منظمة شنغهاي: قوّة جديدة… هل تنجح في مواجهة سياسات ترامب الاقتصادية؟
(النهار)-04/09/2025
تشهد الساحة الدولية اليوم مرحلة اقتصادية مضطربة، مع تصاعد الحروب التجارية وتحوّلات في التحالفات العالمية. في ولايته الجديدة، يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب سياساته القائمة على الرسوم الجمركية وحماية الصناعات المحلية، مع التلويح بإجراءات تشمل قطاعات حساسة مثل الأدوية والمواد الأساسية، ما يثير مخاوف من مواجهات اقتصادية واسعة.
تزداد أيضاً حدة التوتر بين واشنطن ونيودلهي بسبب خلافات تجارية، فيما لمّحت الإدارة الأميركية إلى إمكان فرض عقوبات جديدة على روسيا، ما يضيف بعداً جيوسياسياً للنزاع الاقتصادي.
وفي الوقت ذاته، تسعى واشنطن إلى بناء تحالفات اقتصادية جديدة مع دول في آسيا وأميركا اللاتينية لتقليص الاعتماد على الشركاء التقليديين.
وسط هذه المشهدية، جاءت قمّة منظمة شنغهاي للتعاون في تيانجين بمشاركة واسعة لأكثر من 20 زعيماً من الدول الأعضاء والشركاء، لتؤكد تعزيز التنسيق الاقتصادي والأمني وفتح أسواق جديدة بعيداً عن الضغوط الأميركية، كخطوة عملية لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية وخلق بدائل للتجارة الحرة في مواجهة سياسات واشنطن الحالية.
وتستحوذ دول منظمة شنغهاي مجتمعة على نحو ربع الناتج الاقتصادي العالمي، إذ يصل إجمالي اقتصادها إلى نحو 26 تريليون دولار بحسب البنك الدولي، ما يمنحها دوراً محورياً على الساحة الدولية.
ووفق المعهد السويسري للعلاقات الدولية، تمتاز دول منظمة شنغهاي للتعاون بتنوّع اقتصادي كبير، حيث تضمّ المنظمة ثلاثة من أكبر الاقتصادات في العالم وهي الصين والهند وروسيا، وعدداً من اقتصادات آسيا الوسطى الغنية بالموارد.
“ذات شأن مهم“…
في حديثٍ لـ”النهار”، يؤكد الخبير الاقتصادي محمد حيدر أن “أهمية اجتماعات منظمة شنغهاي تكمن في مكانة الدول الأعضاء فيها، وفي المنهجية التي تتبعها كمجموعة اقتصادية تتميّز بالتقارب الجغرافي والسياسي، إضافةً إلى قوّتها العسكرية التي لا تتعارض أهدافها، في العموم، مع الأهداف الأخرى”.
ويضيف: “إن وجود دول كبرى مثل روسيا والصين والهند وإيران، إلى جانب دول آسيوية وأوروبية أخرى، يمنحها قدراً كافياً من القوة، ما يجعلها مجموعة ذات شأن مهم”.
ويُتابع حيدر: “ما يميز هذه المجموعة أيضاً أن معظم دولها تعيش حالة صراع مع بعض الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما، وهو ما قد يوفر لها نوعاً من القوة والحماية في إطار التعاون المتبادل والمشترك على مختلف الصعد، وفقاً لأجنداتها الخاصّة”.
ويقول إنّ “المجموعة تشكل جغرافياً أكثر من 24% من مساحة العالم، إضافةً إلى نحو 65% من مساحة أوراسيا، وتضم ما يزيد على 42% من سكان العالم، ونحو 23% من إجمالي الدخل العالمي. وتبلغ قوتها الاقتصادية، من حيث القدرة الشرائية، بحسب بعض المصادر، نحو 36%”.
وتُعدّ الصين أكبر اقتصاد ضمن دول منظمة شنغهاي، حيث بلغ حجم اقتصادها نحو 18.7 تريليون دولار في 2024، تليها الهند بـ3.9 تريليون دولار، وروسيا بنحو 2.1 تريليون. وتُشكل الاقتصادات المتوسطة مثل كازاخستان وأوزبكستان المرحلة التالية، بينما تأتي اقتصادات جنوب آسيوية أصغر مثل باكستان وقيرغيزستان في المرتبة الأخيرة. وتمثل الصين وحدها أكثر من 71% من الناتج المحلي الإجمالي لدول المنظمة مجتمعة.
وقد جاء في إعلان تيانجين الختامي أن قادة الدول اتفقوا على إنشاء بنك تنمية تابع للمنظمة، وتوحيد صفة الدول المراقبة والشركاء في الحوار، والعمل على الحد من المخاطر المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير السياحة والقطاع الصحي، وتعزيز التعاون في مجالات التجارة الإلكترونية والتنمية المستدامة.
أما في استراتيجية تنمية المنظمة حتى عام 2035، فقد حُدّدت الأهداف والمهام الرئيسية للسنوات العشر المقبلة، ومن بينها: تعزيز الثقة المتبادلة وحسن الجوار، والتصدّي المشترك للتحديات الأمنية، وتعميق التعاون العملي في مجالات التجارة والاقتصاد والمال والاستثمار.
“تشكيل كتلة مهمّة“…
تُراقب منظمة شنغهاي باهتمام الحرب التجارية التي يقودها ترامب، خصوصاً أن أعضاءها مثل الصين وروسيا والهند مرتبطة بالاقتصاد العالمي والتبادل التجاري مع الولايات المتحدة وأوروبا، وتعتبر تصاعد النزاعات تهديداً للاستقرار الاقتصادي وزيادة للضغوط على الدول النامية.
وتستغل منظمة شنغهاي أزمة الحرب التجارية لتعزيز دورها كمنصّة إقليمية بديلة من السياسات الأحادية التي ينتهجها ترامب، مع الدعوة إلى حوار دولي وإصلاح قواعد التجارة العالمية.
وعن كيفية مواجهة الرسوم الجمركية وسياسات الرئيس الأميركي الاقتصادية، يشير الخبير الاقتصادي إلى أن “هذه الدول، بما تتمتع به من مقوّمات، قادرة بلا شك على أن تكون ذات تأثير عالمي، ولديها القدرة على وضع استراتيجيات متعددة لمواجهة المخاطر والصعوبات التي قد تفرضها كتل أخرى”.
ويضيف: “في حال التوصّل إلى اتفاق في ما بينها، يمكنها أن تُشكّل كتلة مؤثرة لمواجهة السياسات الجمركية الجديدة التي يحاول ترامب فرضها على العديد من دول العالم. وحتى إن لم يكن ذلك بشكل مباشر، فإن في مقدورها تعزيز نشاطها الاقتصادي الداخلي وتوسيع أسواقها لتصبح بديلاً من السوق الأميركية على المدى البعيد، تجنباً لتداعيات هذه السياسات المتعجرفة التي ينتهجها الرئيس الأميركي تجاه العديد من الدول”.
“تنشيط تجارتها البينية“…
إلى ذلك، تكتسب التحالفات الاقتصادية الجديدة أهمية متزايدة في عالم يشهد تغيّرات جيوسياسية متسارعة، إذ تمثل ركيزة لتعزيز المصالح المشتركة وحماية الأسواق. كذلك تفتح هذه التحالفات آفاقاً للتنمية المستدامة، وتوفر للدول الأعضاء قوة تفاوضية أكبر في مواجهة التحديات العالمية.
في السياق، تعمل منظمة شنغهاي على تعزيز التعاون الاقتصادي بين أعضائها كوسيلة للتخفيف من النفوذ الغربي. تسعى الصين على سبيل المثال من خلال مبادرة “الحزام والطريق” لتوسيع الأسواق، فيما تستفيد روسيا لتعزيز التعامل بالعملات المحلية، بما يدعم أهداف المنظمة في تقوية الروابط الإقليمية وبناء شبكة أمان اقتصادية بين الدول الأعضاء.
وفي سؤال عن تأثير التحالفات الاقتصادية الجديدة على التجارة العالمية وأسواق المال، يقول حيدر لـ”النهار”: “قدرة هذه الدول، ضمن منظمة شنغهاي، على تشكيل تكتلات صغيرة أو كبيرة أو عقد تحالفات مع دول مجاورة أو صديقة، من شأنها أن تسهم بفعالية في تنشيط تجارتها البينية، بحكم تقاربها الجغرافي الذي يسهّل عمليات النقل والتبادل التجاري بينها”.
ويضيف: “لقد اعتمدت هذه الدول سياسات عديدة مكّنتها من تجنّب الكثير من المخاطر والتداعيات في الأسواق العالمية. وكان أبرزها محاولة الغرب عزل روسيا اقتصادياً ومالياً مع بداية الأزمة الروسية- الأوكرانية، الأمر الذي دفع موسكو إلى إيجاد أسواق بديلة من الأسواق الأوروبية، ونجحت بذلك في إفشال جزء كبير من العقوبات الاقتصادية والمالية. ومن الأمثلة على ذلك، تفعيل آليات بديلة من نظام التحويل المالي العالمي (سويفت)، الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة وأوروبا، حيث طوّرت الصين والهند وروسيا أنظمة خاصة بها قبل اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية بعدة سنوات”.
“للتقارب الثلاثي انعكاسات واسعة“…
وشهدت القمة الأخيرة لمنظمة شنغهاي للتعاون تطوراً لافتاً تمثّل في بروز تقارب غير مسبوق بين الصين وروسيا والهند، حيث حضرها قادة الدول الثلاث: الرئيس الصيني شي جينبينغ، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.
ووفق بيانات رسمية، تُعدّ روسيا أكبر شريك تجاري للصين ضمن أعضاء منظمة شنغهاي بقيمة نحو 106 مليارات دولار، تليها كازاخستان بـ21 مليار دولار. وسجل التبادل التجاري بين الهند وروسيا 68.7 مليار دولار في 2024/2025، أي 5.8 أضعاف مستويات ما قبل جائحة “كورونا”، بينما بلغ تبادل الهند مع الصين 128 مليار دولار مع عجز قياسي للهند قدره 99 مليار دولار بسبب ارتفاع الواردات.
وبحسب شي، فإن “كلاً من الصين والهند تمثل فرصاً تنموية للأخرى، لا تهديدات”. من جانبه وصف بوتين رئيس الوزراء الهندي بأنه “صديقه العزيز” وقال إنّ العلاقات بين البلدين تتطوّر بديناميكية.
وبحسب تقارير صحافية، سعى الزعماء الثلاثة لتقديم أنفسهم كمحور اقتصادي بديل، يدعم عولمة أكثر عدلاً تعتمد على العملات الوطنية وتوسيع التعاون في الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية.
ويرى محللون أن الصين ستستغل القمة الأكبر هذا العام لتقديم رؤية بديلة لحوكمة النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة، في ظل تقلبات جيوسياسية وانسحاب واشنطن من المنظمات المتعددة الأطراف.
في هذا الإطار، يشدد حيدر لـ”النهار” على أنه “لا شك في أن أي تقارب بين دول كبرى مثل الهند والصين وروسيا ستكون له انعكاسات واسعة، خصوصاً على مستوى منطقة أوراسيا، إضافةً إلى الشرق الأدنى والشرق الأوسط عموماً. وقد بدأ يُلحظ بالفعل حضور الشركات الروسية والهندية والصينية في المنطقة، ما يجعل من هذا التقارب أداة لفتح أسواق جديدة حول العالم، وقد يتحول في المستقبل إلى جزء من النظام الاقتصادي العالمي الذي تتغير ملامحه مع تراجع نفوذ قوى اقتصادية وعسكرية كبرى كانت تهيمن على خزائن الأرض وطرق التجارة الدولية”.
ختاماً، تُشكل التحالفات الاقتصادية الجديدة محوراً لتحوّل موازين القوى العالمية، إذ تعزز التجارة البينية وتفتح أسواقاً بديلة، وتمنح الدول أدوات لمواجهة الضغوط الاقتصادية. ومع مرور الوقت، قد تصبح هذه التجمعات قوة مؤثرة في إعادة تشكيل النظام الاقتصادي العالمي وتحديد ملامحه المستقبلية.