانات إلكترونية «ستارغيت»، بقيمة 500 مليار دولار، إلى أغراض أخرى يمكن أن تمول الكثير من الفرص المربحة للغاية.
ومع ذلك لا يزال مراقبو السوق يحاولون معرفة ما إذا كانت عمليات بيع اليوم الأسهم التي جرت يوم الاثنين مبالغا فيها، أو ما إذا كان ازدهار شركة «إنفيديا» ناجما عن ارتفاع أسهمها. وبحسب محللين في مجال التكنولوجيا، فإن الطلب على أفضل أجهزة الذكاء الاصطناعي سيستمر، لأن الشركات الكبرى لا تبحث عن طريقة أرخص لتحقيق الذكاء الاصطناعي، بل تبحث عن طريقة أسرع، و«ديب سيك» لا يغير هذه الديناميكية. فتدريب نموذج الذكاء الاصطناعي، المعروف باسم الاستدلال، «يتطلب أعدادا كبيرة من رقائق معالجة الرسوميات التي تنتجها (إنفيديا) والشبكات عالية الأداء».