عودة “ترامب” وسياسات توطين الاستثمارات.. كيف ستتأثر اقتصادات العالم؟
(العربية)-08/11/2024
*د. جمال عبدالرحمن العقاد
مع عودة “دونالد ترامب” إلى البيت الأبيض في ولاية رئاسية ثانية، ستعود قضية التوجه الاستثماري نحو الداخل الأميركي إلى الواجهة من جديد وبقوة، فالرئيس الأميركي – الذي أكد على هذا التوجه أثناء حملته الانتخابية – سيكون حريصاً على تطبيق سياسات توطين الاستثمارات الأميركية، ومعها جذب رؤوس الأموال الأجنبية إلى داخل الولايات المتحدة. هذا لا يعكس فقط الطموح لتحقيق مزيد من الاستقلال الاقتصادي، ولكنه سيكون له آثار كبيرة على الاقتصاد العالمي، خاصة على الدول التي كانت تعتمد على الاستثمارات الأميركية لدفع عجلة النمو الاقتصادي لديها.
فوز “ترامب” بفترة رئاسية جديدة يعني تطبيق مفهوم استقلالية الاقتصاد الأميركي واستدامته، الذي بدأ تطبيقه في فترة ولايته الأولى، حيث دعم تخفيضات ضريبية للشركات الأميركية، وشجع على توطين وتقوية الصناعات المحلية، مما ساهم في تمتين قاعدة الأعمال داخل الولايات المتحدة وجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين الدوليين، لكن جاءت جائحة كوفيد-19 وخسارة الانتخابات لتعطلا مسيرته.
من لحظة دخوله المكتب البيضاوي ولفترة أربع سنوات قادمة، سيرفع “ترامب” وتيرة دعم هذه السياسات ويعزز الحوافز الاستثمارية للشركات المحلية للتوسع أو إعادة مصانعها من الخارج، مما يجعل من الصعب على رؤوس الأموال الأميركية التدفق نحو الخارج، ومع توقع زيادة نسبة الاستثمارات الأجنبية القادمة إلى الولايات المتحدة، ستواجه دول عديدة (من ذوات الاقتصادات الناشئة) تحدياً متزايداً في جذب الاستثمارات من الخارج، فضلاً عن هجرة نسبة من الأموال المتواجدة في أسواقها إلى السوق الأميركي الأكثر جاذبية.
ستجد هذه الدول نفسها أمام الحاجة الماسة إلى استراتيجيات مبتكرة لاستقطاب الاستثمارات الدولية التي ستتنافس عليها مع الولايات المتحدة، فأمام تحدي التوجه الأميركي الجديد، الذي سيعيد تشكيل عالم المال والأعمال، ستحتاج هذه الدول – التي تسعى إلى جذب الاستثمارات الأجنبية – إلى تبني سياسات اقتصادية أكثر تطوراً ومرونة وبشكل أوسع وأعمق وأكثر شمولية، لجذب رؤوس الأموال الدولية مثل الصينية والأوروبية والعربية.
مع الأخذ بعين الاعتبار أن التعاون مع الولايات المتحدة عبر شراكات استراتيجية سيظل خياراً واقعياً يضمن تدفقاً معقولاً (أو في حده الأدنى) من الاستثمارات على أساس تبادل المنافع والمصالح المشتركة، ستكون انطلاقة هذه الدول فرصة إيجابية لخلق نقلة نوعية في دفع عجلة النمو الاقتصادي فيها من خلال تعزيز تنويع شراكاتها الاستثمارية وقدراتها التنافسية في مجالات جديدة، مثل التكنولوجيا والطاقة النظيفة والصناعات الدوائية.
الأكيد أن الولايات المتحدة – في ظل رئاسة “ترامب” الثانية – ستعمل بشكل قوي على تعزيز مكانتها كقوة اقتصادية مستقلة من خلال توطين رؤوس الأموال الأميريكية، وستصبح وجهة أساسية لرؤوس الأموال الدولية. هذا سيؤدي بالتالي إلى انخفاض تدفق الاستثمارات (سواء الأميركية أو غيرها) إلى الأسواق الناشئة والدول النامية التي تحتاجها لتطوير بناها التحتية وتعزيز قدرتها الإنتاجية، مما سيفرض تحديات جديدة على هذه الدول في سعيها لجذب الاستثمارات الدولية، كي تؤمن قدرتها على المنافسة وتحقيق تنميتها الاقتصادية المستدامة في مواجهة التحولات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الراهنة والمستقبلية.