كيف يتعامل العالم مع القوتين العظميين الحاليتين: أمريكا والصين؟
(البيان)-02/10/2025
من الواضح أن ولاية دونالد ترامب الثانية تحدث تحولاً في العالم. ومن المرجح أن يواصل النظام الذي يُنشئه هو وأتباعه التغلغل في الإدارة والمحكمة العليا. وحتى لو لم يستمر، فسيكون قد غيّر العالم لمجرد حدوثه، وما حدث مرةً يُمكن أن يحدث مرةً أخرى. لذلك، لا بد أن يُغيّر هذا من نظرة العالم إلى المستقبل. ومع ذلك، فالولايات المتحدة لن تحدد وحدها هذا المستقبل، فهناك الصين التي تعد هي الأخرى قوة عظمى. لكن ما الدور الذي يمكن أن تلعبه في هذا العصر الجديد؟
لنبدأ بالولايات المتحدة. كانت الديمقراطيات الأخرى تعتقد أن الولايات المتحدة تُشاركها قيمها الأساسية لكن من الواضح أن الولايات المتحدة الحالية لا تعتقد ذلك، فترامب مدفوع بالمظالم، وبالصفقات، ومتقلب المزاج. وهذا يُصعّب التعامل معه كثيراً. وكما تشير سيليا بيلين من المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، فإن سياسة ترامب الخارجية «هي أجندته المحلية لكن للتصدير».
وكتبت ما يلي: «يستخدم ترامب ومعسكره المؤيد لـ«ماغا» نفس الأساليب الثلاثة في الداخل والخارج: الإقصاء، والتحويل، والإخضاع». وفي الداخل، يسعون إلى القضاء على «الدولة العميقة»، وتحويل أمريكا الليبرالية إلى أمريكا القومية. وفي الخارج، بالمثل، يسعون إلى إلغاء التحالفات وأي التزامات أخرى، وتحويل الحلفاء إلى أتباع.
وهذه أهداف سيئة بطبيعة الحال لمعظم دول العالم، مثلما هي حمقاء للولايات المتحدة. ويتبنى آدم بوسن، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، هذا الرأي في مقال له في مجلة الشؤون الخارجية بعنوان «الجغرافيا الاقتصادية الجديدة». وكتب بوسن أنه في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفرت الولايات المتحدة تأميناً للدول الأخرى ضد جميع أنواع المخاطر.
وللعلم فإن التكاليف التي تحملتها لم تكن بلا تعويض، فقد استثمرت دول أخرى في الولايات المتحدة، وفتحت اقتصاداتها للمستثمرين الأمريكيين، وأقرضت الولايات المتحدة أموالًا بفوائد زهيدة، وجعلت الدولار الأمريكي عملة عالمية، وحوّلت أسواق رأس المال الأمريكية إلى مركز مالي عالمي.
وهكذا، فقد كانت هذه صفقة مفيدة للطرفين. ويصرخ ترامب الآن من أن الولايات المتحدة قد «تعرضت للخداع» لكن حقيقة الأمر هي أنها ظلت أغنى اقتصاد في العالم وأكثرها تقدمًا من الناحية التكنولوجية في فترة من النمو العالمي غير المسبوق بين 1950 و2020. وقد ارتفع متوسط الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للفرد بنسبة 360 %، فهل تكون بذلك تعرضت للنصب والاحتيال؟!
وللأسف الشديد، فإن ترامب قضى على هذه الصفقة الكبرى. وبدلاً من ذلك، نرى مجموعة من الصفقات التي لا يمكن الوثوق بها والكثير من الاستغلالية. فبالإضافة إلى فرض رسوم جمركية ضخمة على الدول التي ظنت أنها صديقة لأمريكا، طالب ترامب باستثمار الكثير من الأموال وفقاً لتقديراته الخاص، مما أثار استياء كبيراً بين الشركاء الأجانب، بل ذهب البعض إلى وصف ما يحدث بأنه «تصرفات عصابات بحتة».
وهناك طريقة أخرى للتفكير فيما حدث وهي أنه في العالم السابق من الثقة بالولايات المتحدة، كان هناك اعتماد متبادل، لكن بعض الدول كانت أكثر اعتماداً من غيرها، لكن تم بـ«تسليح» هذا الاعتماد المتبادل. وكما يقول هنري فاريل وأبراهام نيومان، فإن الولايات المتحدة فعلت ذلك، بحرية نسبية.
في إطار علاقات طويلة الأمد كانت تُعتبر مواتية للطرفين، كان هذا التسليح، لا سيما فيما يتعلق باستخدام العقوبات، مقبولاً، حتى وإن كان على مضض. لكن ترامب يُحوّل مثل هذا الترابط إلى حبل خانق، وهو أمر مختلف تماماً.
وفيما يحدث ذلك، يمكن للآخرين المشاركة في هذه اللعبة، وهو ما تقوم به الصين بالفعل. ويتم إلقاء الكثير من الضوء على هذا المفهوم من قِبل الاقتصاديين الأوروبيين، مورينو بيرتولدي وماركو بوتي، في ورقة بحثية تتناول كيف أن الاتحاد الأوروبي واقع بين فكي كماشة لقوة عظمى «استخراجية» وقوة عظمى «تبعية».
الصين هي الثانية فهي تقود في النهاية إلى خلق التبعية، ذلك أنها بإغراق الأسواق بسلعها، تُفاقم اختلالات التجارة العالمية والاقتصاد الكلي، وباستغلالها لقواعد منظمة التجارة العالمية لدعم الصناعات الناشئة تقوّض الثقة في نظام التجارة القائم على القواعد الذي لا تكف عن تكرار أنها تدعمه.
كما أن استخدام المواد الحيوية كسلاح وسيطرتها على سلسلة توريد الطاقة النظيفة يُضعفان أي جهد لدعم السياسات الرامية إلى معالجة تغير المناخ، لا سيما في الاتحاد الأوروبي. ورغم ذلك كله، تبقى الصين شريكًا أكثر موثوقية وعقلانية من الولايات المتحدة اليوم: على الأقل، فهي لا تُنكر حقائق المناخ في عالمنا اليوم.
إن من المستحيل على بقية العالم تجاهل هاتين القوتين العظميين «المفترستين»، لأنهما تُولّدان معًا 43 % من الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأسعار السوق (و34 % عند تعادل القوة الشرائية). ولا بد من إيجاد طريقة ما للتعامل مع تأثيرهما العالمي. ويجب أن يكون جزءاً من الرد هو التحوّط، مع ضرورة أن تكون الولايات المتحدة الضحية الرئيسية لذلك، بما أنها امتلكت تحالفاتٍ قيّمة للغاية.
لكن للأسف، فإن نظاماً يُدمّر بسعادة أصوله الوطنية الرئيسية – جامعاته العظيمة، وتفوقه العلمي، وانفتاحه على المهاجرين المتميزين، وحتى سيادة القانون – لن يُقلقه ذلك، طالما أن ترامب يرى دائماً أن الحلفاء يمكن تحويلهم إلى تابعين وهذا لا يتعارض مع سلوكهم.
وقد اختارت المملكة المتحدة أن تكون تابعة. ومن المفارقة أن ذلك يأتي نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لغرض تعزيز السيادة الوطنية. لكن اليابان وكوريا الجنوبية، وحتى الاتحاد الأوروبي، لا تبدو مختلفة بالمرة حتى الآن. ومع ذلك، من المأمول ألا يدوم هذا الوضع على الأرجح، حيث لا بد أن يبحث كل من الحلفاء السابقين والدول الأخرى عن بدائل.
وهذا سيزيد في الغالب من نفوذ الصين. وكما نرى، فقد دفعت الولايات المتحدة بالفعل الهند والبرازيل إلى الاقتراب من بكين. لذلك، يتعين على شي جين بينغ أن يشكر ترامب كثيراً على أخطائه الفادحة كل يوم. وعلى الأرجح، ستحاول بعض الدول تأليب هاتين القوتين العظميين إحداهما ضد الأخرى.
ومع التبعية وتحريض قوة عظمى ضد أخرى هناك خيار ثالث، فالعالم الذي نتجه إليه سيكون أفقر وأكثر اضطراباً وخطورة مما كان عليه قبل تبني الولايات المتحدة لسياسة «ماغا». لذا، ينبغي على الدول الأخرى أن تتجرأ باتباع مسار أكثر استقلالية، بما في ذلك إدارة المنافع العامة العالمية، مثل الصحة والمناخ، وحتى الأمن. لكن هل يمكن للاتحاد الأوروبي أن يقود المسار في هذا الاتجاه؟ أرى ذلك ضرباً من الخيال الآن، لكن، من يدري فقد حدثت أمور أغرب.