السياسة تفرض ضغوطها القوية على قرارات البنوك المركزية بشأن الفائدة
(البيان)-12/06/2024
تعقّد الضغوط السياسية عملية اتخاذ قرارات بشأن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة أو بريطانيا، حيث تدرس البنوك المركزية ما إذا كانت ستخفض تكاليف الاقتراض في حين يستعد الناخبون للتوجه إلى صناديق الاقتراع.
ويرغب بنك إنجلترا والاحتياطي الفيدرالي في تفادي أي تصور بأنهما سيخفضان الفائدة لمساعدة الحكومات الحالية، وفق ما يؤكده مسؤولون سابقون وخبراء اقتصاد، ما يزيد احتمال ابتعادهما عن هذه الخطوة، خاصة مع الاقتراب الشديد من يوم الاقتراع.
والوضع صعب بشكل خاص بالنسبة لبنك إنجلترا، بالنظر إلى أن اجتماع البنك المقبل سيكون قبل أسبوعين من الانتخابات العامة المقررة في يوليو، رغم أن محافظ المركزي البريطاني كان قد أشار إلى أن خفض سعر الفائدة قريب.
وقال تشارلز غودهارت، العضو السابق في لجنة السياسة النقدية بمصرف إنجلترا: «لا ترغب المصارف المركزية في أن تبدو وكأنها تمارس السياسة على الإطلاق؛ لذا فإن عدم فعلها شيئاً هو أسهل الخيارات، إذ إنه بمقدورك إذا لم تحرك أسعار الفائدة هذا الشهر، أن تفعل ذلك في الشهر التالي».
وبعد أن ارتفعت الفائدة لأعلى مستوياتها منذ أعوام طويلة استجابة لأسوأ زيادة للتضخم منذ جيل، تتعرض البنوك المركزية الغربية حالياً إلى ضغوط جمة لتعكس مسارها. ويعد المركزيان الكندي والأوروبي من المصارف التي اتخذت خطواتها الأولى لتيسير السياسة النقدية، حيث أقرا تخفيضاتهما الأولى الأسبوع الماضي. أما الفيدرالي الأمريكي ومصرف إنجلترا فيتأخران عن الركب، حيث لا يزالان يدرسان تداعيات عدم مرونة التضخم في قطاع الخدمات.
وفي الولايات المتحدة، يواجه الاحتياطي الفيدرالي عملية انتخابية أكثر طولاً مقارنة بالعملية المتسارعة التي تشهدها المملكة المتحدة. وما زالت الأسواق تتوقع تقليص الفيدرالي للفائدة منتصف سبتمبر المقبل، خلال الاجتماع الأخير قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في الخامس من نوفمبر، رغم قوة تقرير الوظائف الصادر الجمعة الماضية.
ويرى البعض صعوبة في الأمر على صانعي السياسة الأمريكيين. وبالنسبة لآدم بوزن، مدير معهد «بيترسون» للاقتصاد الدولي والعضو السابق في لجنة السياسة النقدية، فإن قوة الاقتصاد الأمريكي تعني أن الفيدرالي لن يضع نفسه تحت بؤرة الضوء بخفض الفائدة قبل الانتخابات. وقال: «ليس بمقدور الفيدرالي الإحجام عن خفض الفائدة لأجل غير مسمى، ولا يجب عليه بيان أنه سيواصل تثبيتها». وتابع أن خفض الفائدة غير مرجح حتى سبتمبر. وهم سيحاولون ألا يفعلوا أي شيء حتى نوفمبر إذا سمحت لهم البيانات بذلك.
وفي حين واجه الرئيس الأمريكي جو بايدن ضغوطاً سياسية من بعض أعضاء الحزب الديمقراطي، لكنه ومعه جانيت يلين، وزيرة الخزانة والرئيسة السابقة للفيدرالي، كانا حاسمين بشأن عدم رغبتهما في المساس باستقلالية المصرف المركزي. ويمكن للبيانات أن تعطي الفيدرالي بعض الوقت، حيث يظل تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي، البالغ 2.7%، أعلى بكثير من مستهدف المركزي البالغ 2%، كما أن سوق العمل آخذة في التباطؤ بأكثر مما كان متوقعاً.
ويعتقد إيسوار براساد، الأستاذ لدى جامعة كورنيل، أن بيانات وظائف شهر مايو جعلت تخفيض الفائدة في يوليو أمراً مستبعداً بصورة شبه مؤكدة، وقال: «أي تحرك للفيدرالي، والذي يبدو مستبعداً في الصيف، قد يتم تأجيله إلى قرب انتخابات نوفمبر». وأضاف: «مزيج قوة التوظيف ونمو الأجور بالاقتران مع استمرار ضغوط التضخم يسلط الضوء على استدامة زخم النمو».
وأرجأ الفيدرالي بالفعل اجتماعه في نوفمبر، بحيث ينعقد بعد الانتخابات، وهو ما حدث من قبل في 2020. واستبعد آخرون سماح الفيدرالي لتوقيت الانتخابات العامة بلعب دور في القرارات. وقال دونالد كون، نائب الرئيس الأسبق للفيدرالي، إن جيروم باول «كان واضحاً جداً في أن قرارات الفيدرالي لن تكون مدفوعة بالسياسة، وإنما بالاقتصاد. أنا واثق أنه سيلتزم بذلك». وتابع: «لا أرى سبباً لعدم خفض الفائدة، إذا بلغنا سبتمبر، وقد تراخت سوق العمل وظل التضخم منخفضاً».
وبالنسبة للمملكة المتحدة، أفاد سوشيل وادواني، وهو أيضاً عضو سابق في لجنة السياسة النقدية، بأنه لا يرى سبباً من حيث المبدأ يحول دون اتخاذ مصرف إنجلترا للقرار قبل الانتخابات. وصوّت وادواني لصالح خفض الفائدة قبل يوم من الانتخابات العامة في 2001، لكن الأغلبية قررت تثبيتها. وأضاف: «المنعطف الذي يمر به المصرف حالياً أكثر صعوبة، بسبب ازدياد حديث الساسة عن الفائدة».
صرح أندرو بيلي، محافظ مصرف إنجلترا خلال الشهر الماضي، بأن أعضاء لجنة السياسة النقدية «لا يناقشون المسائل السياسية أبداً في اجتماعاتهم». وأفاد: «تتعلق مهمتنا باتخاذ قرارات تتفق واختصاصاتنا»، ومع ذلك، قال ريشي سوناك، رئيس الوزراء في الشهر الماضي، إن التصويت لحزب المحافظين لا لحزب العمال المعارض سيكون بمثابة تصويت لصالح تكاليف اقتراض أقل، في تدخل بدا وكأنه يضرب باستقلالية مصرف إنجلترا عرض الحائط.
وقال مارتن ويل، العضو السابق في لجنة السياسة النقدية بين عامي 2010 و2016: «كانت هذه الحكومة أكثر استعداداً لإعلان وجهات نظر بشأن السياسة النقدية مقارنة بالحكومات السابقة، ولا يبدو أنها مدركة لمبدأ الاستقلال الوظيفي». وأسهب: «إذا كنت عضواً في لجنة السياسة النقدية، فأعتقد أنني كنت سأحتاج إلى سبب وجيه بشكل خاص لإجراء تغيير على السياسة قبل وقت وجيز من الانتخابات العامة».
وفاقت أرقام التضخم لشهر أبريل التوقعات، بينما تراجع نمو مؤشر أسعار المستهلكين للخدمات بشكل هامشي إلى 5.9%، ما يتخطى كثيراً نسبة 5.5% التي توقعها مصرف انجلترا، لكن إذا أظهرت بيانات التضخم لشهر مايو، التي ستنشر في 19 يونيو، انخفاضاً ملحوظاً لأسعار المستهلكين، فإن قضية خفض سعر الفائدة الفوري من 5.25% في الاجتماع التالي لبنك إنجلترا قد تتفوق على أي اعتبارات سياسية. وقال وادواني: «لا أعتقد في قدرة أحد على الاعتراض على خفض الفائدة إذا كانت البيانات المقرر صدورها في 19 يونيو مقنعة بما يكفي».