صفقات قوية تعيد تشكيل قواعد اللعبة في سوق السندات
(البيان)-10/06/2025
انتعش سوق سندات «الخردة» عالية المخاطر مجدداً بقوة، ليجعل من شهر مايو أكثر الشهور نشاطاً من حيث إصدارات السندات ذات العائد المرتفع منذ بداية العام. وقد توالت الإصدارات بوتيرة متسارعة جعلت من الصعب التقاط الأنفاس بين الواحدة والأخرى.
وسندات الخردة هي نوع من السندات التي تصدرها الشركات ذات التصنيف الائتماني المنخفض، ويُطلق عليها مصطلح «خردة» لأنها تمثل خطراً أكبر بالنسبة للمستثمرين مقارنة بالسندات ذات التصنيف الائتماني الأعلى.
ورغم أن هذه الطفرة تمثل خبراً ساراً لمستثمري الائتمان، إلا أنها تحمل جانباً سلبياً يستدعي القلق مجدداً بشأن ممارسات «إدارة الالتزامات»، وهي أشكال من إعادة هيكلة الديون تتيح لدائن ما أن يطيح بآخر ويحتل مكانه، فقد يشتري أحد المستثمرين سندات شركة مثقلة بالديون، أو حصة من قرضها، استناداً إلى الضمانات والتعهدات الممنوحة ضمن الاتفاق، لكن يتم لاحقاً إعادة هيكلة الدين – غالباً مع جمع تمويلات جديدة – ليتقدم دائن آخر ويحتل موقع أولوية السداد. وهكذا يجد الدائن الأصلي نفسه عاجزاً فيما تُنتزع مكانته القانونية من بين يديه.
وقد باتت هذه الظاهرة تُعرف بـ«عنف الدائنين» ضد بعضهم البعض، وهي آخذة في الانتشار. ووفقاً لبنك «باركليز»، فقد شكلت عمليات مبادلة الديون المتعثرة، وهي قريبة وظيفياً من ممارسات إدارة الالتزامات، أكثر من 40% من حالات التعثر عن السداد في الشركات خلال العقد الماضي.
وخلال السنوات الأخيرة، شهدت شركات مثل «جي كرو» و«سيرتا سيمونز» و«نييمان ماركوس» ممارسات إدارة الالتزامات. وقال مايكل غاتو، الشريك في شركة «سيلفر بوينت كابيتال» ومؤلف كتاب «دليل مستثمر الائتمان»: «حين تتحول أسماء الشركات إلى أفعال، فاعلم أن هناك اتجاهاً جديداً آخذاً في الظهور».
وظهرت في المقابل بعض المحاولات لتعزيز حماية حقوق الدائنين في اتفاقيات الدين. فعلى سبيل المثال، تضمن إصدار سندات عالية العائد بقيمة 1.65 مليار دولار العام الماضي من شركة التسويق والطباعة «آرآر دونيلي» مجموعة من التعهدات التي من شأنها أن تجعل من الصعب على صفقات الديون المستقبلية تفضيل بعض الدائنين على حساب آخرين.
لكن موجة الإصدارات الأخيرة في سوق السندات عالية المخاطر لم تسفر عن ترسيخ ما يُعرف ببند «شرط دونيلي» أو أي نوع مشابه من آليات الحماية، فكثيراً ما يتنازل الدائنون عن الحماية الهيكلية مقابل فائدة إضافية طفيفة.
ومع تقلص أسواق السندات عالية العائد والقروض المشتركة بسبب المنافسة المتزايدة من المقرضين المباشرين، لا يزال عالم الائتمان يشهد واقعاً تهيمن فيه مصلحة البائع، ما يعني أن الثغرات الموجودة في الوثائق، التي تسهل عمليات إدارة الالتزامات، ليست خللاً في العملية، بل جزءاً أساسياً منها. وإذا خصصت وقتاً كافياً للتدقيق في وثائق إصدار معين، فقد تكتشف بنوداً صادمة تتيح للشركة، مثلاً، نقل حقوق الملكية الفكرية إلى خارج متناول الدائنين.
لكن من يستطيع تحمل هذا العبء في ظل وتيرة الإصدارات المتسارعة؟ الجواب: شركات الاستثمار التي تضم وحدات متخصصة في «الفرص الخاصة»، وهي التسمية الحديثة لما كان يُعرف سابقاً – من دون أي تزيين تسويقي – بمستثمري الديون المتعثرة. وقد قال لي أحد هؤلاء المختصين بسخرية إن هذا الوصف يُستخدم بشكل خاطئ لوصف المستثمرين أنفسهم، لا الديون التي يشترونها.
تنقسم شركات التمويل بالاستدانة بشكل متزايد بين جهات تملك فرقاً متخصصة تستغل الثغرات القانونية في اتفاقيات الائتمان، وأخرى تفتقر إلى هذه الميزة. وهذه المجموعة الثانية تكتفي بالتحليل الائتماني التقليدي، لكنها غالباً ما تفتقر إلى الموارد والمهارات الكافية لاكتشاف الثغرات والصياغات المهملة في الوثائق. ويُعزى ضعف التوثيق جزئياً أيضاً إلى خلل في هيكل أدوات الاستثمار المعروفة باسم التزامات القروض المضمونة التي شهدت نمواً كبيراً في السنوات الأخيرة.
ووفقاً لبحث أجرته «جي بي مورغان»، فإن ما يقرب من ثلثي القروض المجمعة على نطاق واسع تُشترى عند إصدارها من قبل التزامات القروض المضمونة. ويقسم التزام القروض المضمونة النموذجي إلى شرائح متباينة من حيث مستوى المخاطر.
وتشير تقديرات «جي بي مورغان» إلى أن الشرائح المصنفة بدرجة AAA من قبل وكالات التصنيف الائتماني تشكل 60% أو أكثر من الصفقة الواحدة في المتوسط، ما يعني أن الجهات التي تشتري هذه الشريحة تتحمل مخاطر ائتمانية من الدرجة الاستثمارية. أما الشرائح الأخرى فتنطوي على مستويات أعلى من المخاطر.
ورغم أنه من التبسيط المفرط القول إن غالبية القروض المصنفة عالية المخاطر تحتفظ بها جهات تستثمر في شرائح تصنيفها AAA، إلا أن هذه النتيجة تتحقق فعلياً في نهاية المطاف. وفي حين يوظف مديرو التزامات القروض المضمونة محللي ائتمان، نادراً ما يتوفر لديهم الوقت أو الخبرة الكافية للتعمق في دراسة الوثائق التي تتولى إعدادها مجموعات الحالات الخاصة.
وقد لا يمثل ذلك مشكلة طالما يواصل المُصدر أداءه المتوقع، لكن حين تبدأ الأمور في التدهور، يتبدل محور الاهتمام. ومن البديهي القول إن الوثائق الجيدة لا يمكن أن تجعل من صفقة ائتمانية سيئة صفقة ناجحة، لكن الوثائق السيئة قادرة على تحويل صفقة سيئة إلى صفقة كارثية.
ويتمتع المديرون في الشركات الكبرى التي تضم مجموعات «الحالات الخاصة» بمزايا تتجاوز مجرد القدرة على تحليل الوثائق، فهذه الفرق يمكنها تنبيه المديرين عندما تصبح مسألة معينة «مثيرة للاهتمام»، إذا جاز التعبير، ما يمنحهم فرصة البيع المبكر. وإذا شاركت تلك الفرق في عملية إدارة الالتزامات، فإن أي مراكز متداخلة يتم الاحتفاظ بها عبر «التزامات القروض المضمونة» سيتم تضمينها على الأرجح في أي صفقات.
وكان القول المأثور في أسواق الدخل الثابت: «لا يمكن طردك من العمل بسبب الاستثمار في بيمكو». واليوم، أصبح الأمر مشابهاً مع مديري الائتمان الأكثر تخصصاً، إذ ستواصل المنصات الكبرى في قطاع الائتمان نموها، نظراً لما تمنحه مواردها التحليلية من قدرة تنافسية متقدمة.