الإندماجات كأحد محركات النمو
عدنان أحمد يوسف
رئيس جمعية مصارف البحرين
رئيس إتحاد المصارف العربية سابقاً
منذ نحو 15 عاماً، وتحديداً إثر الأزمة العالمية في العام 2008، أصبحنا نتناول بين الفترة والأخرى، مقالات حول أهمية الإندماجات المصرفية، كونها أحد الدروس التي عزّزت الأزمة من ضرورة الإستفادة منها، حيث تركّز حديثنا آنذاك على عدد من نقاط الضعف التي سجلتها البنوك التي شهدت إنهيارات أو خسائر فادحة، مثل ضعف رؤوس الأموال وشح السيولة والمديونية المفرطة، كأسباب مباشرة لدراسة موضوع الإندماجات.
كما أنه على مدار السنوات الماضية، تعزّزت البيئة الدافعة للإندماجات، من خلال توالي صدور تشريعات بازل 3 التي فرضت على البنوك العديد من المتطلبات المتعلقة بملاءة رأس المال والسيولة وإدارة المخاطر التشغيلية، وصولاً إلى تطبيق المعيار المحاسبي الدولي (9)، وهي جميعها متطلبات تفرض تقوية رؤوس أموال البنوك، سواء من خلال الإصدارات الرأسمالية الجديدة أو الإندماجات.
إلى جانب ذلك، تسارعت خطوات التحوُّل التكنولوجي والرقمي، وبات يُمثل عنواناً عريضاً لمستقبل الخدمات المصرفية حول العالم، وهو بدوره يتطلّب إستثمارات ضخمة للغاية في الأنظمة والبشر والتقنيات والإبتكارات وغيرها، مما يدفع البنوك الصغيرة وحتى الكبيرة منها إلى التفكير في موضوع الإندماجات.
نعود إلى هذا الموضوع اليوم، لمناسبة الحديث عن توجُّه بنك البحرين الوطني وبنك البحرين والكويت للإندماج بينهما، كذلك بعد أن شهدنا عدداً من عمليات الإندماج والإستحواذ في السوق المحلية خلال السنوات الأخيرة، مما يؤكد حيوية السوق المصرفية البحرينية، وبلوغه مرحلة النضوج، ومن ثم البحث عن إعادة تموضع لضمان مواصلة النمو والتوسُّع في ظل سوق تنافسية مفتوحة محلياً، خليجياً، عربياً وعالمياً. علماً أن البحرين هي من أوائل الدول التي شهدت عمليات إندماج مصرفي، وقد جاءت إجراءات تعزيز البيئة التنظيمية والمالية للإندماج والتي إتخذها مصرف البحرين المركزي كمحفّز لهذه العمليات.
وفي ظل عمليات الإصلاح الإقتصادي والمالي الواسعة التي تشهدها المملكة، يُمكن القول، إن عمليات الإندماج والإستحواذ باتت تمثل محركاً للنمو الإقتصادي، سواء على صعيد البنوك المندمجة أو على الصعيد الإقتصادي ككل. فجميعنا يُدرك أن الإصلاحات الراهنة تقوم على توسيع دور القطاع الخاص، وتشجيع إستقطاب الإستثمارات الأجنبية، وتحفيز نمو قطاعات وأنشطة إقتصادية جديدة في مجالات الإبتكار وريادة الأعمال والمؤسسات الصغيرة. جميع هذه التوجهات الإقتصادية تفرض قيام كيانات مالية وتجارية وصناعية ضخمة تقود عمليات التحول هذه في مختلف القطاعات.
كما أن المصارف الخليجية دخلت مرحلة الإستحواذات والإندماجات بقوة خلال السنوات الماضية، وذلك بغرض تعزيز قدرتها التنافسية في الأسواق العالمية، وزيادة الإنفاق في التحوُّل التكنولوجي، وخفض التكلفة وتقليل المخاطر المالية والتجارية، والوصول إلى أسواق جديدة. كما تعكس هذه العمليات الحجم الحقيقي للإقتصادات الخليجية التي أصبحت بعض شركاتها بأحجام عالمية. لذلك يُتوقع أن تشهد دول المنطقة مزيداً من صفقات الدمج والإستحواذ لتشمل قطاعات أخرى مثل الصناعة والزراعة والخدمات العامة.
وتُحفّز عمليات الإندماج والإستحواذ المصرفية في ظل هذه التحوّلات عوامل كثيرة على سبيل المثال، خلق تكامل في نقاط القوة، والتخلُّص من نقاط الضعف في الكيانات المصرفية المندمجة، وتعزيز قدرتها على تمويل مشاريع التنمية الكبيرة والتوسع في الخدمات المصرفية الرقمية، كذلك قدرتها على التوسع في تمويل المشاريع الخضراء والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. أما في خصوص الموظفين، فهناك بإستمرار تعليمات من الجهات الحكومية والرقابية والتي تشدد على إستمرار هؤلاء الموظفين في وظائفهم وعدم تقليص عددهم.
وعلاوة على العوامل المذكورة أعلاه، تبرز أهمية عوامل أخرى، تقف وراء إندماج البنوك مثل عوامل الربحية، والسوق، والمنافسة، والتكنولوجيا. ففي حين يظل القطاع المصرفي الخليجي في حالة صحية بصورة عامة، إلاَّ أنه من دون شك، هناك ضغوط على هامش الربحية تفرض على البنوك التحوُّل إلى كيانات كبيرة قادرة على المنافسة. كما أن وجود أكثر من 100 بنك تجاري في دول الخليج تُلبي إحتياجات سكان يبلغ عددهم 55 مليون شخص في المنطقة، حيث يُعتبر عدداً كبيراً للغاية بالمقارنة مع حجم السكان. أما عنصر التكنولوجيا، فكما ذكرنا سابقا، تُواجه البنوك في الوقت الحالي العديد من الإضطرابات الرقمية التي تفرض عليها توظيف إستثمارات ضخمة قد لا تستطيع توفيرها إلاّ من خلال الإندماج.