هل هناك مبالغة في الشعور بالقلق بشأن الدين العام العالمي؟
(البيان)-24/10/2025
يتزايد القلق بدرجة كبيرة بشأن حدوث انهيار مالي، أو على الأقل هذا هو الشعور الذي نستمده من تكرار الحديث حول الفقاعة الاقتصادية وتعدد الندوات حول «الأزمة المالية الأمريكية القادمة»، وهذا أمر جدير بالثناء، فالتحذير جيد للاستعداد للأمر.
في الوقت نفسه، يميل كثيرون إلى الاعتقاد بأن الخبراء اعتادوا التحذير من الأزمات المالية قبل وقوعها ببضع سنوات، ثم يستسلمون أو ينضمون، للأسف، إلى هذا التراخي في الوقت الآخر ليطولهم الانهيار مع الجميع، لا عيب إذن بالمرة في القلق، ومع ذلك من الأفضل أن نقلق بشأن الأمور الصحيحة.
وعندما نشر صندوق النقد الدولي بعض البيانات قبل شهر من الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، التي عُقدت في واشنطن الأسبوع الماضي، أعتقد أن الهدف هو بث الرعب في القلوب إزاء ارتفاع الدين العالمي، لا أشك في أن هذا بالتأكيد هو رد الفعل الأكثر شيوعاً، لكن رد فعلي كان معاكساً؛ لقد صدمت لرؤية مدى استقرار الدين العالمي، ففي عام 2019 بلغ إجمالي ديون الحكومات والأسر والشركات غير المالية حوالي 230% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وبعد خمس سنوات فكر في كل ما حدث في تلك الفترة، لقد ارتفعت النسبة إلى حوالي 235%.
لقد كان ارتفاع الدين العام أكبر بقليل من الارتفاع الإجمالي، وانخفضت نسبة الدين الخاص قليلاً في الواقع خلال تلك السنوات الخمس المضطربة، وهذا هو ما ينبغي أن يكون عليه الحال عندما تغلق الحكومات الاقتصادات لمنع ملايين الوفيات.
إذا كان هناك أي شيء صادم هنا فهو ليس حجم الأرقام، بل مدى ضآلة التغييرات.
ويظل هذا صحيحاً إذا عدنا إلى الوراء أكثر من بضع سنوات فقط، فإذا نظرنا إلى ربع القرن الماضي بأكمله، فإن صورة الدين لم تتغير كثيراً، فقد بلغ إجمالي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وفقاً لهذا المقياس الذي وضعه صندوق النقد الدولي، حوالي 200% في عام 2000، حوالي ثلثه عام وثلثاه خاص.
أما اليوم فقد ارتفع هذا الإجمالي قليلاً، ونسبة الدين العام أكبر قليلاً (حوالي أربعة أعشار فقط). مع ذلك يثور الناس غضباً بشأن الدين العام على جانبي المحيط الأطلسي (وحول الصين أيضاً).
هناك أسباب وجيهة وأسباب أقل سوءاً لهذا، والسبب الأسوأ هو الوهم النقدي: فالنمو الحقيقي والتضخم يعنيان أن القيمة الاسمية للدين قد تضاعفت بأكثر من أربعة أضعاف. لكن هذا لا يعني شيئاً من حيث العبء الحقيقي لذلك الدين.
أما القلق بشأن ارتفاع أسعار الفائدة فهو أقل سوءاً، فقد كانت الأسعار أعلى في بداية الألفية مما هي عليه الآن، وقد اتبعت أسعار الفائدة الأخرى أنماطاً مماثلة.
لذا، بينما من الصحيح أن الموارد اللازمة لخدمة الدين ترتفع مع إعادة تمويله، فإن ذلك يقارن بالمكاسب غير المتوقعة التي حققها المقترضون خلال فترة الـ15 عاماً التي تلت الأزمة المالية العالمية تقريباً، عندما كانت أسعار الفائدة منخفضة بشكل استثنائي.
وهكذا فإن العبء الحقيقي للدين يعود إلى طبيعته، بل هو معتدل وفقاً للمعايير التاريخية.
وإذا أخذنا حكومة الولايات المتحدة على سبيل المثال: فهي الآن بحاجة إلى تخصيص حصة من الاقتصاد لسداد الفوائد مماثلة تقريباً للتي خصصتها في أواخر التسعينيات – وهي أقل بقليل من 4%.
لذلك، أعتقد أن هناك الكثير من المبالغة في التخويف الانفعالي كلما صدرت أرقام جديدة للمالية العامة، وهذا لا يعني أنه لا ينبغي للمرء أن يقلق، ولكن من الضروري للغاية توجيه الاهتمام إلى الأمور الصحيحة، خاصة الأمور الثلاثة التالية:
– تخصيص الموارد الحقيقية: فحتى لو عادت أعباء خدمة الدين إلى مستوياتها الطبيعية تاريخياً، فلا يزال يتعين تحمل العبء.
على سبيل المثال يجب على حكومة الولايات المتحدة أن توفر 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي أكثر مما كانت تقوم به قبل الجائحة. وتواجه حكومات أخرى تحديات مماثلة.
علاوة على ذلك تبرز مطالب متزايدة من الدفاع والإنتاجية والمناخ والتحولات الرقمية، بالإضافة إلى شيخوخة السكان، لكن تمويل ميزانية الحكومة يمثل في الغالب تحدياً سياسياً أكثر منه مالياً، وكما قال جون ماينارد كينز: «ما نستطيع فعله، نستطيع تحمله»، مع أن الوصول إليه قد يكون شاقاً سياسياً.
ويجب أن نقلق أيضاً بشأن أداء الاقتصاد الحقيقي – فعندما يتلاشى النمو تتفاقم جميع المشاكل المالية.
– عمليات التعرض العابرة للحدود: فعند حدوث الأزمات المالية فإنها تنطوي في أغلب الأحيان على عمليات تعرض عابرة للحدود كبيرة وغير مستدامة، وما دامت أعباء الديون تتضمن إقراضاً بين الأفراد داخل البلد الواحد، فكذلك هي الحال بالنسبة لمدفوعات الفائدة. ولدى الحكومات خيارات عديدة لإعادة تعريف شروط الدين العام والخاص لسكانها.
وتصبح الأمور أصعب بكثير عندما تعتمد على لطف الغرباء، وعندما يصبح الإقراض بين الغرباء مسألة جيوسياسية تزداد الأمور صعوبة بالفعل.
لذا إذا أردتَ إثبات تشاؤمك فابحث عن التبعيات الكبيرة والمتزايدة العابرة للحدود، لكن في هذا السياق الأخبار إيجابية في الغالب.
ويقيس بنك التسويات الدولية الإقراض العابر للحدود من قِبَل البنوك، والذي بلغ الآن رقماً قياسياً تاريخياً بلغ 34.7 تريليون دولار، متجاوزاً بذلك ذروة ما قبل الأزمة المالية العالمية، ولكن هذا بالقيمة الاسمية فقط.
وبما أن عمليات التعرض هذه تُمثل حوالي 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، فإنها تمثل حصة من النشاط أقل بكثير مما كانت عليه في ذروة عام 2008 حيث بلغت حينها حوالي 50%.
وإذا نظرنا أيضاً إلى عجز الحساب الجاري، فقد حدثت أزمة ديون منطقة اليورو، والأزمة المالية الآسيوية التي سبقتها، لاقتصادات كانت تعيش فوق إمكانياتها بكثير، حيث وصل العجز الخارجي (الذي كان مدفوعاً أحياناً بالقطاع الخاص، وليس الاقتراض العام) إلى نسب مئوية مزدوجة الرقم من الناتج المحلي الإجمالي في الحالات القصوى.
واليوم من الصعب العثور على اقتصاد متقدم في أي منطقة بالقرب من منطقة الخطر هذه.
والاقتصادان الأبرز هما الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث بلغ العجز الخارجي 3 إلى 4% من ناتجهما المحلي الإجمالي، ولنقارن هذا بفرنسا، حيث زادت نسب الدين العام والخاص إلى الناتج المحلي الإجمالي لكل منهما بأكثر من 50 نقطة مئوية في 20 عاماً، وفقاً لمراقب الديون العالمية التابع لصندوق النقد الدولي، لكن هذه الديون مستحقة في الغالب للمواطنين، بالنظر إلى مدى ضآلة عجز الحساب الجاري للبلاد على مر السنين.
وحتى بالنسبة للولايات المتحدة، حيث من الواضح أن السياسة المالية لا تؤخذ على محمل الجد في الوقت الحالي، قد لا تكون الأمور سيئة كما تبدو من حيث الهشاشة عبر الحدود.
ويعكس جزء كبير من الزيادة الأخيرة في الالتزامات تجاه بقية العالم ما يحدث من طفرة هائلة في سوق الأسهم، وليس مرده إلى الاقتراض، أما بالنسبة للدين العام، فقد ارتفعت الحصة المستحقة للأجانب من 10 إلى 15%، وهي النسبة المعتادة في التسعينيات، وهي بذلك لم تتجاوز 25%، حيث ظلت مستقرة لما يقرب من 20 عاماً.
– عندما لا يكون الدين (والأسهم) كما يبدو: فمن المهم فهم البنية الأساسية للانهيارات المالية، كما ذكرتُ سابقاً.
وتحدث الأزمات المالية عندما لا تُعادل قيمة الأصول التي يعتقد الناس أن النظام المالي يمتلكها مجموع المطالبات التي يعتقدون أنهم يمتلكونها عليه، ما يعني أنه لن تتم تلبية جميع هذه المطالبات بالكامل، ويحدث هذا غالباً عندما تمول المطالبات، التي يفترض خدمتها ودفعها بمبلغ محدد مسبقاً، استثمارات قد تدر عائداً أو لا تدر عائداً.
ولتبسيط الأمر تخيل الإفراط في تمويل الديون لدعم استثمارات تشبه الأسهم، ولأن هذا الأمر محفوف بالمخاطر، فإن المبالغة في التمويل ستميل إلى التعتيم، إما بإخفائها عن عمد أو ضياعها عن غير قصد في خضم التعقيد.
ووسط كل ذلك ينبغي أن تكون الميزانيات العمومية الحكومية المتداعية في أسفل قائمة الأولويات.
وتعد المالية العامة أقل القطاعات المالية تعقيداً وأكثرها شفافية، وقد تسوء الأمور بالطبع، لكن أموراً أخرى من المرجح أن تسوء أولاً.
وقد حدث ذلك من قبل وسيتكرر، وكلما حدث أي انخفاض تقع المسؤولية في النهاية على عاتق الحكومة.
ومع ذلك، فإنه عندما يكون الأمر بهذه الخطورة، يُمكننا أيضاً أن نكون على ثقة تامة من أن أسعار الفائدة ستنخفض، ما يعالج إلى حد ما أي مشاكل داخل المالية العامة نفسها.
إن التنبؤ بطبيعة أو توقيت الأزمة المالية القادمة ليس بالأمر السهل، لكنني على استعداد للمراهنة على أن الأزمة المالية ستكون نتيجة، وليست سبباً، لانهيار اقتصادي في مكان آخر، وقد تكون جزءاً من الحل أكثر منها جزءاً من المشكلة.
