تحوّل البنوك التقليدية إلى المصرفية الإسلامية
(القبس)-24/06/2024
*د. فاطمة الشريعان
مما لاشك فيه أن المنافسة بين البنوك التقليدية والبنوك الإسلامية أخذت بالتلاشي، وخصوصاً بعد ثبوت استقرار الأخيرة ومتانتها، لاسيما في أزمة 2008، فكان لذلك الدور البالغ في التوجه العالمي نحو البحث عن ماهية البنوك الإسلامية وطرق التمويل الإسلامي.
ومن جانب آخر، حازت هذه البنوك ثقة العملاء بالمصرفيات الإسلامية، وبدأ الإقبال عليها، والذي يبرهنه أيضاً حرصهم على تجنب التعامل مع الفوائد المصرفية القائمة على فكرة الربا المحرم في الشريعة الإسلامية.
وتحت هذا المنوال من الضروري توضيح مفهوم البنك، ويمكن احتواؤه بفكرة «المؤسسة المالية التي تقوم على قبول الودائع (من المودعين بفائدة)، ومن ثم منح القروض (للمقترضين بفائدة)»، وعليه يكمن ربح هذه المؤسسة البنكية من الفرق بين الفائدتين، وتتم جميع عمليات البنوك تحت مظلة البنك المركزي، فهو الذي ينظم العمليات المصرفية، ويحدد أسعار الفوائد ويراقب أعمال البنوك المصرفية.
وبما أن الفقه الإسلامي توجّه إلى الابتعاد عن فكرة الفائدة البنكية، التي هي الزيادة على رأس المال مقابل أجل، فقد اجتهد الفقهاء في إيجاد حلول تمويلية إسلامية أكثر ثباتاً واستقراراً، وأهمها ثبات أصل الدين، متوصلين إلى أدوات عدة، ومنها المرابحة والتورق والإجارة والاستصناع وعقد السلم وغيرها، وتتنوع هذه الأدوات على حسب طبيعة الغرض من التمويل وقيمته، وعليه فقد ظهرت فكرة متكاملة للبنك المصرفي الإسلامي، الذي يقوم مقام البنك التقليدي من خلال قبول ودائع ومنح قروض، ولكن تحت مظلة المرابحة.
المصرفيات الإسلامية
وبنظرة تاريخية موجزة للكويت، يمكن القول إن الأصل العام كان محصوراً على تأسيس البنوك التقليدية، إلا أنه في عام 1977 أُسست أول مؤسسة مصرفية إسلامية، وهو بيت التمويل الكويتي، وتوالت من بعده البنوك الإسلامية بالتأسيس، وتُرجِم ذلك بزيادة إقبال العميل الكويتي وثقته بالمصرفيات الإسلامية، وحرص العميل على البعد عن الربا المحرم، إلى أن وصل الحال أن بدأت البنوك التقليدية بالتحول إلى بنوك إسلامية، وآخرها دراسة جدوى بنك الخليج.
إلا أن مسألة التحوّل في حقيقة الأمر، وهي انتقال عناصر البنك كاملاً من الوضع التقليدي إلى الوضع الإسلامي، ليست بالأمر الهين، لا سيما التحول الكلي. وبشكل عام، فإن التحول قد يكون كلياً أو جزئياً، وفي الكويت يتطلب الأمر أن يكون التحول كلياً، لأن قانون البنك المركزي الكويتي لا يسمح بالجمع بين المصرفيات الإسلامية والتقليدية في بنك واحد، وعليه يجب أن يكون التحول كاملاً، وكانت التجربة الأولى للتحول من بنك تقليدي إلى إسلامي هو بنك الكويت الدولي، والذي استغرق تحوله الكامل سنوات عدة.
تحديات عدة
والتحول الكلي يقتضي تحديات عدة، ولا يمكن أن تتم إلا تدريجياً، وعلى رأس الهرم موافقة البنك المركزي على طلب التحول، وعمل دراسة جدوى للتحويل، ويتبع ذلك تعيين هيئة رقابة شرعية إسلامية، وتعديل الهيكل التنظيمي للبنك، وإنشاء إدارات للمرابحة، وتعديل النظام الأساسي للبنك، وتدريب الموظفين على المصرفيات الإسلامية، ولا تغيب عن الأمر موافقة الجمعية العامة للمساهمين في البنك.
ومن بعض المعوقات الرئيسية، التي تطيل عملية التحول الكلي، هو مدى سريان العقود المستمرة من قروض أو ودائع ربوية، ومدى قبول أو رفض العملاء واستمراريتهم بعد قرار التحول، فيمكن للعميل أن يرفض الاستمرار بالبنك بعد التحول، ويلجأ الى بنك تقليدي آخر، ولكن على الأغلب العميل الكويتي يطبق مقولة «حطها براس عالم واطلع منها سالم».
وفي ختام الحديث، نجد أنه حان الأوان لوضع تنظيم قانوني متكامل يسعف البنوك التقليدية في حال رغبتها بالتحول، وتحديد الخطوات القانونية والإجراءات المتطلّبة بشكل واضح ومحدد مسبقاً في هذا الشأن.