هل تحولت الأسهم الخاصة إلى فخ مالي كبير؟
(البيان)-02/06/2025
شهدت أسواق الأسهم الأمريكية انتعاشاً قوياً منذ الانهيار الذي أعقب جائحة كوفيد 19، إذ سجّل مؤشر «ستاندرد أند بورز 500» ارتفاعاً بنسبة تقارب 95 % خلال السنوات الخمس الماضية. ومع ذلك، تواجه شركات الأسهم الخاصة الأمريكية صعوبة في بيع الشركات التي راكمتها ضمن محافظها الاستثمارية بشكل مربح، والتي يُقدّر عددها بنحو 12 ألف شركة، بحسب تقديرات شركة «تشيري بيكرت» للاستشارات.
وبناءً على وتيرة التخارج الحالية، التي لا تتجاوز 1500 شركة سنوياً، قد تستغرق عملية تصفية هذا المخزون، ما يقرب من ثماني سنوات. وقد تراجعت توزيعات رؤوس الأموال على المستثمرين في الأسهم الخاصة بشكل حاد، من المستوى المعتاد البالغ 30 % من صافي قيمة الأصول، إلى نحو 10 % فقط حالياً، بحسب شركة «باين» الاستشارية. وفي ظل هذا الإحباط، بدأت مؤسسات بارزة –لا سيما جامعتي «ييل» و«هارفارد»– ببيع حصصها في السوق الثانوية، وسط تزايد الحديث عن «زيادة التخصيص»، و«الاستثمار فوق المستهدف»، في هذه الفئة من الأصول.
ويكمن السبب المباشر لهذا الجمود، في حالة النشاط المفرط التي شهدتها الأسواق الخاصة خلال الفترة من 2020 إلى 2022، حين كانت التقييمات مرتفعة، ومعدلات الفائدة لا تزال قريبة من الصفر. فقد حاولت شركات الأسهم الخاصة بيع كل ما اشترته قبل عام 2020، في خضم هذا السوق المحموم، ثم أقدمت في الوقت ذاته على إبرام صفقات جديدة بأسعار باهظة. وبلغت حصة الصفقات المتبادلة بين مديري الأسهم الخاصة ذروتها، عند نحو 45 % من إجمالي عمليات التخارج في عام 2022، وفقاً لبحث صادر عن كلية الحقوق في جامعة هارفارد.
ونشهد حالياً تداعيات هذا الإفراط في إبرام الصفقات. فالشركات التي تم الاستحواذ عليها قبل عام 2020، ولم يتم بيعها خلال تلك الفترة، غالباً ما تعاني من مشكلات جوهرية، في حين أن الصفقات الجديدة كانت تعتمد على تقييمات مرتفعة، ونماذج أعمال تفترض بقاء معدلات الفائدة منخفضة، ما يجعل من الصعب جداً بيعها حالياً بطريقة مربحة.
ومع تراجع وتيرة التخارج، بدأت تتكشف مشكلات أعمق في هذه الفئة من الأصول. فقد كانت الأسهم الخاصة بمثابة بؤرة اهتمام معظم مديري التخصيص في العقد الماضي. وكان جمع الأموال يشهد نمواً مطرداً، فيما أصبحت الصفقات المتبادلة بين مديري الأسهم الخاصة، تشكل حصة متزايدة من عمليات التخارج. غير أن التخصيصات المالية بدأت تتجاوز حجم السوق نفسه. وبحسب تقديراتي، فإن السوق القابلة للاستحواذ من قِبل الأسهم الخاصة –أي الشركات التي يمكن شراؤها– لا تتعدى عُشر حجم سوق الأسهم العامة. ومع ذلك، أصبح أمراً شائعاً على نحو متزايد تخصيص ما نسبته 40 % من المحافظ لهذه الأصول، كما هو حال صندوق وقف جامعة ييل. وهذا يعكس إفراطاً كبيراً في تخصيص الأموال لفئة من الأصول تتسم بسيولة منخفضة جداً.
وفي ظل التراجع الحاد في وتيرة جمع الأموال من قبل شركات الأسهم الخاصة خلال عام 2024، وفقاً لبيانات «بيتش بوك»، واستمرار هذا التباطؤ حتى الآن في عام 2025، فقد بدأ انعكاس للاتجاه، فكلما انخفض جمع الأموال، تضاءل عدد المشترين المحتملين داخل القطاع، ما يؤدي إلى تراجع وتيرة التخارج، وانخفاض التقييمات، وتردي العوائد. وكنتيجة لذلك، يُقدم مديرو المحافظ على تقليص التخصيصات بشكل إضافي.
ولن يكون ذلك مصدر قلق كبير، لو توفر مشترون طبيعيون آخرون لمحفظة أصول الأسهم الخاصة. غير أن أداء الأسهم الأمريكية الكبرى كان جيداً، في حين لم تحقق الأسهم الصغيرة والمتناهية الصغر أداءً مماثلاً. وبما أن ما بين 50 إلى 60 % من قيمة صفقات الأسهم الخاصة، تتركز ضمن نطاق الأسهم المتناهية الصغر في الأسواق العامة، بحسب بيانات «روبس آند غراي»، فإن سوق الطروحات العامة الأولية، لا تُعد حالياً خياراً جذاباً للعديد من هذه الشركات.
ومالياً، تواجه الشركات المدعومة من الأسهم الخاصة ضغوطاً متزايدة. إذ يعتمد نموذج العمل في هذا القطاع بشكل كبير على الرافعة المالية. ووفقاً لتقرير «بيتش بوك»، فقد بلغت عوائد الإقراض في صفقات الاستحواذ بالرافعة المالية نحو 9.5 % حتى عام 2024. وتستند الغالبية العظمى من هذه الديون، إلى معدلات فائدة متغيرة.
وتشير التقديرات حالياً إلى أن نسبة الدين إلى الأرباح قبل الفوائد والضرائب والاستهلاك والإهلاك، في العديد من الشركات ضمن المحافظ الاستثمارية، باتت تتجاوز ثماني مرات، في وقت تسجل فيه نسبة كبيرة من هذه الشركات تدفقات نقدية سلبية.
ويُعد هذا الوضع نتيجة منطقية لبيئة سمحت فيها الديون الرخيصة بعقد صفقات مُبالغ في تقييمها، وأخفت هشاشة تشغيلية كامنة. وبسبب الأعباء العالية من الديون، فإن هذه الشركات عاجزة كذلك عن تمويل النمو. ووفقاً لتقارير وكالة «موديز»، تقترب معدلات التعثر بين الشركات المدعومة من الأسهم الخاصة من 17 %، أي أكثر من ضعف مثيلاتها من الشركات غير المدعومة بأسهم خاصة.
ويحاول مديرو الصناديق كسب الوقت، عبر إعادة تمويل الأصول بهياكل جديدة، أو من خلال بيع شركاتهم إلى ما يُعرف بـ «صناديق الاستمرارية»، التي تحتفظ بالأصول لفترات أطول. غير أن تأجيل الحلول قد يُشكل استراتيجية محفوفة بالمخاطر، خصوصاً إذا استمر ارتفاع كلفة الديون في تقليص قيمة حقوق الملكية، أو إذا تباطأ النمو الاقتصادي أكثر.
إن الأسهم الخاصة كانت عادة بمنأى عن الخطأ، لكنها باتت اليوم تبدو كأنها فخ مالي ضخم. فقد جاء أداؤها أدنى من مؤشر «ستاندرد أند بورز 500»، خلال فترات سنة وثلاث سنوات وخمس سنوات، بحسب بيانات شركة «ماكنزي».
وبدأ التوافق السائد بشأن الأسهم الخاصة يتغير بصمت، لكن بحسم. والسؤال المطروح الآن، لم يعد ما إذا كان النموذج قد انهار، بل ما إذا كان «باب الخروج» يتسع لكل من يحاول المغادرة.