2025 ..عام الاستثمار تحت وطأة المخاطر
(البيان)-07/01/2025
شهدت الأسواق المالية تقلبات في الأيام الأخيرة من عام 2024، تنذر بوضوح بعام محفوف بالمخاطر للمستثمرين، وتراجعت أسعار الأسهم والسندات بعد الاجتماع الأخير لبنك الاحتياطي الفيدرالي، حيث ساد القلق من عجز البنك عن تخفيض أسعار الفائدة كما كان مخططاً له، نظراً لاستمرار مشكلة التضخم.
والأهم من تصريحات رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، هو ما لم يقله، وهو ما يدركه خبراء الاستثمار جيداً أن عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض هذا الشهر قد تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وزيادة معدلات التضخم، أو ربما كليهما معاً.
للمرة الأولى منذ سنوات عديدة يجد المستثمرون أنفسهم أمام ما يُعرف في عالم المال بـ’ المخاطر المزدوجة’ في سياسات البنك المركزي الأمريكي، وهي السياسات التي تتحكم في سوق السندات، وتؤثر بشكل مباشر على أسعار الأصول في جميع أنحاء العالم، فمن جهة قد يستمر البنك المركزي في خفض أسعار الفائدة – وهو التوجه الذي يُعتقد أن الرئيس ترامب سيفضله، ومن جهة أخرى قد يضطر البنك إلى العودة لرفعها مرة أخرى، وهو ما قد يُسفر عن اضطرابات كبيرة في الأسواق.
أما سوق الأسهم فالصورة فيه غير واضحة أيضاً، فالسوق الأمريكي، الذي حقق أداء استثنائياً في العامين الماضيين بمكاسب وصلت إلى 20 % في كل عام، قد يكون مقبلاً على نهاية هذه الفترة الذهبية، لكن المتفائلين يرون أن التقييمات المرتفعة لشركات التكنولوجيا مبررة، نتيجة لأرباحها القوية. وفي هذا السياق تقول خبيرة الاستثمار نيام برودي-ماتشورا من مؤسسة «فيديليتي إنترناشونال» للاستثمار العالمي: إن «الولايات المتحدة ستكون المحرك الرئيسي للأسواق العالمية. صحيح أن التقييمات تبدو مرتفعة، لكن هناك أسباب منطقية وراء ذلك».
يذهب بعض المحللين إلى ما هو أبعد من ذلك، مؤكدين أن ثورة الذكاء الاصطناعي قد أحدثت تغييراً جذرياً في قواعد اللعبة، جعلت من دورات الأعمال والأسواق التقليدية المملة شيئاً من الماضي، حتى قبل أن نأخذ في الاعتبار تأثير الاستثنائية الأمريكية. في المقابل يرى المتشائمون أن هذا التفاؤل المفرط تجاوز حدود المنطق، وأن الحماس للذكاء الاصطناعي مبالغ فيه، وأن السوق لا بد أن يشهد تصحيحاً قريباً.
أنا لست في موقع يسمح لي بالتنبؤ بالمستقبل، لكن ما زلت أتذكر جيداً عام 2022 – وهي ذكرى قريبة يتمنى مديرو صناديق الاستثمار نسيانها، ففي ذلك العام شهدنا انهياراً متزامناً في أسواق السندات والأسهم – بخسائر بلغت نحو 20 % لكل منهما – ما أطاح بقاعدة العلاقة العكسية، التي طالما وفرت شبكة أمان للمستثمرين، فبينما تستفيد السندات عادة من تباطؤ النمو، وخفض أسعار الفائدة، فإنها تتضرر من التضخم ورفع الأسعار، ولا يبدو مستبعداً أن نشهد عودة هذا السيناريو المرعب.
سيدخل المستثمرون عام 2025 في بيئة محفوفة بالمخاطر، لكن بوضع أفضل نسبياً مما كانوا عليه في بداية ديسمبر من العام الماضي، فقبل بضعة أسابيع كشف الاستطلاع الشهري الذي يجريه بنك أوف أمريكا لمديري صناديق الاستثمار عما وصفه بـ’موجة تفاؤل غير مسبوقة’. وأوضح الاستطلاع أن المؤشرات الإيجابية – التي تقاس من خلال تخصيصات النقد والأسهم، إضافة إلى التوقعات الاقتصادية – قد ارتفعت بأسرع وتيرة منذ يونيو 2020. كان هذا التفاؤل مبالغاً فيه، لكن – ورغم تأثيرها المؤلم – جاءت صدمة النظرة الجديدة للاحتياطي الفيدرالي تجاه الاقتصاد العالمي لتخفف حدة هذا التفاؤل المفرط.
وتسود حالة من عدم اليقين في الأسواق المالية حول السياسات الاقتصادية المحتملة للرئيس ترامب بعد عودته للبيت الأبيض، فمن جهة قد يفرض رسوماً جمركية مرتفعة تصل إلى 60 % على المنتجات الصينية و20 % على باقي دول العالم، ما قد يؤثر بشدة على التجارة العالمية. ومن جهة أخرى قد يكتفي بفرض رسوم رمزية لا تؤثر كثيراً على حركة التجارة، كما تتباين التوقعات حول سياسات الهجرة، فقد تقتصر على ترحيل أعداد محدودة من المهاجرين غير الشرعيين، أو قد تتحول إلى حملات اعتقال واسعة تؤدي إلى نقص في العمالة واضطراب كبير في سوق العمل الأمريكي.
ويواجه المستثمرون اليوم حالة من عدم اليقين أشبه بالسير معصوبي الأعين بين فخاخ. وكتب هنري نيفيل، مدير محافظ في مجموعة «مان» لصناديق التحوط، في تدوينة حديثة قائلاً: “في رأيي السيناريو الأقل احتمالاً لعام 2025 هو بقاء الأمور على حالها دون تغييرات تُذكر، فإما أن نشهد عودة التضخم كما في سبعينيات القرن الماضي، ما سيؤدي إلى اضطراب في أسواق الأسهم والسندات مثلما حدث في 2022، ما سيؤدي إلى اضطراب في أسواق الأسهم والسندات مثلما حدث في 2022، وإما أن تغلب سياسات ترامب المفيدة للأسواق – مثل تخفيف القيود التنظيمية وخفض الضرائب وتحسين الكفاءة الحكومية والتوصل لاتفاق سلام في أوكرانيا – على سياساته الضارة مثل تقلب القرارات والتعريفات الجمركية وقيود سوق العمل، وحينها قد نشهد ازدهاراً يشبه عام 1996.
ورغم أن نيفيل يميل للنظرة التشاؤمية فإنه يتوقع تقلبات كبيرة في السوق في كلتا الحالتين.
ويضاف إلى مصادر القلق في الأسواق المالية أسلوب ترامب المعروف في إعلان قراراته السياسية المهمة عبر منصات التواصل الاجتماعي في أوقات غير متوقعة، فرغم أن هذه الاستراتيجية تنجح في إرباك منافسيه وخصومه السياسيين، إلا أنها تثير قلق مديري الاستثمار، وتتسبب في تقلبات حادة في أسعار الأصول المالية، ويؤكد مديرو صناديق الاستثمار أنهم هذه المرة أكثر استعداداً لتجاهل الضجيج الإعلامي مقارنة بفترة رئاسة ترامب الأولى. ومع ذلك لست متأكداً تماماً من حدوث ذلك، وسيكون الاختبار الحقيقي في الأشهر الأولى من عودته للبيت الأبيض – حيث سيتمكن المستثمرون بعدها من فهم طبيعة وأسلوب الرئيس الذي يتعاملون معه.
وسط هذه المخاوف تبرز نقطة إيجابية، وهي أن تكلفة التحوط في سوق الأسهم لا تزال معقولة، رغم المخاطر التي يشكلها التضخم على سوق السندات. كما يشهد الذهب، المعروف تاريخياً بأنه الملاذ الآمن وقت الأزمات، ارتفاعاً مستمراً في مختلف الظروف الاقتصادية، حيث ارتفع سعره بنسبة 26 % العام الماضي، متفوقاً على أداء مؤشر (إس آند بي 500) للأسهم الأمريكية، ويتوقع مركز الأبحاث المالي (أو إم إف آي إف) أن تصل احتياطات الذهب الرسمية إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1965، وهذا يعني أن المستثمرين الحذرين لديهم فرصة لحماية استثماراتهم – وهو ما قد يحتاجون إليه بالفعل.
ويقول بيتر فيتزجيرالد، كبير مسؤولي الاستثمار في شركة «أفيفا إنفستورز» للاستثمار في لندن: «من المهم أن نتحلى بالتواضع، ونقر بأننا لا نستطيع التنبؤ تماماً بما سيحدث، المفتاح هو تجنب الثقة المفرطة».