صناديق التحوط تنتفض ضد القيود التنظيمية الدولية الجديدة
(البيان)-03/03/2025
انتفضت صناديق التحوط العالمية الكبرى ضد خطط الهيئات التنظيمية الدولية الرامية إلى تقييد استخدامها للاقتراض في تمويل صفقاتها الاستثمارية، واعتبر المستثمرون في هذه الصناديق هذا الأمر اتهاماً جائراً لهم بالتسبب في اضطرابات السوق الأخيرة.
وقد هاجمت الهيئات الممثلة لصناديق التحوط الكبرى – بما فيها «ميلينيوم مانجمنت» الذي يديره إيزي إنجلاندر، و«سيتاديل» الذي يديره كين غريفين، و«إليوت مانجمنت» الذي يديره بول سينغر، و«إيه كيو آر» الذي يديره كليف أسنيس – مقترحات الجهات التنظيمية للحد من الرافعة المالية التي تستخدمها هذه الصناديق وإلزامها بمزيد من الشفافية بشأنها.
وتمهد حملة الضغط هذه لصدام مرتقب بين كبار المستثمرين في الأسواق وأبرز الجهات الرقابية المالية عالمياً، على خلفية النمو السريع لصناديق التحوط وغيرها من آليات التمويل البديلة التي تعمل بعيداً عن أنظمة القطاع المصرفي التقليدي. وصنف محافظو البنوك المركزية والجهات الرقابية صناديق التحوط وغيرها من المؤسسات المالية غير المصرفية كأحد أبرز مصادر الخطر التي تهدد النظام المالي العالمي، نظراً لاعتمادها المكثف على الرافعة المالية مع خضوعها في الوقت نفسه لرقابة أقل صرامة.
وتعتمد صناديق التحوط على الرافعة المالية لتعظيم عوائدها، ومن أكثر استراتيجياتها جدلاً صفقات المراجحة على سندات الخزانة، إذ تقوم ببيع العقود الآجلة للسندات مع اقتراض الأموال لشراء سندات خزانة نقدية، مما يشكل رهاناً على تقلص الفارق السعري بين المنتجين بمرور الوقت. وباستخدام الرافعة المالية على جانبي الصفقة، تحوّل الصناديق الأرباح الهامشية الصغيرة إلى مكاسب كبيرة نسبياً. وحذرت الهيئات التنظيمية العالمية من أن انهيار تداولات ذات رافعة مالية عالية مثل صفقات المراجحة قد يؤثر على أسعار سندات الخزانة ويزعزع استقرار الأسواق العالمية.
وطرح مجلس الاستقرار المالي، الذي يضم كبار وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية والمسؤولين التنظيميين بهدف تنسيق السياسات المالية العالمية، سلسلة من الإجراءات الرامية إلى فرض قيود على استخدام الرافعة المالية في صناديق التحوط وغيرها من المؤسسات المالية غير المصرفية.
وانتقدت المنظمات الممثلة لصناديق التحوط هذه المقترحات بشدة في رسائل أرسلتها منذ أيام، واطلعت عليها صحيفة «فايننشال تايمز»، إلى مجلس الاستقرار المالي، محذرة من أن التشديد التنظيمي غير المبرر قد يؤدي إلى نتائج عكسية، مما يزيد من هشاشة الأسواق ويجعلها أكثر عرضة للاضطرابات.
وقالت جيليان فلوريس، مديرة العلاقات الحكومية في رابطة الصناديق المدارة – وهي منظمة تمثل كبرى صناديق التحوط: «إن فرض حد اصطناعي على الرافعة المالية من تصميم الجهات التنظيمية سيكون ضرره أكبر من نفعه». وأضافت إن مثل هذه الإجراءات من المرجح أن «تخلق عراقيل غير ضرورية وتقلل من كفاءة وسيولة الأسواق». وأشارت فلوريس إلى أن 1000 شركة لإدارة الأصول البديلة تغلق أبوابها سنوياً دون أن تثير أي مخاوف تتعلق بالاستقرار المالي، مؤكدة أن هذه الصناديق أقل اعتماداً على الرافعة المالية مقارنة بالبنوك، كما أنها تمتلك أصولاً أكثر سيولة، مما يقلل من مخاطر السيولة التي تواجهها، مشددة أن هذه الصناديق يجب ألا تخضع للقواعد التنظيمية نفسها المطبقة على البنوك.
من جانبه، انتقد جيري كرول، نائب رئيس رابطة إدارة الاستثمارات البديلة، مجلس الاستقرار المالي لـ«محاولته تكييف حالات فردية ومتفرقة لتتوافق مع نظريات افتراضية»، مشيراً إلى أن حالات اضطراب السوق التي يلقى باللوم فيها على صناديق التحوط «لا تقدم أدلة تدعم هذا الادعاء».
ورفضت المجموعتان بشدة خطة مجلس الاستقرار المالي الرامية إلى إجبار صناديق التحوط على الكشف بشكل أكثر تفصيلاً عن استخدامها للرافعة المالية للبنوك والمؤسسات المالية الأخرى. وحذرت رابطة الصناديق المدارة من أن الكشف عن «مراكز استثمارية تعتبر في الأصل معلومات سرية» سيفتح الباب أمام المنافسين لـ«نسخ» هذه الاستراتيجيات.
تجدر الإشارة إلى أن الطريقة الأكثر شيوعاً التي تعتمدها صناديق التحوط في تنفيذ صفقاتها هي من خلال ما يعرف بعلاقة «الوساطة الرئيسية» مع بنك كبير، حيث تقوم البنوك بإقراض صناديق التحوط عن طريق تنفيذ عمليات شراء (للأسهم مثلاً) نيابة عنها، مع مطالبة صندوق التحوط بتقديم «هامش» (وهو مبلغ يودع كضمان) يتناسب حجمه مع مستوى المخاطر المتوقعة، وهو ما يمثل في جوهره عملية إقراض لصندوق التحوط.
ويرى منتقدو صناديق التحوط أن ارتباطها الوثيق بالبنوك يجعل أي انهيار كبير فيها يمتد سريعاً إلى القطاع المصرفي، ويهدد بإشعال أزمة مالية جديدة، مستشهدين بحالة المكتب العائلي «أركيغوس»، الذي تعثر في 2021، مكبداً البنوك المتعاملة معه، بما فيها «كريديه سويس» السويسري، خسائر بمليارات الدولارات.
في المقابل، لا تبدي الجهات التنظيمية أي مؤشرات على التراجع عن خططها. وفي هذا السياق، صرحت سارة بريتشارد، المديرة التنفيذية لهيئة السلوك المالي البريطانية، قائلة: «إن استخدام الرافعة المالية يمكن أن يخلق نقاط ضعف في النظام المالي، خصوصاً عندما تدار بشكل غير مناسب، أو حين تفتقر للشفافية، أو عندما تتركز في أيدي فئة محدودة من المستثمرين».
وأضافت بريتشارد، التي تشغل أيضاً منصب الرئيسة المشاركة لمجموعة العمل التابعة لمجلس الاستقرار المالي المسؤولة عن تنسيق المقترحات التنظيمية الجديدة: «في مثل هذه الحالات، عندما تحدث صدمة اقتصادية مفاجئة، فإن ما يعتبر عادة مصدراً للفوائد الاقتصادية يمكن أن يتحول بشكل مفاجئ إلى عامل يفاقم حالة عدم الاستقرار ومصدر لتآكل الثقة في النظام المالي. وهو ما يشكل مصدر قلق حقيقياً بالنسبة للجهات التنظيمية».