(الدستور)-24/09/2024
“نحلم ونحقق”.. هذا هو الشعار الذي ترفعه المملكة العربية السعودية في يومها الوطني 94. فقد كانت “رؤية السعودية 2030” حلماً رفده الطموح، حتى تحقق في رحلة حافلة بالتطور والإنجازات، فتحولت بها السعودية إلى قوة اقتصادية إقليمية وعالمية.
حين أطلقت “رؤية السعودية 2030” في عام 2016، كان الحلم قيادة المملكة نحو مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة، وقبل 6 أعوام من الموعد المحدد في الرؤية، أي عام 2030، حققت السعودية قفزة كبيرة بإنجازها أكثر من 70% من أهداف الرؤية، رافعة المملكة إلى مصاف الدول المؤثرة في الاقتصاد الدولي، بعيداً عن مكانتها النفطية.
نمو غير مسبوق
منذ إطلاق رؤية 2030، شهد الاقتصاد السعودي قفزات نوعية. ففي عام 2022، صار الأسرع نمواً في مجموعة العشرين، مسجلاً إنجازاً تاريخياً يعكس نجاح الجهود المبذولة لتنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على النفط. ارتفع عدد الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل ملحوظ، ما ساهم في تحفيز النمو الاقتصادي وتوفير فرص عمل جديدة.
اليوم، يواصل الاقتصاد السعودي نموه بقوة، فتشير التقديرات الأولية إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي غير النفطي بنسبة 4.4% في الربع الثاني من عام 2024. كما ساهم القطاع الثقافي في نمو الاقتصاد السعودي بنسبة تجاوزت 20% فوصلت مساهمته إلى 35 مليار ريال (9,3 مليارات دولار تقريباً)، أي ما يعادل 1.49% من الناتج المحلي.
يقول الخبير الاقتصادي المصري الدكتور بلال شعيب لـ”النهار” إن “الاقتصاد السعودي كان يعتمد على محورين رئيسيين في الدخل: خدمات الحجاج وتصدير النفط. اليوم، تركز السعودية على 4 قطاعات رئيسية: التعدين والطاقة والصناعة والخدمات اللوجستية”.
في قطاع الصناعة، تعد المملكة الدولة الوحيدة في المنطقة التي افتتحت أول مصنع للسيارات الكهربائية، وكان ذلك في نهاية عام 2023. من جهة أخرى، ملف التصدير مهم جداً، “حيث وصلت الصادرات غير النفطية إلى أعلى مستوياتها، محققة نحو 277 مليار ريال سعودي (74 مليار دولار تقريباً)”، كما يقول شعيب.
أحد البرامج الرئيسية المعتمدة لتحقيق الرؤية هو “صندوق الاستثمارات العامة”، بحسب شعيب، “فهو الذي أُسس لإقامة عدد من الشركات المهمة كشركة “طيران الرياض” والتي لها تأثير كبير في مجال النقل والسياحة، وبالتالي تعزيز أداء الاقتصاد”.
من جهتها، تساهم الأنشطة غير النفطية بنحو 50% من الناتج المحلي الإجمالي، وبـ 35% من ميزانية الدولة السعودية.
تدفق الاستثمارات الأجنبية
حتى نهاية 2023، بلغ إجمالي رصيد الاستثمارات الأجنبية في السعودية (استثمار مباشر وغير مباشر) نحو 642,1 مليار دولار. ويعكس هذا النمو الاستثماري بيئة الأعمال الجاذبة التي أوجدتها الإصلاحات التنظيمية والتي فاقت 700 قرار إصلاحي خلال السنوات القليلة الماضية. وكان ضرورياً وضع برامج تعتمد على التمويل والاستدامة المالية.
في هذا السياق، يشرح شعيب: “شملت رؤية المملكة برنامجين رئيسيين بدأنا نرى آثارهما الاقتصادية أخيراً. الأول، برنامج الاستدامة المالية الذي يهدف إلى جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة. وقد نجحت المملكة في جذب استثمارات عربية وأجنبية من خلال تقديم مزايا متنوعة، أولها توسيع دور القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية، وإتاحة الفرص له بشكل متساوٍ مع القطاع العام، إضافة إلى تقديم الأراضي الصناعية بحق الانتفاع وخفض تكلفة التمويل في السعودية مقارنة بالوجهات الاقتصادية الأخرى”.
أما البرنامج الثاني فهو، بحسب الخبير نفسه، “برنامج تطوير القطاع المالي الذي يركز على 3 محاور رئيسية: الادخار والتمويل والاستثمار. يعزز هذا البرنامج دور المؤسسات المالية والبنوك بالسعودية في توفير تمويل ميسر ومنخفض التكلفة للمستثمرين، ما يسهم في إنشاء شركات جديدة لتوطين الصناعات المحلية، مثل صناعة السيارات”.
ولتسهيل مهمة القطاع الخاص وتطوير الصناعة، أطلقت المملكة منصة إلكترونية مخصصة لهذا القطاع، تهتم بشكل كبير بالفرص الاستثمارية المتاحة، وتعمل على تسهيل البحث عن تلك الفرص والاستفادة من الموارد الاقتصادية المتوافرة والتسهيلات المقدمة للمستثمرين. يساهم هذا النظام في تعزيز ودفع عجلة الاستثمار بشكل كبير، سواء للمستثمرين المحليين أو الأجانب الذين يرغبون في دخول السوق السعودي.
وفي إطار تسهيل الإجراءات، كان ضرورياً تطوير قطاع الخدمات اللوجستية، ويأتي تطوير ميناء جدة مثالاً بارزاً على ذلك. بعد تنظيمه وربطه بالمصانع عبر منظومة إلكترونية متكاملة في ظل التحول الرقمي، ساهم هذا الميناء في تسريع وتيرة النمو الاقتصادي بالمملكة.
المرأة أكثر من نصف المجتمع
أحد أبرز أهداف “رؤية السعودية 2030” كان تعزيز دور المواطنين في الاقتصاد الوطني. فقد نجحت المملكة في رفع عدد المواطنين العاملين في القطاع الخاص إلى 11,57 مليون عامل خلال آب (أغسطس) 2024. كما شهدت نسبة مشاركة المرأة في القوى العاملة ارتفاعاً كبيراً، لتصل إلى 35.3% في عام 2023، متجاوزة بذلك النسب المستهدفة في الرؤية قبل عام 2030، ما يعكس التزام المملكة دعم المرأة وتمكينها من المشاركة الفاعلة في سوق العمل.
إلى ذلك، تصدرت السعودية دول العالم العربي، كأفضل مكان تعيش فيه النساء، فحسب التصنيف الجديد الذي أصدرته مجلة “CEOWORLD” الأميركية، معتمدة على عناصر المساواة في الحقوق والاندماج الاجتماعي وشعور النساء بالأمان المجتمعي، وهي عناصر شملتها سلسلة تشريعات وقوانين سنتها القيادة السعودية في الأعوام الثلاثة الماضية.
وأكد أحمد الراجحي، وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في السعودية، خلال مشاركته في فعاليات ملتقى الميزانية 2024، زيادة مستهدفات المملكة لمشاركة المرأة من المستهدف الأساسي 30% إلى مستهدف جديد وهو 40%، “بسبب زيادة النسبة المحققة لمشاركة المرأة منذ انطلاق ’رؤية السعودية 2030‘ من 17 إلى 35%”. فقد شهدت ريادة الأعمال النسائية طفرة كبيرة، فمع تمكينها من تأسيس أعمالها وإدارتها بشكل مستقل، تستحوذ المرأة السعودية اليوم على 40% من الشركات الناشئة الصغيرة والمتوسطة في البلاد.
أمان اجتماعي
في مقارنة سريعة بين معدل البطالة في عام 2016، قبل إطلاق رؤية المملكة، والوقت الحالي، نجد أن مؤشر البطالة كان نحو 12.3% في عام 2016، بينما انخفض الآن إلى نحو 7.7% بنهاية عام 2023، ومتوقع أن ينخفض إلى أقل من 7% بحلول نهاية عام 2024، وقد يصل إلى نحو 6 أو 6.5%.
يقول شعيب: “زيادة معدلات التشغيل تعني زيادة الإنتاج، وكلما زاد الإنتاج انخفضت معدلات التضخم. وقد انخفض معدل التضخم في المملكة العربية السعودية إلى 1.6%، في أدنى مستوى بين اقتصادات مجموعة العشرين. ومقارنةً بنحو 3.1% في العام السابق، يعكس هذا الانخفاض قدرة المملكة على زيادة الإنتاج وتعزيز معدلات التشغيل، ما يساهم في توفر المنتجات في السوق المحلي، ما يؤمن الأمان الاجتماعي”.
واليوم، نجد أن نحو 63.7% من الأسر في المملكة تمتلك وحدات سكنية، وهذه النسبة تُعد من أعلى النسب مقارنة بأكبر اقتصادات الدول المتقدمة، ما يشير إلى مزيد من الرفاهية.
وبذلك، تُعد هذه المؤشرات علامة إيجابية على كفاءة الأداء الاقتصادي بفضل “رؤية السعودية 2030” وتنفيذها الفعلي على أرض الواقع.