هل يعيش الاقتصاد الأمريكي حالة فقاعة حقاً؟
(العربية)-05/12/2024
أخيراً، تجرأ أحدهم وقالها بوضوح: الولايات المتحدة تعيش في فقاعة هائلة! فقد كتبه روشير شارما في «فاينانشال تايمز»: إن أسعار الأسهم في الولايات المتحدة، مقارنةً بأسعار الأصول الأخرى، الأعلى منذ بدء تسجيل البيانات قبل أكثر من قرن. كما تُشكّل الولايات المتحدة حوالي 70% من مؤشر الأسهم العالمي الرائد، بعد أن كانت نسبتها 30% فقط في ثمانينات القرن الماضي.
ويرى محللون أن الفجوة بين الولايات المتحدة وبقية دول العالم مبررة، نظراً للأرباح الهائلة التي تحققها الشركات الأمريكية الكبرى، وانتشارها العالمي الواسع، وريادتها في مجال الابتكار التكنولوجي.
صحيح أن كل هذه المميزات حقيقية، لكن أحد تعريفات الفقاعة هو أنها «فكرة جيدة أفرطت كثيراً في النمو». وقد أصبحت الولايات المتحدة بالفعل مُبالغاً فيها على نحو مفرط.. مبالغاً في ملكيتها، ومبالغاً في تقييمها، ومبالغاً في الترويج لها، إلى درجة غير مسبوقة». ومن المهم التأكيد أن هذا الوضع لا يقتصر على «العظماء السبعة» (شركات التكنولوجيا العملاقة).
فهل نتفق هنا مع رأي شارما، الذي ذهب إلى أن الولايات المتحدة عبارة عن فقاعة كبيرة مقارنة ببقية دول العالم؟ بالطبع نتفق مع هذا الرأي؛ فالولايات المتحدة مفرطة التقييم، ربما على نحو بالغ. وسيكون من الخطأ الرهان على حدوث تقارب كبير بين أسعار الأصول الأمريكية وأسعار أصول بقية دول العالم على المدى القريب.
إن قيمة الأسهم تتأثر بصورة كبيرة حال دامت الاختلافات الصغيرة بنمو الأرباح لفترة طويلة. وفي الوقت الراهن، يتم تداول مؤشر «إس آند بي 493» بعلاوة قدرها 40% مقارنة بمؤشر «يوروب 350». وتتجه التوقعات إلى نمو أرباح المؤشر الأول بنحو 11% على مدى العام أو العامين المقبلين، وإلى نمو أرباح المؤشر الثاني بقرابة 9%.
وقد لا يبدو هذا فرقاً كبيراً. لكنك إن أدخلت فارقاً يبلغ نقطتين مئويتين في معدل النمو على نموذج لتقييم الأسهم من اختيارك، فستتمكن بكل سهولة من تبرير وجود فجوة في التقييم بمقدار الثلث أو نحو ذلك، وسيتوقف ذلك على مدخلات أخرى مثل معدلات الخصم، طالما أن فارق النمو مستمر إلى «ما لا نهاية».
ومن أجل رأب فجوة التقييم، يجب أن يحدث خطب ما من شأنه أن يدفع المستثمرين إلى إعادة النظر في مسألة «إلى ما لا نهاية» هذه. وقد لا يحدث ذلك على المدى القريب، في ضوء عزم الإدارة المقبلة لدونالد ترامب على استخدام كافة السبل الداعمة للنمو على المستوى المحلي بموازاة فرض تعريفات جمركية على الدول في الخارج.
وقد يتغير هذا الوضع إذا عاد التضخم إلى الارتفاع من جديد. وحتى ذلك الحين، من المُتوقع أن تزداد الفقاعة الأمريكية تضخماً وألا تنكمش.
أما بالنسبة للصين، فقد انخفضت العوائد على السندات الحكومية الصينية لأجل 30 عاماً دون عوائد السندات الحكومية اليابانية لأجل الاستحقاق ذاته للمرة الأولى على الإطلاق. إذن، هل تكتسي الصين بالطابع الياباني؟ ويُقصد بذلك الانحدار إلى سيناريو الانكماش المالي والنمو المنخفض الذي عانتهما اليابان منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي.
والإجابة البسيطة، وإن كانت مفرطة البساطة، هي نعم. فبعد انفجار فقاعة الأصول في اليابان، دخلت البلاد ركوداً في الميزانية العمومية، إذ منحت الشركات والمصارف والأسر الأولوية لتقليص الديون على حساب الإنفاق والاستثمار. ويتماثل ما تعانيه الصين الآن مع التجربة اليابانية.
فقد انفجرت الفقاعة العقارية، وتباطأ كل من الإنفاق والاستثمار، وبدأ الانكماش المالي، ويتعثر النمو الاقتصادي. وفي عدة لقاءات، أشار ريتشارد كو، الخبير الاقتصادي الذي طوّر فكرة «ركود الميزانية العمومية»، إلى بدء الصين اتباع هذا النمط.
ومع ذلك، يجب عدم المبالغة في تقدير أوجه الشبه في الحالتين. ولن نصف مشكلات الدين الحالية التي وقعت فيها فرنسا بأنها شبيهة بما فعلته ليز تراس، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، لمجرد أن الحالتين شهدتا فقدان المستثمرين للثقة في خضم خلاف بشأن الموازنة. ولن نقول إن رفع البرازيل لأسعار الفائدة يشبه ما فعلته تركيا.
ويؤدي الكثير من أوجه الاختلاف بين الحالتين إلى أن يبدو الوضع الصيني أكثر خطورة مقارنة بما كان عليه الوضع الياباني في ذلك الوقت، فالمشهد الديمغرافي للصين أسوأ مما كان عليه ذلك الياباني.
وفي حين أن فقاعة العقارات اليابانية كانت أكبر حجماً، إلا أن جيمس آثي، مراسلنا لدى «مالبورو غروب»، أشار إلى أن الديون المعدومة «أكثر شيوعاً» في الصين، حيث كانت العقارات هي وسيلة الاستثمار الأساسية لغالبية الأسر، وحيث كانت الديون معززة للنمو، وهي غالباً ما تكون ديوناً للحكومات المحلية.
وتخطي العوائد اليابانية لنظيراتها الصينية لا يعود في إجماليه إلى عوامل صينية. ويُعزى الأمر أيضاً إلى تغير الظروف، بما في ذلك أن اليابان تشهد قدراً من ارتفاع التضخم. وقد رفع المركزي الياباني أسعار الفائدة للمرة الأولى منذ أكثر من عقد.
وكما قال لاي تشو، رئيس قسم الدخل الثابت الآسيوي لدى «فيدليتي إنترناشونال»، فإن الحكومة الصينية لا تركز كثيراً بصفة عامة على السندات لأجل 30 عاماً بقدر تركيزها على شكل المنحنى والسندات الأقصر أجلاً. وما زالت عوائد السندات الصينية لأجل 10 أعوام والسندات الأقصر أجلاً أعلى من السندات اليابانية لأجل الاستحقاق ذاته.
كذلك تتمتع الصين بالأدوات التي تمكّنها من التصدي للانكماش المالي وتعزيز الثقة. وتسجل الفائدة الحقيقية مستويات موجبة، لذا، يحظى المركزي الصيني بمجال لخفض الفائدة. وفي ضوء انطلاق استهلاك الأسر الصينية من قاعدة منخفضة للغاية، خلافاً للحالة اليابانية في تسعينيات القرن الماضي، فمن شأن تضافر الجهود في تحفيزه أن يحدث فارقاً كبيراً.
لكن، في حالة ركود الميزانيات العمومية التي تقترب منها الصين، ستكون السياسة النقدية أقل فعالية، لأن الاستثمار ضعيف للغاية.
ومثلما أظهر الطرح الصيني البطيء للحزمة المالية، فإن البلاد تشهد إقبالاً ضعيفاً على إجراء تغييرات كبيرة من شأنها تعزيز الإنفاق الاستهلاكي. ربما لا تكون الصين بصدد المرور بالتجربة اليابانية بكل تفاصيلها في الوقت الراهن. لكن البلاد قد تمر بالسيناريو الياباني بحذافيره، إذا لم تتحرك الحكومة بالشكل المطلوب، وإن لم تُظهر رغبتها في دعم المستهلكين وتتبنى سياسات مالية جريئة.