الحرارة السياسية تعقّد قرارات محافظي البنوك المركزية خفض الفائدة
(الشرق الاوسط)-11/06/2024
يعمل تصاعد الحرارة السياسية على تعقيد قرارات أسعار الفائدة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، حيث تدرس المصارف المركزية ما إذا كانت ستخفض تكاليف الاقتراض بينما يستعد الناخبون للذهاب إلى صناديق الاقتراع.
وقال مسؤولون واقتصاديون سابقون إن «بنك إنجلترا» و«بنك الاحتياطي الفيدرالي» الأميركي يريدان تجنب أي تصور بأنهما يخفضان أسعار الفائدة لمساعدة الحكومات الحالية، مما يزيد من احتمالية انحرافهما عن التحركات التي اقتربت كثيراً من يوم الاقتراع، وفق صحيفة «فاينانشيال تايمز».
الوضع صعب بشكل خاص بالنسبة إلى «بنك إنجلترا»؛ وفقاً لصانعي السياسة النقدية السابقين، نظراً إلى أن اجتماعه المقبل يعقد قبل أسبوعين فقط من الانتخابات العامة في 4 يوليو (تموز) المقبل. وأشار المحافظ آندرو بيلي إلى أن خفض سعر الفائدة قريب.
وقال تشارلز غودهارت، العضو السابق في لجنة السياسة النقدية في «بنك إنجلترا»: «المصارف المركزية لا تريد أن تبدو كأنها تمارس السياسة على الإطلاق، لذا فإن أسهل شيء هو عدم فعل أي شيء… لكن إذا لم تحرك أسعار الفائدة هذا الشهر، فيمكن فعل ذلك في الشهر المقبل».
بعد رفع أسعار الفائدة إلى أعلى مستوياتها منذ سنوات عدة في الاستجابة لأسوأ ارتفاع للتضخم منذ جيل كامل، أصبحت المصارف المركزية الغربية الآن تحت ضغط شديد لعكس الاتجاه. و«بنك كندا» و«البنك المركزي الأوروبي» من بين البنوك التي اتخذت بالفعل خطوتها الأولى نحو سياسة نقدية أكثر مرونة، فقد نفذت أول تخفيضاتها الأسبوع الماضي.
لكن «بنك الاحتياطي الفيدرالي» و«بنك إنجلترا» يتخلفان عن الركب في الوقت الذي يدرسان فيه تأثيرات تضخم الخدمات الثابتة.
وفي الولايات المتحدة، يواجه «بنك الاحتياطي الفيدرالي» حملة انتخابية أطول كثيراً من تلك التي تواجهها العملية المتسارعة في المملكة المتحدة. ولا تزال الأسواق تتوقع أن يخفض «الاحتياطي الفيدرالي» أسعار الفائدة في منتصف سبتمبر (أيلول) المقبل، وهو موعد اجتماعه الأخير قبل الانتخابات الرئاسية في 5 نوفمبر (تشرين الثاني)، على الرغم من تقرير الوظائف القوي يوم الجمعة.
لكن البعض يعتقد أن هذا قد يكون صعباً على صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة. وقال آدم بوسن، مدير «معهد بيترسون للاقتصاد الدولي» والعضو السابق في لجنة السياسة النقدية، إن الاقتصاد الأميركي القوي يعني أنه من غير المرجح أن يضع «الاحتياطي الفيدرالي» نفسه في دائرة الضوء من خلال خفض أسعار الفائدة قبل الانتخابات.
وأضاف: «لا يمكن لـ(بنك الاحتياطي الفيدرالي) أن يضع نفسه في حالة تعليق إلى أجل غير مسمى، وينبغي له ألا يشير إلى أنه سيظل معلقاً». لكنه أضاف أن تخفيضات أسعار الفائدة غير محتملة حتى سبتمبر المقبل، و«إذا سمحت البيانات بذلك، فسيحاولون جاهدين تحاشي فعل أي شيء حتى نوفمبر» المقبل.
وبينما يواجه الرئيس الأميركي جو بايدن ضغوطاً سياسية من بعض الديمقراطيين، فقد كان هو ووزيرة خزانته، رئيسة «بنك الاحتياطي الفيدرالي» السابقة، جانيت يلين، عازمَين على أنهما لا يريدان المساس باستقلال البنك المركزي.
ويمكن لهذه البيانات أن تشتري الوقت لـ«بنك الاحتياطي الفيدرالي». ولا يزال تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي، عند 2.7 في المائة، أعلى بكثير من هدفه البالغ اثنين في المائة. فيما سوق العمل تتباطأ أكثر مما كان متوقعاً.
وقال إسوار براساد، الأستاذ في جامعة كورنيل، إن أرقام الوظائف في مايو (أيار) الماضي تستبعد بشكل شبه مؤكد خفض الوظائف في يوليو المقبل.
وأضاف: «إن أي إجراء من جانب (بنك الاحتياطي الفيدرالي)، الذي يبدو غير مرجح في الصيف، قد يجري دفعه الآن بشكل غير مريح بالقرب من انتخابات نوفمبر. الجمع بين التوظيف القوي ونمو الأجور، جنباً إلى جنب مع الضغوط التضخمية المستمرة، يسلط الضوء على زخم النمو المستدام».
لقد أجل «بنك الاحتياطي الفيدرالي» بالفعل اجتماعه في شهر نوفمبر بحيث يعقد بعد الانتخابات. وحدثت هذه الفجوة أيضاً في عام 2020.
ومع ذلك، يرى آخرون أن «بنك الاحتياطي الفيدرالي» من غير المرجح أن يسمح لتوقيت الانتخابات العامة بلعب دور. وقال نائب رئيس «بنك الاحتياطي الفيدرالي» السابق، دونالد كوهن، إن رئيس «الاحتياطي الفيدرالي»، جيروم باول، «كان واضحاً للغاية في أن قراراتهم ليست مدفوعة بالسياسة؛ بل بالاقتصاد. أنا واثق بأنه سيلتزم بذلك».
وأضاف: «لذلك؛ إذا وصلنا إلى سبتمبر وضعفت سوق العمل وظل التضخم منخفضاً، فلا أرى سبباً لعدم خفض أسعار الفائدة».
وفي المملكة المتحدة، قال سوشيل وادواني، وهو عضو سابق آخر في لجنة السياسة النقدية، إنه لا يوجد سبب من حيث المبدأ يمنع «بنك إنجلترا» من التحرك قبل الانتخابات. لقد صوّت لخفض أسعار الفائدة قبل يوم واحد فقط من الانتخابات العامة في يونيو (حزيران) 2001، على الرغم من أن الأغلبية اختارت إبقاءها معلقة. لكنه أضاف: «الوضع الحالي أكثر صعوبة بالنسبة إلى البنك؛ لأنهم (السياسيون) كانوا يتحدثون أكثر (عن أسعار الفائدة)».
وقال بيلي الشهر الماضي إن أعضاء لجنة السياسة النقدية «لا يناقشون السياسة مطلقاً» في اجتماعاتهم، و«مهمتنا هي اتخاذ قرارات تتفق مع اختصاصاتنا».
لكن رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، أشار الشهر الماضي إلى أن التصويت لمصلحة حزب المحافظين بدلاً من حزب العمال المعارض سيكون بمثابة تصويت لمصلحة تكاليف اقتراض أرخص، في تدخل بدا متجاهلاً استقلال «بنك إنجلترا».
وقال مارتن ويل، عضو لجنة السياسة النقدية من 2010 إلى 2016: «كانت هذه الحكومة الأخيرة أكثر استعداداً لتقديم وجهات نظر حول السياسة النقدية مقارنة بالحكومات السابقة؛ لا يبدو أنها تفهم حقاً مفهوم الاستقلال التشغيلي. لو كنت عضواً في لجنة السياسة النقدية؛ فأعتقد أنني كنت سأحتاج إلى سبب وجيه بشكل خاص لإجراء تغيير قبل وقت قصير من الانتخابات العامة».
وكانت أرقام التضخم في المملكة المتحدة لشهر أبريل (نيسان) الماضي أقوى من المتوقع، في حين انخفض نمو مؤشر أسعار المستهلكين في قطاع الخدمات بشكل هامشي فقط إلى 5.9 في المائة؛ وهو أعلى بكثير من مستوى 5.5 في المائة الذي توقعه «بنك إنجلترا».
ولكن إذا أظهرت أرقام التضخم لشهر مايو الماضي، التي من المقرر نشرها في 19 يونيو الحالي، تراجعاً ملحوظاً في أسعار المستهلكين، فإن الحجة المؤيدة لخفض فوري لسعر الفائدة من 5.25 في المائة في الاجتماع التالي لـ«بنك إنجلترا» قد تتفوق على أي حسابات سياسية.