هل بمقدور المصارف حقاً التعامل بنجاح مع أزمة المناخ؟
(البيان)-16/05/2024
فعلت الإغلاقات ذات الصلة بالجائحة أموراً غريبة بعقولنا. لقد فقدنا الإحساس بالوقت حينها، وأقمنا احتفالات عبر تطبيق «زووم»، وخبزنا الكثير من كعكات الموز المليئة بالزبدة. ليس ذلك فحسب، بل سمحنا لأنفسنا بالاعتقاد في أن المصارف بإمكانها أن تصبح أبطالاً خارقين يدعمون التغيير وإصلاح الأزمة المناخية العالمية.
لقد انضمت مجموعة كبيرة من المصارف في العام 2021 إلى تحالف «مصرفيون من أجل انبعاثات كربونية صفرية» الذي تقوده الأمم المتحدة، متعهدة بـ«مواءمة محافظ الإقراض والاستثمار مع مسارات تذهب إلى صافي انبعاثات صفري بحلول 2050 أو قبل ذلك». وفي حين أنها ربما تبذل قصارى جهدها، لكن التأثير محدود كثيراً، بحسب ورقة بحثية.
ونشرت بارينيثا ساستري من كلية كولومبيا للأعمال، وإميل فرينير من كلية سلون للإدارة بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وديفيد ماركيز-إيبانييز من المصرف المركزي الأوروبي، الورقة البحثية تحت عنوان «الأعمال كما هو مُعتاد: تعهدات المصارف بصافٍ صفري والإقراض والمشاركة» أواخر العام الماضي، ثم أصدروا تحديثاً للورقة في أبريل من العام الجاري، يحتوي على بيانات إضافية تغطّي تمويل المشاريع.
وتشكّل الورقة قراءة واقعية، إذ لم تجد أي دليل عن صافٍ صفري على توقف المصارف الموقّعة عن تمويل المقترضين غير الملتزمين بالمعايير البيئية. وبيّنت الورقة في ملخصها: «لم تقلل المصارف من أجل انبعاثات كربونية صفرية من المعروض الائتماني للقطاعات التي تستهدفها في سبيل إزالة الكربون، ولا عززت من تمويل مشروعات الطاقة المتجددة». قد يظن البعض أنه لا داعي للقلق. هل يساعد استخدامنا لعبارة «المشاركة» الرنانة مع المقترضين المتسببين في قدر عالٍ من التلوث، هذه الشركات على التنكّر لأساليبها المدمرة للكوكب؟ لكن من جديد، ترى الورقة البحثية أن هذه مجرد أمنيات.
أفادت الورقة: «لا نجد أي دليل على انحسار الانبعاثات المُموّلة من خلال المشاركة»، وتابعت: «من غير المُرجح للشركات المقترضة من مصارف الصافي الصفري أن تحدد مُستهدفات لإزالة الكربون أو تقليل انبعاثاتها المؤكدة، وخلُصنا إلى أن تعهدات الصافي الصفري لا تؤدي إلى تغيرات ذات مغزى في سلوك المصارف».
قدمت الورقة شكرها للبنكين المركزيين الأوروبي والسويدي والاحتياطي الفيدرالي، على الردود التي قدمتها، مع التأكيد على أن الدراسة لا تمثّل بالضرورة وجهات نظر هذه المؤسسات.
وقالت ساستري، المشاركة في تأليف الورقة: «لا يتعلق الأمر بإصدار حكم أخلاقي على المصارف ووصفها بكونها شريرة». وأضافت: «السؤال الكبير الذي يثير اهتمامي هو: إلى أي مدى قد تصل إلى مُستهدفاتك للتغير المناخي من دون سياسة؟».
من السهل متابعة أسعار أسهم كبرى الشركات المُدرجة، سواء كانت كثيفة الانبعاثات الكربونية أو مراعية للبيئة. لكن الإقراض المصرفي أكثر تأثيراً، خاصة في أوروبا حيث يشكّل الأمر جزءاً أكثر أهمية بالنسبة لتمويل الشركات، بيد أن ذلك أمر تصعب مراقبته.
تستخدم الدراسة ما تصفه ساستري مجموعة فريدة من البيانات المُستقاة من المركزي الأوروبي، التي مكّنت الباحثين من تتبع الإقراض في منطقة اليورو، بما في ذلك القروض البالغة قيمتها 25,000 يورو. وتشمل هذه البيانات المقرضين والمقترضين ومبلغ القرض، إلى جانب سعر الفائدة، وهلم جرا، وهي بيانات تعود حتى عام 2018.
وعقد الباحثون مقارنة بين مصارف الصافي الصفري ونظرائها غير المنضمة إلى التحالف، ووجدوا أن مصارف الصافي الصفري «لا تعيد تخصيص الإقراض بحيث يبتعد عن الشركات العاملة في القطاعات المُستهدفة». وفي الوقت ذاته، فإن ازدياد الإقراض إلى الشركات التي تلبي المعايير المراعية للبيئة بموجب تصنيفات الاتحاد الأوروبي ليس بالكبير، لافتين إلى ازدياد تكلفة اقتراض القطاعات «البُنّية» مثل التعدين بصورة ضئيلة.
يعكس هذا على الأرجح التعقيد الذي يتسم به العالم الحقيقي، وليس احتيالاً. وإن لم تُقرض المصارف المهتمة بالبيئة الشركات الملوثة، فستسر مصارف أخرى لا تأبه بالأمر بملء هذه الفجوة. صرح ناطق بلسان تحالف «مصرفيون من أجل انبعاثات كربونية صفرية»: «نعتقد بأن الوقت سابق لأوانه للخروج باستنتاج حيال ما إن كانت التعهدات التي اختارتها المصارف العضوة في التحالف أسفرت عن أي تقليص للانبعاثات المُموّلة»، في ضوء تقديم الأعضاء حديثي الانضمام إلى التحالف خططاً انتقالية وتقارير مرحلية.
وعلى مستوى المصارف الفردية، بمقدور الكثير منها الإشارة إلى أدلة مقنعة على إحداثها فرقاً مع الشركات غير المراعية للبيئة أو تقليصها للإقراض كثيف الانبعاثات الكربونية. وأعلن «بي إن بي باريبا» انسحابه من صفقات سندات بقطاع النفط والغاز تماماً في الشهور الأخيرة.
وعلى نطاق أوسع، فإن سحب مصارف الصافي الصفري لاستثماراتها تماماً من الشركات كثيفة الانبعاثات سيجعل من أعمالها للإقراض تبدو أنيقة، لكنه لن يجعل الكوكب أفضل حالاً. نحن بحاجة إلى معادن الصلب والبطاريات من أجل تحقيق الانتقال الأخضر. أخبرني مصرفي أوروبي بارز: «لقد طرح التحالف هذا الموضوع علناً»، وأكد قائلاً: «من غير العادل أن نقول إن التحالف لا يسهم في شيء».
تتمثل النقطة الأساسية بالنسبة للمصرفيين في أن الأمور تستغرق وقتاً. لكن لا يتوفر لدينا الوقت، إذا ما افترضنا أن بناء محطة للطاقة النظيفة وتوصيلها بالشبكة الكهربائية يستغرق نحو عقد. قد يبدو التدقيق الباعث على التغيير السريع قاسياً، لكنه ليس سيئاً.