السياحة في السعودية… قطاع ينمو بخطى ثابتة لتحقيق رؤية 2030
(النهار)-23/07/2024
تحرص المملكة العربية السعودية على تعزيز دور السياحة لتكون أحد محركات النمو الاقتصادي، وذلك في إطار مساعيها للتنويع وتقليل اعتماد اقتصاداتها على النفط. وشهد القطاع السياحي السعودي تطوراً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، يأتي هذا في إطار رؤية المملكة 2030، التي تهدف إلى جعل السعودية وجهة سياحية رئيسية على مستوى العالم.
وإلى ذلك، تتجه السعودية نحو تحقيق رقم قياسي جديد في معدلات إنفاق السياح الأجانب، إذ زادت قيمته خلال النصف الأول من السنة الجارية عن 90 مليار ريال، بحسب تصريح وزير السياحة أحمد الخطيب، فيما بلغ إنفاق السياح الأجانب في عام 2023 بأكمله 141 مليار ريال، وهو رقم قياسي مقارنة بالأعوام السابقة. وإذا استمرت الأرقام في السعودية على المنوال ذاته، فإن المملكة ستحقق خلال السنة الجارية رقماً قياسياً جديداً.
مساهمة القطاع
وتشير الأرقام للنصف الأول من 2024 إلى أن مساهمة القطاع السياحي المباشرة في الناتج المحلي ارتفعت إلى 5 في المئة من 4.5 في المئة، فيما وصل عدد السياح المحليين والوافدين إلى 60 مليوناً، ووصل إنفاقهم إلى أكثر من 143 مليار ريال. ينقسم هذا الرقم بين سياح محليين بلغ عددهم 44 مليون سائح، وسياح وافدين بلغ عددهم 15 مليوناً.
وتستهدف وزارة السياحة الوصول إلى 150 مليون سائح “وهو ما قد يتحقق قبل عام 2030، بحسب ما صرّح به الخبير المالي والاقتصادي علي الحازمي، لـ”النهار”، راداً الأسباب إلى “عوامل عدّة، على رأسها التأشيرة الإلكترونية والتأشيرة الخليجية الموحدة”.
وتمكنت السعودية بنهاية العام الماضي من تحقيق مستهدف 100 مليون سائح الذي كان مخططاً له بحلول 2030، إذ استقطبت البلاد 77 مليون سائح من داخل المملكة، إضافة إلى 27 مليوناً من الخارج.
في حزيران (يونيو) الماضي، قدر “المجلس العالمي للسفر والسياحة” أن يزيد القطاع مساهمته في الناتج المحلي إلى 836.1 مليار ريال بحلول 2034، أي ما يقرب من 16 في المئة من اقتصاد المملكة، “ما من شأنه توظيف نحو 3.6 ملايين شخص في كل أنحاء المملكة، مع عمل واحد من كل خمسة أشخاص في هذا القطاع خلال 10 سنوات”، بحسب الحازمي، الذي أوضح أنّ “السعودية خصصت أكثر من 800 مليار دولار للاستثمار في قطاع السياحة بحلول 2030، وتشمل الاستثمارات تطوير المطارات، الفنادق، والمنتجعات السياحية، بالإضافة إلى تحسين الخدمات العامة وتسهيل إجراءات الحصول على التأشيرات السياحية”.
وعملت السعودية على تعزيز التعاون طويل الأمد في مجالات الربط الجوي، عبر توقيع #طيران الرياض مذكرة تفاهم للتعاون الاستراتيجي مع شركة “دلتا” الأميركية، تتيح ربط المملكة بأميركا الشمالية، وتعزيز خيارات السفر للمسافرين من المنطقتين.
كذلك وقعت السعودية اتفاقية سياحية تهدف لجعل المملكة “وجهة رئيسية” للزوار الصينيين، وزيادة عددهم إلى 3 ملايين سنوياً.
وفي آب (أغسطس) 2023، دشنت الخطوط السعودية أولى رحلاتها المباشرة بين المملكة وبكين. وبدورها، دشنت “خطوط جنوب الصين” في أبريل الماضي مساراً مباشراً بين الصين والمملكة، لتصبح رحلة 16 أبريل “أول رحلة جوية لشركة طيران صينية تهبط على أرض السعودية”.
خطط المملكة
وتتوقع المؤسسة العالمية أن تنمو قيمة مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي بالمملكة بنسبة 12 في المئة لتصل إلى 498 مليار ريال هذا العام، مع مضاعفة إنفاق الزوار الدوليين إلى 256 مليار ريال، وبلوغ إنفاق الزوار المحليين 155.2 مليار ريال.
ونوّه الحازمي بـ”خطط السعودية لتطوير القطاع السياحي عبر إنجاز عدد من المشاريع منها مشروع نيوم وهو مدينة مستقبلية تجمع بين التكنولوجيا الحديثة والابتكار، مشروع البحر الأحمر وهدفه تطوير وجهة سياحية فاخرة على ساحل البحر الأحمر، ومشروع تطوير العلا الذي يهدف إلى الاستثمار في تطوير المناطق التاريخية والأثرية، وموسم الرياض وهو مجموعة من الفعاليات الترفيهية والثقافية التي تجذب السياح من داخل وخارج المملكة”.
وتتنوع الوجهات السياحية في السعودية، بين دينية ومنها مكة المكرمة والمدينة المنورة (تُعتبر مصدر جذب للمسلمين من كل أنحاء العالم لأداء العمرة والحج)، وثقافية ومنها العلا (وهو موقع أثري يضم مدائن صالح، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو)، وتجارية ومنها الرياض (المركز الرئيسي للتسوق والنشاطات الترفيهية في السعودية)، بالإضافة إلى السياحة البيئية والرياضية المتوفّرة في جدة (المدينة الساحلية التي تتميز بالواجهة البحرية والأسواق التقليدية).
الاستراتيجية الوطنية
وقال الخبير المالي والاقتصادي “إن من يراقب تطوّر الأرقام في القطاع السياحي منذ انطلاق الاستراتيجية الوطنية للسياحة يرى أن هناك قفزات كبيرة تحققها السعودية، وبناءً عليها تعدّل المملكة استراتيجيتها في قطاع السياحة حتى تواكب التغيرات العالمية والمحلية. وذلك يسهم في زيادة الإيرادات الحكومية، عبر الضرائب والرسوم السياحية، ويحفز النمو الاقتصادي من خلال الاستثمارات في البنية التحتية والمشاريع السياحية”.
تشير بيانات المصرف المركزي إلى أن ارتفاع إنفاق السياح الوافدين أدى إلى تحقيق فائض في ميزان المدفوعات للسفر يبلغ 24 مليار ريال خلال الربع الأول من العام، بزيادة نسبتها 46 في المئة عن نفس الربع عام 2023، حيث بلغ إنفاق السياح السعوديين بالخارج 21 مليار ريال مقابل 45 مليار ريال أنفقها السياح الأجانب داخل المملكة.
وتمتلك السعودية مقوّمات جذب سياحية، تبدأ من التنوع الجغرافي، من السواحل إلى الصحاري والجبال. والثقافة الغنية بالتراث والتاريخ العريق الذي يجذب السياح من مختلف الثقافات. بالإضافة إلى الأمان والاستقرار بعد أن جاءت المملكة في المرتبة الأولى من بين دول “مجموعة العشرين” متقدمة على الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي في “مؤشر شعور السكان بالأمان أثناء السير بمفردهم ليلاً لعام 2020”.
يمثل القطاع السياحي في السعودية ركيزة أساسية في استراتيجية تنويع الاقتصاد الوطني، مع التركيز على الاستدامة والابتكار. من خلال الاستثمارات الكبيرة والخطط الطموحة، تسير المملكة بخطى ثابتة نحو تحقيق مكانة مرموقة في خريطة السياحة العالمية.