كيف تحول «المركزي السويسري» إلى أحد أكبر مستثمري التكنولوجيا عالمياً؟
(البيان)-18/09/2025
تحول البنك المركزي السويسري، المحافظ، بهدوء إلى أحد أكبر مستثمري التكنولوجيا في العالم، حيث جمع محفظة أسهم تعادل قيمتها ما يقرب من خمس الناتج المحلي الإجمالي السنوي للاقتصاد الوطني. ويمتلك البنك الوطني السويسري استثمارات في الأسهم الأمريكية بقيمة 167 مليار دولار، موزعة على أكثر من 2300 مركز استثماري، وفقاً لإيداعات لجنة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية في يونيو.
وضخ المركزي السويسري أكثر من 42 مليار دولار أمريكي في 5 شركات فقط – أمازون، وآبل، وميتا، ومايكروسوفت، وإنفيديا – ما يجعله مستثمراً رئيسياً في وادي السيليكون. وتبلغ قيمة حصته في آبل وحدها ما يقرب من 10 مليارات دولار، وتتجاوز حصته في إنفيديا 11 مليار دولار.
ورغم أنه ليس صندوق ثروة سيادي، إلا أن الميزانية العمومية للبنك الوطني السويسري تبلغ 855 مليار دولار، بما في ذلك استثماراته في قطاع التكنولوجيا، وهي بذلك تضعه في مرتبة مماثلة لبعض أكبر أجهزة الاستثمار الحكومية في العالم، بما في ذلك استثمارات سنغافورة وقطر.
ويقول أرتورو بريس، أستاذ المالية في كلية إدارة الأعمال في المعهد الدولي للتطوير الإداري: «سويسرا لا تحتاج إلى صندوق ثروة سيادي عندما يكون لدينا البنك الوطني السويسري». ويعتبر البنك المركزي السويسري مؤسسة محافظة، لكنه غير تقليدي للغاية في طريقة عمله.
ولا يمتلك أي بنك مركزي آخر حصصاً كبيرة في الأسهم مثل البنك الوطني السويسري، فبنك اليابان، الذي لديه أيضاً تعرض كبير معروف على الأسهم، يضخ معظم استثماراته في الأسهم المحلية من خلال صناديق المؤشرات المتداولة.
وقد أثارت ضخامة استثمارات البنك الوطني السويسري دعوات متزايدة لإدارة المحفظة بشكل أكثر فعالية لزيادة العوائد. ويأتي تعرضه الكبير على أسهم التكنولوجيا الأمريكية في الوقت الذي حذرت فيه بنوك أخرى، مثل البنك المركزي الأوروبي، من وجود فقاعة في هذا القطاع.
وينظر إلى الفرنك السويسري عالمياً على أنه ملاذ آمن نظراً للاستقرار السياسي والاقتصادي للبلاد. وخلال الأزمات – من الانهيار المالي العالمي إلى أزمة ديون منطقة اليورو – استثمر المستثمرون أموالهم في سويسرا.
لكن قوة الفرنك تشكل في الوقت نفسه تحدياً مستمراً. إنها العملة الأفضل أداءً على مدار الـ50 و25 و10 و5 سنوات الماضية، وقد ارتفعت قيمتها بالفعل بنسبة 15 في المائة تقريباً مقابل الدولار هذا العام وسط صدمة التعريفات الجمركية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
لذلك، هناك مخاطر من أن تتسبب هذه القوة في ركود انكماشي. كما أنها تؤثر على نطاق أوسع على القدرة التنافسية لصادرات البلاد. ولمواجهة ذلك، يبيع البنك الوطني السويسري بانتظام الفرنك ويشتري العملات الأجنبية، ومعظمها من الدولار الأمريكي واليورو، لإضعاف الفرنك.
وقال كارستن جونيوس، كبير الاقتصاديين في بنك صفرا ساراسين السويسري الخاص، إن هذا النهج يمثل انحرافاً جوهرياً عن كيفية عمل البنوك المركزية الأخرى.
وبينما يستخدم الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي الأموال المصدرة حديثاً لشراء سنداتهما الحكومية – ما يخفض أسعار الفائدة ويضعف عملاتهما – فإن البنك الوطني السويسري لا يستطيع فعل الشيء نفسه، وذلك لأن سوق السندات السويسرية أصغر من أن تقارن بميزانيته العمومية الضخمة.
وبدلاً من ذلك، يجري البنك الوطني السويسري ما يطلق عليه بعض المحللين «التيسير الكمي الأجنبي» من خلال شراء العملات الأجنبية لإضعاف الفرنك، ثم استثمار هذه الأموال في السندات والأسهم الأجنبية. وعلى مدار العقد الماضي، قادته هذه الاستراتيجية نحو إحدى أكبر فئات الأصول وأفضلها أداءً في العالم: أسهم التكنولوجيا الأمريكية.
واليوم، يتم الاحتفاظ بحوالي 87 في المائة من الميزانية العمومية للبنك الوطني السويسري في أصول بالعملة الأجنبية، وفقاً لبياناته الخاصة. وحوالي ثلثي هذه النسبة في سندات حكومية، و10 في المائة في سندات الشركات، و25 في المائة في الأسهم. يتم الإفصاح عن الحيازات من الأسهم الأمريكية علناً من خلال ملفات هيئة الأوراق المالية والبورصات.
وعلى عكس معظم البنوك المركزية، فإن البنك الوطني السويسري ليس مملوكاً للحكومة الوطنية، فحوالي نصف أسهمه مملوكة للكانتونات السويسرية وبنوك هذه الكانتونات، بينما يمتلك الأفراد النصف الباقي. وهو مدرج أيضاً في البورصة السويسرية.
وقال ستيفان جيرلاخ، كبير الاقتصاديين في بنك «إي إف جي» في زيورخ: «يمكنك أن ترى سبب مقارنة البنك الوطني السويسري بصناديق الثروة السيادية – فهو يمتلك الكثير ولديه ميزانية عمومية كبيرة». «ولكن على عكس الصندوق السيادي، الذي يسعى إلى تحقيق عوائد من خلال الاستثمار النشط، فإن البنك الوطني السويسري لديه عقلية مختلفة».
وعلى الرغم من كونه سلبياً من حيث الفلسفة، إلا أنه ليس خاملاً أو ثابتاً. وتظهر بيانات إيداعات هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية أنه في عام 2023، لم يكن لدى البنك أي أسهم في بيركشاير هاثاواي لكن بحلول عام 2025، كان قد بنى مركزاً بقيمة تزيد على ملياري دولار.
كما زاد بشكل كبير من تعرضه لشركة انفيديا، ما أدى إلى مضاعفة حصته بأكثر من ستة أضعاف خلال الفترة نفسها، لترتفع قيمة حصته بأكثر من 175 في المائة من مارس 2023 إلى مارس 2025، ما يعكس كلاً من نشاط حركة الشراء وارتفاع سعر سهم شركة تصنيع الرقائق. وقد قلص البنك مراكزه في ميتا ونتفليكس على مدار العامين الماضيين رغم أن هذه الممتلكات الأصغر قد ارتفعت قيمتها بشكل حاد. وبالمثل، على الرغم من أنه يمتلك الآن عدداً أقل من الأسهم في شركة بالانتير تكنولوجيز، إلا أن ارتفاع سعر شركة تحليلات البيانات عزز قيمة حصته ثمانية أضعاف.
في الوقت نفسه، يتجنب البنك الوطني السويسري بعض القطاعات تماماً. وأحدها هو البنوك وبعض الأسهم المالية، وكما تقول كريستيل ريندو دي لينت، الرئيسة التنفيذية المشاركة لشركة الاستثمار فونتوبل: «لا يستثمر البنك الوطني السويسري في البنوك ذات الأهمية النظامية على مستوى العالم لتجنب أي تضارب في المصالح».
كما يتجنب البنك الاستثمار في الشركات المتورطة في الأسلحة المدانة دولياً، وفقاً لتقرير الاستدامة الخاص به. وتبقى هناك مخاطر على نهجه الاستثماري، حيث يمكن أن يؤدي التراجع الحاد في أسواق الأسهم والعملات إلى محو أرباح البنك الوطني السويسري بسرعة. في عامي 2022 و2023، سجل البنك خسائر بمليارات الدولارات ويرجع ذلك جزئياً إلى انخفاض قيم الأصول وتقلبات العملات.
وبينما ارتفع مؤشر ناسداك الذي يعتمد على التكنولوجيا بنسبة 16 في المائة هذا العام، تعرضت الأسهم الأمريكية لنوبات عدة من التقلب وسط تحذيرات من أن الضجة المحيطة بالذكاء الاصطناعي مبالغ فيها. وأبلغ البنك عن خسارة قدرها 15.3 مليار فرنك سويسري في النصف الأول من عام 2025، حيث أثر انخفاض الدولار الأمريكي على محفظة العملات الأجنبية الخاصة به. وقد أثارت هذه الخسائر دعوات متكررة من قبل المحللين والسياسيين للبنك الوطني السويسري لإعادة التفكير في كيفية استثمار احتياطياته.
ويشرف مجلس البنك، الذي يضم في أعضائه أشخاصاً ذوي خلفيات تجارية وحكومية وأكاديمية، على استراتيجية الاستثمار. لكن في الوقت الحالي، لا توجد خطط لتغيير النظام. ويقول موقعه الإلكتروني إن «الأصول في أي صندوق ثروة سيادي ستكون معرضة لمخاطر سعر الصرف نفسها مثل احتياطيات البنك من العملات. وأنه حتى وجود نسبة أعلى بكثير من الاستثمارات «الحقيقية» لن توفر أي حماية من تقلبات القيمة».