رأس المال البشري والتعامل مع الذكاء الاصطناعي
(العربية)-15/07/2024
*محمد آل عباس
يعد برلمان البحر الأبيض المتوسط (PAM) منظمة دولية تم تأسيسه 2005، من قبل البرلمانات الوطنية التابعة لدول المنطقة الأورو – متوسطية، وهو يسعى لتعاون سياسي واقتصادي واجتماعي بين الدول الأعضاء من أجل إيجاد حلول مشتركة للتحديات التي تواجهها المنطقة الأورو – متوسطية، ويعمل برلمان البحر الأبيض المتوسط من خلال 3 لجان دائمة بينما تعقد الجمعية العامة مرة واحدة سنويا. ويمكنها أيضا إنشاء مجموعات عمل أو لجان مخصصة أو فرق عمل خاصة لمعالجة موضوع معين، مثل دعم السلام، والهجرة الجماعية، والتجارة الحرة والاستثمارات، وتغير المناخ، … إلخ.
وقد أطلق برلمان البحر الأبيض المتوسط النسخة الأولى لمنتدى مراكش البرلماني الاقتصادي للمنطقة الأورو – متوسطية والخليج في 2022، أي: بعد جائحة كورونا وفي وقت كان الوضع الاقتصادي أمام تحديات غير مسبوقة أفرزتها جائحة كورونا وما تبعها من ركود ومشكلات سلاسل الإمداد والأزمة الروسية الأوكرانية التي كان لها آثار عميقة في جميع القطاعات الإنتاجية والمستهلكين على المستوى العالمي بما في ذلك المنطقة الأورو – متوسطية والخليجية، وكانت قضايا الأمن الغذائي والأمن الطاقي على رأس قائمة الاهتمام، وبالأمس انطلقت أعمال النسخة الثانية من المنتدى، لمناقشة قضايا مختلفة عن تلك التي أدت لنشأة المنتدى، ذلك أن القضايا الآن تجاوزت أزمة كورونا والإمدادات وأصبحت تدور حول “ضمان إمدادات الطاقة والتحول الأخضر في المنطقة الأورو – متوسطية والخليج، والقضايا ذات صلة مثل ريادة الأعمال في عالم رقمي وتحديات الذكاء الاصطناعي. هناك من يرى أن معالجة هذه القضايا تواجه تحديات مثل ضعف التمويل للمشروعات الخضراء، وضعف الوصول للتكنولوجيا ذات الصلة وضعف المعرفة المنقولة.
هذه القضايا التي أصبحت محور النقاش العالمي، عملت عليها السعودية من قبل جائحة كورونا ودارت محاور رؤية السعودية 2030 حولها.
ففي مجالات إمدادات الطاقة، عملت السعودية منذ انهيار أسعار الطاقة 2014 وما بعده على إنشاء تحالف “أوبك بلس” وتحسين آليات القرار في منظومة دول الإنتاج، وقد استطاعت هذه المنظومة بما فيها من قواعد حوكمة تشمل لجنة المراقبة، أن تتجنب أزمة كورونا وتنسق الأدوار بطريقة تضمن سلامة الإمدادات من جانب، وأيضا تضمن استدامة الاستثمارات، وهنا تمكن مشكلة التوازن حتى في الخطاب الذي يناقش قضية إمدادات الطاقة، فالتوازن هو المعامل الأهم، لا يجوز أن تصبح قضية خفض الأسعار وارتفاعها هو محور الحديث، بل إن استدامة الاستثمارات أيضا.
ففي مجالات الطاقة الخضراء سبقت السعودية كثيرا من دول العالم من خلال إطلاق مبادرة السعودية الخضراء، كمعالجة واقعية للمشكلة، وترسيخ لقضايا البيئة محليا ودوليا، وقد تم تحديد يوم 27 مارس من كل عام يوما رسميا لـ”مبادرة السعودية الخضراء” كما أن مبادرات جودة الحياة ومبادرات حماية البيئة والمحميات الملكية كلها تسير في النهج نفسه لدفع عجلة الابتكار المستدام بما يعود بالنفع على الأجيال القادمة، كما أن هناك عملا مثمرا في مسار الاقتصاد الدائري بكل تطبيقاته، واقتصاد الطاقة النظيفة بما شمله ذلك من توسع في الطاقة الشمسية، والرياح. كذلك فإن رؤية السعودية 2030 قد أخذت على عاتقها تطوير القطاع الخاص في جانبه المتعلق بالمنشآت الصغيرة والمتوسطة وتعزيز الابتكار وهناك اليوم هيئات مثل منشآت وبنكها، كذلك هيئة الحماية الفكرية، وغيرها. وإذا كانت قضية الذكاء الاصطناعي تؤرق الجميع فإن السعودية تعمل على التعامل مع هذه المرحلة من خلال هيئة الذكاء الاصطناعي، كما تم تعزيز المسارات نحو الاقتصاد الرقمي الذي توظف هذه التقنيات ببراعة اليوم.
لا تزال هناك قضايا بينية عالمية تحتاج إلى مناقشة مثل تنمية رأس المال البشري إذ لا يمكن تحقيق تقدم ملموس في القضايا التي تهم العالم أجمع اليوم دون تطوير مهم في رأس المال البشري حتى يمكن التعامل مع هذه القضايا، ذلك أن رأس المال البشري الذي لديه الوعي الكامل بهذه القضايا البيئية وقضايا الطاقة، هو القادر على التعامل مع الذكاء الاصطناعي بما يضمن توجيهه نحو الإسهام في تطوير أدواتنا.