لماذا أظهرت الشركات الأميركية هوامش أرباح أكثر صلابة رغم “حرب الرسوم”؟
(سي ان بي سي)-20/08/2025
تشير بيانات غولدمان ساكس إلى أنه من بين 92% من شركات مؤشر S&P500 التي أعلنت نتائجها المالية، تجاوزت 60% منها توقعات المحللين لأرباح السهم. ويمثل هذا “أعلى معدل في تاريخ بيانات الشركة الممتد لـ 25 عاماً، باستثناء عام 2009 وإعادة فتح الاقتصاد بعد جائحة كوفيد-19”.
تأتي هذه النتائج الأكثر إيجابية رغم “حرب الرسوم الجمركية” التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/ كانون الثاني 2025، وهو ما يعني أن أثر تلك التعرفات لم يظهر على نتائج الشركات بعد، والتي حظيت بهوامش أرباح أكثر صلابة، في ظل عديد من العوامل المساعدة التي تدعم حركتها الإيجابية، ووسط تقديرات إيجابية أعلنت عنها معظم تلك الشركات لمُجمل العام وبعضها للعام المقبل أيضاً.
بينما يقترب موسم إعلان أرباح الربع الثاني من نهايته، فإن ذلك الموسم “جاء أفضل بكثير مما كان يخشاه المستثمرون قبل انطلاقه”، بحسب تقرير لموقع “بيزنس إنسايدر” أشار إلى أن الدرس الأبرز حتى الآن هو أن “الرسوم الجمركية لم تبدأ بعد في التأثير على أرباح الشركات”.
عندما شرع الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فرض الرسوم مطلع العام 2025، بعد عودته إلى البيت الأبيض، أثار ذلك مخاوف من أن تؤدي هذه الرسوم على الواردات إلى تراجع نمو الأرباح، ومع ذلك، ورغم استمرار حالة عدم اليقين، تختتم شركات مؤشر S&P 500 موسماً استثنائياً من نتائج الأعمال الفصلية.
في مذكرة بتاريخ 15 أغسطس/ آب للمستثمرين، قال محلل غولدمان ساكس، ديفيد كوستين إن شركات المؤشر أظهرت هوامش أرباح أكثر صلابة مما كان متوقعاً؛ مدعومة بشكل كبير بتراجع قيمة الدولار الأميركي هذا العام، الأمر الذي ساعد على تعزيز المبيعات في الأسواق الخارجية.
وأضاف كوستين: “الشركات واصلت التأكيد على قدرتها في الحفاظ على هوامشها من خلال التفاوض مع الموردين، وتعديل سلاسل الإمداد، وتمرير الأسعار إلى المستهلكين، وخفض تكاليف أخرى”.
الشركات الكبرى
خلال هذا الموسم، رفعت 58 % من الشركات توقعاتها للأرباح لكامل عام 2025، وهو ضعف نسبة الشركات في الربع الأول. كما ارتفعت أرباح شركات S&P 500 بنسبة 11 % على أساس سنوي، أي نحو ثلاثة أضعاف التوقعات الإجماعية البالغة 4%، فيما تجاوزت 84 % من الشركات تقديرات وول ستريت.
واختتم كوستين بالقول: “مع اقتراب موسم أرباح الربع الثاني 2025 من نهايته، يمكن القول إن هذا الربع اتسم بأحد أعلى معدلات تجاوز التوقعات في التاريخ”.
وفي حين أن شركة “إنفيديا” لن تعلن نتائجها حتى 27 أغسطس/ آب، فإن نظراءها من مجموعة السبعة الكبار (Magnificent 7) أعلنوا في معظمهم عن نتائج قوية، باستثناء تسلا التي شهدت تراجعاً حاداً في إيراداتها على أساس سنوي.
وكتب كوستين: “لا تزال نتائج الأرباح استثنائية بالنسبة لشركات التكنولوجيا العملاقة، إذ يبدو أن مجموعة السبعة الكبار حققت نمواً في ربحية السهم بنسبة 26 % على أساس سنوي في الربع الثاني، متجاوزة توقعات الإجماع بنسبة 12% مع بداية موسم الأرباح”.
ويرى المحللون أن هذا الاتجاه مرشح للاستمرار، مشيرين إلى أن تقديراتهم تتوقع بقاء نمو المبيعات الاسمي مستقراً تقريباً لكل من الشركات الكبرى والشركات المتوسطة والصغيرة حتى نهاية عام 2025.
وقال كوستين وفريقه إنه رغم توقع استمرار العديد من شركات S&P 500 في الحفاظ على هوامش ربح مرتفعة خلال الفصول المقبلة، إلا أنهم يعتبرون أن توقعات المحللين لهوامش الربح للعام 2026 “مبالغ فيها”.
وأضافوا: “في حين تظل الشركات واثقة من قدرتها على مواجهة ضغوط التكاليف الناتجة عن الرسوم الجمركية، ومع الأخذ في الاعتبار أن الهوامش المتفوقة لشركات التكنولوجيا الكبرى ستواصل دعم هوامش المؤشر الإجمالي، إلا أننا لا نرى سبباً وجيهاً لتوقع زيادة كبيرة في هوامش الأرباح خلال العام المقبل”.
مرونة الشركات
ويفسر تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” المرونة التي أظهرتها الشركات في عدد من النقاط الأساسية، أولها أن الصناعات المُعرّضة مباشرةً للرسوم الجمركية تُمثل أقل من 17% من أرباح مؤشر S&P500، وفقاً لتقديرات دويتشه بنك. ومع ذلك، تُظهر تقارير الربع الثاني أن العديد من المؤسسات المُتأثرة نجحت في حماية هوامش ربحها من خلال تبني استراتيجيات تخفيفية مُتعددة، تتراوح بين خفض التكاليف وزيادة المخزونات ورفع الأسعار والبحث عن موردين بديلين. وقد حدّ اتساع نطاق الاستجابات من التأثير المُعدي لارتفاع الأسعار وتسريح العمال عبر سلاسل التوريد المحلية، وبالتالي على الاقتصاد ككل.
ثاني تلك الأسباب، أن الشركات المهيمنة من وادي السيليكون عززت الربحية والطلب الإجماليين في الربع الثاني. وقد حقق قطاع تكنولوجيا المعلومات، الذي يمثل حوالي ثلث القيمة السوقية لمؤشر S&P500، نمواً سنوياً في الأرباح تجاوز 20%. ويعود ذلك إلى نشاط الذكاء الاصطناعي، الذي لا يزال، حتى الآن، محمياً في معظمه من رسوم ترامب الجمركية.
وأعلنت ألفابت وميتا ومايكروسوفت عن نمو كبير في الإيرادات وصافي الدخل في الربع الثاني. وكانت البنوك الكبرى – التي استفادت أعمالها التجارية من تقلبات السوق – مصدرًا آخر لمرونة الأرباح.
مع ذلك، تتجلى الضغوط في قطاعات الاقتصاد الأميركي، فقد كان نمو الأرباح السنوية المعلن عنه في قطاعات المواد والصناعات الاستهلاكية بطيئاً. وسجّلت جنرال موتورز تكاليف تعريفات جمركية بقيمة 1.1 مليار دولار في الربع الأخير. وتتوقع نايكي ارتفاع التكاليف بنحو مليار دولار هذا العام نتيجةً لرسوم الاستيراد. كما تضررت الشركات الصغيرة خارج مؤشر S&P500.
وعلى عكس مزاعم البيت الأبيض، يواجه المستوردون بوضوح تكاليف أعلى: ففي يوليو/تموز، بلغت عائدات الرسوم الجمركية الأميركية 28 مليار دولار، وهو رقم قياسي.
ويشير التقرير إلى أن أن نتائج الربع الثاني تُذكّر بمرونة الشركات الأميركية، لكن على مجالس الإدارة والمستثمرين والبيت الأبيض الحذر من المبالغة في التفاؤل. فعندما يتعلق الأمر بفهم أداء الاقتصاد الأميركي في مواجهة الرسوم الجمركية في الأرباع المقبلة، قد يكون موسم الأرباح هذا مجرد ضجيج لا مؤشر.