لا جدال حول من سيكون الأفضل للاقتصاد الأميركي
(العربية)-10/07/2024
*جوزيف ستيجليتز
الواقع أن تقييم كفاءة أي رئيس في إدارة الاقتصاد يشكل دوما مهمة شديدة الصعوبة، لأن تطورات عديدة بدأت دون شك على يد الرؤساء الذين سبقوه. فقد اضطر باراك أوباما إلى التعامل مع ركود عميق لأن الإدارات السابقة لاحقت هدف إزالة القيود التنظيمية المالية وفشلت في منع وقوع الأزمة التي اندلعت في خريف 2008. ثم مع حرص الجمهوريين في الكونغرس على تقييد يدي إدارة أوباما والدعوة إلى التقشف وربط الحزام، حُرِمَت أميركا من السياسات المالية التي ربما كانت لتخرج الاقتصاد من أزمة الركود العظيم بسرعة أكبر. وبحلول الوقت الذي بدأ فيه الاقتصاد يتعافى أخيرا، كان أوباما في طريقه للخروج، وكان ترمب في طريقه إلى الدخول.
لم يتردد ترمب في نسب الفضل في النمو الذي أعقب ذلك إلى نفسه. ولكن في حين خفض هو والجمهوريون في الكونغرس الضرائب على الشركات وأصحاب المليارات، فإن الزيادة الموعودة في الاستثمار لم تتحقق قَـط. بدلا من ذلك، انطلقت موجة من عمليات إعادة شراء الأسهم، التي من المنتظر أن تتجاوز التريليون العام المقبل.
برغم أننا لا نستطيع إلقاء اللوم عن جائحة كوفيد-19 على ترمب، فمن المؤكد أنه يتحمل المسؤولية عن الاستجابة غير الكافية التي تركت الولايات المتحدة مع حصيلة وفيات أعلى كثيرا من تلك المسجلة في الاقتصادات المتقدمة الأخرى. وفي حين حصد الفيروس أرواح كبار السن بشكل غير متناسب، فقد تسبب أيضا في تقليص قوة العمل، وأسهمت هذه الخسائر في عجز العمالة والتضخم الذي ورثه بايدن.
كان سجل بايدن الاقتصادي مبهرا. ففور توليه منصبه، نجح في تأمين إقرار خطة الإنقاذ الأميركية، التي جعلت تعافي البلاد من الجائحة أقوى من تعافي أي دولة متقدمة أخرى. ثم جاء قانون البنية الأساسية الثنائي الحزبية، الذي قدم التمويل اللازم لبدء إصلاح عناصر حاسمة في الاقتصاد الأميركي بعد نصف قرن من الإهمال.
في العام التالي، أقَـرّ بايدن قانون الرقائق الإلكترونية والعلوم لعام 2022، الذي أطلق عصرا جديدا من السياسة الصناعية التي ستضمن مرونة الاقتصاد وقدرته التنافسية في المستقبل (وهذا انفصال حاد عن الهشاشة التي ميزت العصر النيوليبرالي السابق). ومع قانون خفض التضخم لعام 2022، انضمت الولايات المتحدة أخيرا إلى المجتمع الدولي في مكافحة تغير المناخ والاستثمار في تكنولوجيات المستقبل.
يعتزم ترمب الحد من الهجرة، وهذا من شأنه أن يجعل سوق العمل أشد إحكاما ويزيد من خطر نقص العمالة في بعض القطاعات. وسيزيد ترمب العجز، الذي قد تدفع تأثيراته بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الـقَـلِـق إلى رفع أسعار الفائدة، وبالتالي تقليص الاستثمار في الإسكان، ورفع الإيجارات وتكاليف الإسكان (أحد المصادر الرئيسة للتضخم اليوم) بدرجة أكبر. إضافة إلى إبطاء النمو نتيجة لتثبيط الاستثمار، فإن أسعار الفائدة الأعلى من شأنها أيضا أن تدفع سعر الصرف إلى الارتفاع، ما يجعل الصادرات الأميركية أقل قدرة على المنافسة. علاوة على ذلك، ستعاني الصادرات الأميركية من ارتفاع تكاليف المدخلات بسبب الرسوم الجمركية الأعلى، والانتقام الذي قد تستفزه.
على نحو مماثل، على الرغم من شيخوخة سكان الولايات المتحدة، فإن ترمب سيسمح بانكماش قوة العمل من خلال الحد من الهجرة. ورغم أن خبراء الاقتصاد أكدوا أهمية سيادة القانون للنمو الاقتصادي.
وعلى هذا، فإن مسألة من سيكون أفضل للاقتصاد -ترمب أو بايدن (أو أي ديمقراطي قد يحل محله، إذا انسحب)- لا تحتمل الجدال ببساطة.