نحو 15 تريليون دولار على المحك.. ما المخاطر الاقتصادية بعد حكم “عدم قانونية” رسوم ترامب؟
(سي ان بي سي)-02/09/2025
الولايات المتحدة قد تصبح “دولة من العالم الثالث”.. هكذا يحذر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى التبعات المحتملة لإلغاء الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارته على نطاق واسع على الشركاء التجاريين لبلاد، بعد قرار صادر من محكمة الاستئناف يوم الجمعة 29 أغسطس/ آب.
منذ صدور الحكم -الذي يمثل ضربة موجعة لسياسات ترامب التي تُبرز التعرفات كمرتكز رئيسي في إدارة ملفات التجارة الخارجية- بعث ترامب جملة من الرسائل، التي تحذر من السيناريوهات التالية حال تأييد الحكم، بما في ذلك دق ناقوس الخطر من أن استثمارات مرتقبة بقيمة 15 تريليون دولار -تحفزها الرسوم الجمركية- سوف تنهار.
ترى محكمة الاستئناف -في حكمها الصادر بأغلبية سبعة أصوات مقابل أربعة- أن معظم الرسوم المتبادلة التي فرضتها إدارة ترامب “غير قانونية” وتتجاوز صلاحيات الرئيس. في انتظار البت في استئناف الإدارة الأميركية أمام المحكمة العليا حتى 14 أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
وكانت محكمة التجارة الدولية الأميركية قد قضت في مايو/أيار، في قضية حركتها في الأصل شركات أميركية تضررت من الرسوم الجمركية -التي فرضتها الإدارة استناداً لقانون الصلاحيات الاقتصادية الطارئة الدولية (IEEPA)- بأن ترامب لا يملك صلاحية استخدام تشريعات الصلاحيات الاقتصادية الطارئة لفرض رسوم عالمية دون موافقة صريحة من الكونغرس.
ولا يضم الحكم الرسو القطاعية المفروضة على منتجات مثل الصلب والسيارات، والتي كانت تستند إلى قوانين تجارية مختلفة.
ويتفق عديد من المحللين على الفرص الضائعة التي يُمكن أن تُهدر جراء إلغاء الرسوم الأميركية بالنسبة للاقتصاد الأميركي، لا سيما وأن رهانات إدارة ترامب على التعرفات عالية من أجل خفض العجز والدين الأميركيين.
ووفق صحيفة فايننشال تايمز، فإنه “إذا تم إلغاء التعرفات استناداً إلى سلطات الطوارئ بشكل نهائي، فسوف يؤدي ذلك إلى منع الولايات المتحدة من جلب مئات المليارات من الدولارات من الإيرادات التي كانت تعتمد عليها للحد من الضربة المالية الناجمة عن تخفيضات الضرائب الشاملة”.
ويشار إلى أن عائدات الرسوم الجمركية الإجمالية منذ بداية السنة المالية بلغت حتى الآن 158.3 مليار دولار. وبحسب وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، فإن العائدات المتوقعة لهذا العام تصل إلى أكثر من 300 مليار دولار، دون أن يحدد قيمة مُحددة.
وتشكل عائدات التعرفات الجمركية في يوليو/ تموز 2025 أعلى إجمالي شهري هذا العام، بقيمة 29.6 مليار دولار، مقارنة مع 28 مليار دولار في يونيو/ حزيران، و23.9 مليار دولار في مايو/ آيار، و17.4 مليار دولار في أبريل/ نيسان.
وبمعدل التعرفات الحالي، ففي غضون 4 إلى 5 أشهر، يمكن لأميركا تحصيل عائدات مساويةً لما حققته خلال 2024 بأكمله.
وبحسب مكتب الميزانية بالكونغرس، فإن نحو 4 تريليونات دولار خفضاً متوقعاً على مدار العقد المقبل بعجز الموازنة الأميركية بدعم من عوائد الرسوم.
وتسابق عديد من المسؤولين في إدارة ترامب لانتقاد حكم محكمة الاستئناف، والدفاع عن قانونية فرض الرسوم من جانب الرئيس الأميركي، و التنبيه إلى المخاطر المحتملة حال إلغاء تلك السياسات.
المتحدث باسم البيت الأبيض، كوش ديساي، يقول إن ترامب وبشكل قانوني مارس صلاحيات العريفات الجمركية الممنوحة له من قبل الكونغرس؛ للدفاع عن أمننا الوطني والاقتصادي من التهديدات الأجنبية”، مشيراً إلى أن الرسوم “لا تزال سارية المفعول، ونحن نتطلع إلى تحقيق النصر النهائي في هذه المسألة”.
وكانت إدارة ترامب -قبل ساعات من صدور القرار- قد زعمت في ملف قدمّته للمحكمة، أن الحكم بعدم قانونية الرسوم الجمركية من شأنه أن يضر بالسياسة الخارجية الأميركية والأمن القومي.
تهديد المصالح الاستراتيجية
وكتب وزير التجارة هوارد لوتنيك: “إن مثل هذا الحكم من شأنه أن يهدد المصالح الاستراتيجية الأميركية الأوسع في الداخل والخارج، ومن المرجح أن يؤدي إلى ردود انتقامية وإلغاء الصفقات المتفق عليها من قبل شركاء التجارة الأجانب، وتعطيل المفاوضات الجارية الحاسمة مع شركاء التجارة الأجانب”.
كذلك انتقد مستشار البيت الأبيض للتجارة والتصنيع، بيتر نافارو، حكم محكمة الاستئناف الفدرالية ضد التعرفات الجمركية المتبادلة، ووصفها -في التصريحات التي نقلتها عنها “فوكس نيوز”- بأنها ” ظلم حزبي مسلح في أسوأ حالاته”، محذراً من الولايات المتحدة “تواجه تهديداً وجودياً إذا خسر ترامب تلك المعركة”.
وقال إن الاختلاف يتناول ثلاث قضايا حاسمة: ما إذا كانت هناك حالة طوارئ وطنية، وما إذا كانت التعرفات الجمركية تؤهل لتنظيم الواردات، وما إذا كان ادعاء الأغلبية بأن التعريفات الجمركية دائمة له أي أساس قانوني. ويصر على أن حالة الطوارئ حقيقية، مستشهدًا بوفيات الفنتانيل وعجز الميزان التجاري المتزايد، وجادل بأن الرسوم الجمركية أدوات راسخة لتنظيم الواردات.
وفيما يتعلق باستمراريتها، ردّ نافارو قائلًا إن الإدارة لم تدّعِ قط أن الرسوم الجمركية ستستمر إلى أجل غير مسمى، وأنها قد تختفي إذا توقفت الصين وعصابات المخدرات عن إيذاء الأميركيين، على حد وصفه.
فرص قانونية بديلة
من الناحية القانونية، يشير المستشار القانوني في شركة هولاند آند نايت للمحاماة ومحامي المحاكمات السابق في وزارة العدل، آشلي أكيرز، إلى أنه “في حين أن الصفقات التجارية القائمة قد لا تنهار تلقائياً، فإن الإدارة قد تفقد ركيزة أساسية من استراتيجيتها التفاوضية، وهو ما قد يشجع الحكومات الأجنبية على مقاومة المطالب المستقبلية، أو تأخير تنفيذ الالتزامات السابقة، أو حتى السعي إلى إعادة التفاوض على الشروط”، بحسب ما نقلته عنه شبكة “إي.بي.سي نيوز”.
ولدى ترامب قوانين بديلة لفرض التعرفات، لكنها ستحد من سرعة وصرامة إجراءاته. على سبيل المثال، أشارت محكمة التجارة في قرارها الصادر في مايو/أيار إلى أن ترامب يحتفظ بسلطة محدودة لفرض رسوم جمركية لمعالجة العجز التجاري بموجب قانون آخر، وهو قانون التجارة للعام 1974. لكن هذا القانون يقيد الرسوم الجمركية بنسبة 15% ولمدة 150 يوماً فقط على الدول التي تعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري كبير معها.
يمكن للإدارة أيضاً فرض رسوم بموجب سلطة قانونية مختلفة – المادة 232 من قانون توسيع التجارة لعام 1962 – كما فعلت مع الرسوم الجمركية على الصلب والألمنيوم والسيارات الأجنبية. لكن هذا يتطلب تحقيقاً من وزارة التجارة، ولا يمكن فرضه ببساطة.