المصارف الإسلامية دخلت عصر الرقمنة ما المطلوب لتغيير قواعد السوق؟
تُعدُّ المصارف الإسلامية ركيزة إقتصادية مهمة، وأداة أساسية لإقتصادات الدول، بإعتبارها ذات أثر إيجابي من خلال إستقطاب وتوظيف الأموال، ودفع عملية الإستثمار. وترجع أهمية وجود المصارف الإسلامية إلى تلبية رغبة المجتمع في إيجاد قنوات للتعامل المصرفي بعيداً عن إستخدام أسعار الفائدة، وإيجاد مجال لتطبيق فقه المعاملات الشرعية في الأنشطة المصرفية.
ولا يختلف إثنان، أن المصارف الإسلامية، قد نجحت في إثبات وجودها وتقديم الرؤية الإسلامية للمعاملات المالية والإقتصادية، ليس داخل البلاد الإسلامية فحسب، بل في معظم أنحاء العالم، وقد تجلّى هذا النجاح في زيادة عدد المؤسسات المالية الإسلامية وتلك المهتمة بالنظام المالي الإسلامي، وتصاعد حجم التمويل الإسلامي.
وليس سراً، أن قطاع المصارف الإسلامية العالمي، سيصل إلى 4 تريليونات دولار في حلول العام 2026 وفق آخر الدراسات. علماً أن دول مجلس التعاون الخليجي تلعب دوراً محورياً في هذا المجال، إذ تُسيطر على نحو 43% من أصول المصارف الإسلامية العالمية.
كما تبرز التكنولوجيا المالية الإسلامية كقوة، حيث تشهد نمواً كبيراً، وتشير التوقعات إلى معدل نمو سنوي قدره 18%. ومن المحتمل أن يصل النمو السنوي لهذه التكنولوجيا إلى 179 مليار دولار في حلول العام 2026. ومن بين اللاعبين الرئيسيين في هذا المجال، المملكة العربية السعودية وإيران وتركيا والإمارات العربية المتحدة وماليزيا وإندونيسيا وباكستان. علماً أن إندونيسيا تتصدّر قائمة شركات التكنولوجيا المالية الإسلامية.
وتركّز المصارف الإسلامية جهودها على خدمات الدفع والمصارف الرقمية والعقود الذكية، وتقنية «بلوكشين» – (blockchain) والعملات المشفّرة، بالإضافة إلى أمن معلومات القطاع المالي وتكنولوجيا التأمين.
وتبرز آسيا كلاعب أساسي في قطاع المصارف الإسلامية، حيث تستضيف 42 من أفضل 100 مصرف إسلامي على مستوى العالم. وتمثل 29% من إجمالي أصولها، وهذا يؤكد الطبيعة الديناميكية والمتنوّعة للمشهد المصرفي الإسلامي في مختلف مناطق العالم.
ويتأثر الطلب المتزايد على خدمات المصارف الإسلامية بعوامل متعددة، ويعدّ نمو السكان المسلمين ورقمنة الإقتصاد الإسلامي، وإرتفاع الطلب العالمي على المنتجات الحلال من بين العوامل الأكثر تأثيراً. ومن جانب العرض، فإن التوسُّع في خدمات المصارف الإسلامية يتشكل من خلال الإستراتيجيات الوطنية والقرارات الحكومية، إضافة إلى عامل رئيسي آخر، وهو تعزيز الأنشطة التجارية داخل منظمة التعاون الإسلامي.
في المحصّلة، حقّقت صناعة الصيرفة الإسلامية نمواً كبيراً خلال السنوات الماضية، وإذا كان العديد من المصارف الإسلامية لا يزال يتطلّع إلى التوسُّع إقليمياً، وتحقيق المزيد من الإيرادات من خارج الأسواق المحلية، فإن هذه الصناعة تُواجه الكثير من التحدّيات، لعلّ من أهمها التحول التكنولوجي، رغم أن دولاً عدة قد تجاوزت هذا التحدي بفضل ديناميكيتها وتنويعها الإقتصادي. من جهة أخرى، وبعد الأزمة المالية العالمية في العام 2008، إرتفعت أصوات غربية طالبت بضرورة اللجوء إلى قواعد الإقتصاد والتمويل الإسلامي، من أجل الخروج من الأزمات المالية التي تصنعها آلية سعر الفائدة كقاعدة للتمويل والمعاملات المالية. فتجارة الديون، بين البنوك والأفراد والمؤسسات والحكومات، بواسطة أموال المودعين، لم تعد صالحة للتكيُّف مع المتغيّرات الإقتصادية التي تعيشها الأوضاع المحلية أو العالمية، ومن ثم يجب أن يعود الإقتصاد إلى التعامل بشكل صحيح مع أحد أهم عوامل الإنتاج في إقتصاد السوق، وهو رأس المال.