هل تنعكس نتائج زيارة ترامب إلى آسيا على النمو الاقتصادي العالمي؟
(النهار)-03/11/2025
شهدت قواعد الاقتصاد العالمي حالة من الاضطراب، من حرب المعادن إلى الحرب التجارية وسلاسل الإمداد إلى الحمائية التجارية في أكثر من دولة ومنطقة في العالم. وقد أدى هذا تدريجياً إلى تراجع آفاق النمو الاقتصادي العالمي وانعكس على كل من الدول المتقدمة والدول النامية والأسواق الناشئة على حدٍ سِواء.
فبعد أن رفعت الولايات المتحدة التعريفات الجمركية بداية من شهر شباط/ فبراير الماضي، ومع بداية تحول السياسات التجارية وتصاعد حالة عدم اليقين، خفض صندوق النقد الدولي في شهر نيسان/ إبريل من هذا العام توقعات النمو لعام 2025 بمقدار 0.5% إلى 2.8 %. ويُُعزى هذا التخفيض إلى أن التعريفات الجمركية تمثل صدمات عرض للدول التي تفرض تلك التعريفات، وصدمات طلب للدول المستهدفة بها، في حين يشكّل عدم اليقين صدمة طلب سالبة في جميع الأحوال.
ومع بداية شهر تموز/ يوليو، أدى إعلان كل من الولايات المتحدة الأميركية والصين بشكل أساسي عن خفض التعريفات الجمركية، بعد أن كانت قد بلغت أعلى مستوياتها، إلى ارتفاع طفيف في توقعات النمو العالمي إلى أكثر من 3.0%، كما ارتفعت توقعات التضخم في الولايات المتحدة وانخفضت في عدد من الدول. ولكن تلك المرحلة اتّسمت بحالة من عدم اليقين الشديد إزاء استقرار الاقتصاد العالمي ومساره المستقبلي.
وليس بعيداً عن توقعات منتصف العام، ونتيجة التطورات المتسارعة على صعيد العلاقات التجارية والانحسار الجزئي للتوترات التجارية العالمية، عدل صندوق النقد الدولي من توقعاته في تقريره آفاق الاقتصاد العالمي (تشرين الأول/أكتوبر2025)، الصادر على هامش اجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي لتشير إلى تباطؤ النمو العالمي من 3.3 % في عام 2024 إلى 3.2 % في عام 2025، وإلى 3.1 % في عام 2026. ويعد ذلك تحسناً مقارنة بتوقعاته السابقة، ولكنه أقل بمقدار 0.2% على أساس تراكمي مقارنة بتنبؤات ما قبل تحول السياسات في أواخر عام 2024. ويعكس هذا التباطؤ عوامل معاكسة ناتجة من عدم اليقين والحمائية، على الرغم من أن صدمات التعريفات الجمركية أصبحت أقل حدة مما أُُعلن عنه بداية.
أخيراً، جاءت زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لبعض الدول الآسيوية لتحمل في مضامينها شقين، لا يمكن فصلهما عن بعضهما بعضاً سياسياً واقتصادياً. وقد يكون الأبرز في تلك الزيارة هو الاجتماع الذي عقده مع الرئيس الصيني لمناقشة هدنة محتملة في الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم. وبنتيجة اللقاء، توصلت كل من الصين والولايات المتحدة إلى اتفاقات تجارية تهدف إلى تهدئة التوترات، بحيث تشمل استئناف شراء فول الصويا وتجميد رسوم جمركية على المعادن النادرة. على الرغم من ذلك، تبقى الخلافات الجوهرية حول الأمن الوطني والدعم الحكومي والتكنولوجيا من دون حل، مع استمرار القيود الأميركية على الاستثمار الصيني، ما يعقد تحقيق اتفاق شامل ومستدام.
في هذا السياق، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الخميس، إنه وافق على خفض الرسوم الجمركية على الصين من 57% إلى 47% مقابل استئناف بكين شراء فول الصويا الأميركي والحفاظ على تدفق صادرات المعادن النادرة والحد من التجارة غير المشروعة في الفنتانيل. وعمدت الصين، من جانبها، في بادرة حسن نية أيضاً، إلى شراء شحنتين من فول الصويا الأميركي في أول صفقة في هذا الموسم، ما يشير إلى احتمال تسوية تجارية بين الصين والولايات المتحدة. وقد جاء ذلك بعد اتفاق إطاري واسع يمهد لاتفاق نهائي بين الرئيسين الأميركي والصيني يهدف إلى تخفيف الرسوم الجمركية والقيود التجارية، علماً بأن الصين كانت تتجنب شراء الفول سابقاً بسبب الحرب التجارية، ورداً على سياسة الولايات المتحدة التجارية.
في السياق عينه، حمل الرئيس الأميركي إلى دول جنوب شرقي آسيا واليابان وكوريا الجنوبية اتفاقيات تجارية وأطراً مبدئية، تهدف إلى خفض الرسوم على الصادرات الأميركية، وتعهدات بشراء سلع أميركية بمليارات الدولارات. ومن شأن تلك الاتفاقيات أن تحقق مكاسب لواشنطن في الوقت الذي ستثير مخاوف من اختلال التوازن ومنافع محدودة للدول الآسيوية، مع غموض حول تفاصيل الإعفاءات والرسوم.
وانطلاقاً مما سبق، من المتوقع أن ينعكس هذا الانفراج على الساحة العالمية، ولا سيما بين أكبر اقتصادين في العالم، من جهة على المناخ الاقتصادي العالمي وآفاق النمو، مما يريح الدول من التشنجات التجارية وسلاسل الامداد التي كانت قائمة؛ ومن جهة أخرى – وهو الأهم- على اقتصادي الصين والولايات المتحدة بالنمو، ثم على نمو الاقتصاد العالمي، لكونهما تشكّلان قاطرة لهذا النمو. وقد لا يكون مستبعداً أن يقوم صندوق النقد الدولي في مراجعته المقبلة أن يرفع من توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي إذا ما شهدنا استدامة في هذا الانفراج السياسي والاقتصادي العالمي.
