يهدف إلى إنشاء خطوط للسكك الحديدية وربط الموانئ البحرية
لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل مرور البضائع
«الممرُّ الإقتصادي».. كيف سيُغيّر شكل التجارة العالمية؟
يُتيح مشروع الممرّ الإقتصادي، الذي أعلنه قادة عالميون، على هامش قمة مجموعة العشرين في نيودلهي، (خريف 2023)، والهادف إلى الربط بين الهند وأوروبا عبر الشرق الأوسط، عدداً من الفرص الواعدة للدول المشاركة، عبر خلق طريق تجارية موثوقة وأكثر فعّالية من حيث التكلفة، وبما يُعزّز مرونة سلاسل التوريد، مما ينعكس بدوره على عديد من دول العالم، في خلاف الدول التي يشملها الممر.
الإتفاق الذي وصفه الرئيس الأميركي، جو بايدن، بأنه «سوف يُغيّر قواعد اللعبة»، يضمُّ دولاً عدة، ويشمل مشروعات للسكك الحديدية وربط الموانئ البحرية، إلى جانب خطوط لنقل الكهرباء والهيدروجين وكابلات نقل البيانات.
وقد تم التوقيع على الإتفاق المبدئي الخاص بالمشروع، في نيودلهي، بين الولايات المتحدة والسعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة والإتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، ويُعدّ الممرّ المرتقب دفعة جديدة على طريق التنمية العالمية.
- يهدف المشروع إلى إنشاء خطوط للسكك الحديدية، وربط الموانئ البحرية، لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل مرور البضائع.
- كما يهدف الممر الجديد إلى تيسير عملية نقل الكهرباء المتجدّدة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة.
- المشروع يهدف أيضاً، إلى تنمية الإقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.
وبحسب وكالة الأنباء الإماراتية، فإن المشروع يتألف من ممرّين منفصلين هما «الممر الشرقي» الذي يربط الهند مع الخليج العربي و«الممر الشمالي» الذي يربط الخليج بأوروبا، مضيفة أن الممرّات تشمل سكة حديد ستُشكل بعد إنشائها شبكة عابرة للحدود من السفن إلى السكك الحديدية لتكملة طرق النقل البرية والبحرية القائمة لتمكين مرور السلع والخدمات.
فيما ذكرت تقارير صحافية غربية، أن المشروع الجديد، المدعوم من إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، والذي وصفه بـ «الإتفاق التاريخي»، يمثل بالنسبة إلى واشنطن، مواجهة لنفوذ بيجينغ المتصاعد في المنطقة، في ضوء المساعي الغربية في تقليل الإعتماد على الإمدادات من بيجينغ. ومن شأن الممرّ الإقتصادي بين الهند وأوروبا والشرق الأوسط IMEC أن يُعزّز المنافسة، ويُتيح فرصاً وطرقاً أوسع، وبما يُعزّز من ديناميكية الإقتصاد العالمي.
أهمية الممرّ الإقتصادي
من الولايات المتحدة، يقول الأستاذ في جامعتي كاليفورنيا وبافالو، نالان سواريش، لموقع «إقتصاد سكاي نيوز عربية»:
- إن الممرّ الإقتصادي الجديد بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، (IMEC) سيربط بين دول الهند والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والأردن وإسرائيل وأوروبا. وسيكون له مساران: الممر الشرقي (الهند – الخليج العربي) والممر الشمالي (الخليج العربي – أوروبا).
- ستكون هنالك شبكة عبور وطرق الشحن منوعة ما بين السفن والسكك الحديدية، علاوة على شبكات الطرق الموجودة بالفعل. ولكن سيكون هناك توسُّع كبير في القدرات، ويتم التخطيط لتطبيقات التكنولوجيا الرقمية الحديثة في جميع القطاعات الحالية.
- التطلُّع إلى أن تُوفر IMEC طريقاً تجارية موثوقة وأكثر فعّالية من حيث التكلفة، وتزود العالم بطريق تجاري منافس آخر وممر إقتصادي يُضيف إلى شبكة مبادرة الحزام والطريق (BRI) التي تصوّرها الصينيون.
- من المفترض أن تساعد إضافة طريق التجارة IMEC في سلاسل التوريد الأكثر مرونة، والتي سوف تفيد عديداً من الدول على مستوى العالم (بما في ذلك تلك التي هي خارج الهند وأوروبا).
وسيعوّض ذلك الإعتماد المفرط على مصادر الإمداد الصينية وطرق التجارة التي تسيطر عليها الصين، وفي وقت سابق من هذا العام.
ويلفت الأستاذ الجامعي المتخصّص في إدارة العمليات والإستراتيجيات، إلى مساعي أوروبا إلى تقليل الإعتماد على الإمدادات الصينية، قائلاً: «لقد تحدثت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن إزالة المخاطر التي تُواجه أوروبا من الإعتماد المفرط على مصادر الإمداد الصينية وطرق التجارة، والآن تعيد إيطاليا النظر في أفكارها حيال مبادرة الحزام والطريق، بعدما شهدت علاقة تجارية غير متكافئة مع الصين. وبالمثل، بالنسبة إلى العديد من البلدان الأخرى».
وتبعاً لذلك، فإن «هذا الممر الإقتصادي الجديد والطريق التجارية، سيُوفر مزيداً من المرونة في سلاسل التوريد الخاصة بها».
وسيقوم الممر أيضاً بإدخال المنافسة مع مبادرة الحزام والطريق في القطاعات المتأثرة، لكن في هذه المرحلة، وفق سواريش: «إن الصينيين يتمتّعون بميزة كبيرة في قدرات البنية التحتية، ولا تزال لديهم ميزة إمتلاك عديد من مصادر توريد التصنيع، والوصول إلى المواد الخام والمعادن النادرة وغيرها». لذا، على المدى القصير (حتى 4 أو 5 سنوات) ليس لديهم الكثير مما يدعو إلى القلق من IMEC وبدلاً من ذلك، فإنهم يُواجهون مشاكل ملحة أخرى راهناً في ما يتعلق بإقتصادهم.
مبادرة واعدة تحظى بدعم أميركي
ويضيف سواريش: «يبدو أن مبادرة IMEC واعدة للغاية؛ لأنها تحظى بمباركة وإلتزامات الولايات المتحدة، وهي (واشنطن) حريصة على تقليل الإعتماد على الصين».
الإمارات تدعو إلى إعتماد نظام تجارة عالمي منفتح وشامل
لا شك في أن IMEC يتوافق بشكل جيد مع أهداف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وفي هذا السياق، يقول ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان: إنه «يطمح إلى تحويل الشرق الأوسط إلى أوروبا جديدة، وبالتالي فإن IMEC سوف تتمتع بدعم قوي من السعودية والإمارات، بما لهما من ثقل في منطقة الشرق الأوسط».
على نحو مماثل، تطمح الهند إلى التحوُّل إلى قوة تصنيعية كبرى، وتأمل الهند، في الحصول على حصّة من الإنتاج العالمي من السلع، فيما سيتعيّن عليها رفع مستوى قدراتها البحرية من أجل هذا الممر، وهي لديها الآن موانئ ذات مستوى عالمي، مثل موانئ موندرا وJNPT على ساحلها الغربي، ولكن هناك حاجة إلى المزيد من البنية التحتية للشحن في هذا القطاع.
وكان رئيس وزراء الهند المضيفة لقمّة العشرين التي إنعقدت في مطلع خريف 2023، ناريندرا مودي، قد علق على المشروع قائلاً: «بينما نشرع في مبادرة الربط الكبيرة هذه، فإننا نضع بذوراً تجعل أحلام الأجيال المقبلة أكبر».
ويشير الأكاديمي المتخصّص في الإستراتيجيات والتخطيط، إلى «أن العلاقة الشخصية بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد، مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي ومسؤولي الإتحاد الأوروبي مثل أورسولا فون دير لاين، قد أصبحت قوية جداً الآن، كما كانت في السابق. يعكس ذلك، الإجتماع الأخير لمجموعة العشرين في نيودلهي»، مبدياً إعتقاده بأن مشروع IMEC سيؤدي أيضاً إلى نشاط شحن تجاري أكثر حيوية في بحر العرب في السنوات المقبلة، كما ستستفيد الدول الأفريقية أيضاً من هذه المبادرة. لذلك، بشكل عام، ليس لدى مبادرة الحزام والطريق الصينية الكثير مما يدعو إلى القلق على المدى القريب، ولكن إذا إنطلقت IMEC، فإنها ستُحقق بالتأكيد تأثيراً كبيراً على التصنيع في الصين، والوصول إلى المواد الخام وطرق التجارة الخاصة بمبادرة الحزام والطريق.
منافسة الصين
لا شك في أن هذا الممر سيُعزّز المنافسة في الإقتصاد العالمي بين ممرّات ومحاور مختلفة، وبما يخلق مزيداً من الفرص والخيارات على طريق التنمية العالمية.
وفي هذا السياق، ذكر تقرير نشرته صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، أن «المشروع الذي تم الاتفاق عليه على هامش مجموعة العشرين، سيُواجه النفوذ الصيني المتزايد في الدول العربية».
وقد جرت المحادثات حول مثل هذا المشروع، الذي شمل أيضاً كابلاً بحرياً جديداً، وبنية تحتية لنقل الطاقة، خلف الكواليس بين الدول المعنية مؤخراً، لكنها ستستمر الآن على أساس أكثر رسمية. ولم يتم تقديم أي إلتزامات مالية ملزمة، لكن الأطراف إتفقت على التوصل إلى «خطة عمل» تُعرض مستقبلاً.
بايدن: الممر سيُوفر فرصاً لا نهاية لها
- قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، إن الممر سيُوفر «فرصاً لا نهاية لها» للدول المعنية، «مما يجعل التجارة وتصدير الطاقة النظيفة أسهل بكثير، ومدّ الكابلات التي تربط المجتمعات»، مشيراً إلى أن ذلك «سيُسهم في جعل الشرق الأوسط أكثر إستقراراً وإزدهاراً».
- وقال البيت الأبيض في وثيقة نشرتها إدارة بايدن حيال إعلان «الممر» الكبير بين الهند وأوروبا: «نريد إطلاق حقبة جديدة متصلة عبر شبكة سكك حديد، وربط الموانئ في أوروبا بالشرق الأوسط وآسيا».
- كما علّقت رئيسة المفوضية الأوروبية: «هذه خطوة تاريخية، وسيكون هذا الرابط الأكثر مباشرة حتى الآن بين الهند والخليج العربي وأوروبا، إنه جسر أخضر ورقمي عبر القارات والحضارات، إنه خط السكك الحديدية الذي سيجعل التجارة بين الهند وأوروبا أسرع بنسبة 40 %».
- قال جون فاينر، نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، في وقت سابق، إن تطوير الممر يتماشى مع مساعي إدارة بايدن لـ «خفض درجة الحرارة» و«تهدئة الصراعات» في المنطقة، مع زيادة «الإتصالات».
وبحسب تقرير الصحيفة البريطانية، فإنه «بالنسبة إلى الولايات المتحدة، يُمكن أن يكون المشروع بمثابة مواجهة لنفوذ بيجينغ المتزايد في المنطقة، في وقت يعمل فيه شركاء واشنطن، العرب التقليديون، على تعميق العلاقات مع الصين والهند والقوى الآسيوية الأخرى».
يتفق مع ذلك، الخبير الإقتصادي المتخصّص في الشؤون الصينية، جعفر الحسيناوي قائلاً: «إن الولايات المتحدة دأبت على العمل لمحاصرة الصين إقتصادياً من خلال وضع العراقيل أمام مبادرة الحزام والطريق الصينية في شتى الطرق»، مشيراً إلى «أن وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، هيلاري كلينتون، كانت قد طرحت من ذي قبل مبادرة طريق منافس لمبادرة الحزام والطريق». وقد خصّص الإتحاد الأوروبي إنفاق ما يصل إلى 300 مليار يورو على إستثمارات البنية التحتية في الخارج بين عامي 2021 و2027 من خلال مشروع البوابة العالمية، الذي تم إطلاقه جزئياً لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينية والدفاع عن المصالح الأوروبية.
علماً أن كلاً من من المملكة العربية السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، والإمارات العربية المتحدة، المركز المالي المهيمن في الشرق الأوسط، تسعيان إلى إبراز نفسيهما كمراكز لوجستية وتجارية رئيسية بين الشرق والغرب.
كيف ينظر صندوق النقد الدولي لـ «الممر الإقتصادي»؟
من جانبها، ذكرت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، أنه «لا ينبغي للممر الإقتصادي أن يكون إقصائياً، بل ينبغي أن ينخرط في روح الإقتصاد العالمي المتكامل».
ونقلت شبكة CNBC عن غورغييفا، قولها: «إذا أردنا أن تكون التجارة محرّكاً للنمو، فعلينا أن نخلق ممرات وفرصاً. ومن المهم أن نفعل ذلك لصالح الجميع، وليس لإقصاء الآخرين. وبهذا المعنى، أُشجع جميع البلدان التي تعمل بشكل تعاوني مع بعضها البعض على القيام بذلك بروح الإقتصاد المتكامل».
وبحسب التقرير، فإن هذه الصفقة (خطة تطوير شبكة من السكك الحديدية والطرق البحرية التي ستربط الهند والإتحاد الأوروبي ودول الشرق الأوسط) لا تؤكد على الشراكة المزدهرة بين الهند والولايات المتحدة فحسب، بل تؤكد أيضاً على إلحاحهما وتصميمهما على إقناع العالم بأنهما يُمثلان إقتراحاً إستراتيجياً أكثر قابلية للتطبيق في تسهيل الإحتياجات التنموية للجنوب العالمي.
ومن شأن هذا الممر الإقتصادي المدعوم من بايدن، أن يُضيف إلى الإستثمار الحالي في البنية التحتية للمناطق المعنية، وستجتمع البلدان المعنية لاحقاً لوضع خطة عمل ذات جداول زمنية ذات صلة والإلتزام بها، وهي جميعها غير متوافرة في هذه المرحلة.
في المحصّلة، لا يُمكن الحديث عن أي مشروعاتِ طرقٍ برية أو ممرّاتٍ بحرية للربط التجاري بين دولِ وقاراتِ العالم، بمنأى عن تأثيرها على قناة السويس المصرية التي تستحوذ على 12 % من حركة التجارة العالمية، وخصوصاً أن معظم المشاريع يُقاس بحسب مدى جدواها الإقتصادية وبقدرتها على منافسة القناة زمنياً ومادياً.
ويُعتبر أحدث المشاريع الضخمة المطروحة، مشروع الممر الإقتصادي، الذي تم الإعلان عنه مؤخراً في قمة مجموعة العشرين بالهند، والذي يربط بين جنوب آسيا وأوروبا عبر الخليج العربي والشرق الأوسط. فالمشروع الذي تحمّست له ودعمته واشنطن، بدا أنه منافس لمشروع الحزام والطريق الذي أطلقته الصين قبل 10 سنوات. ويتألف المشروع الجديد من ممرّين منفصلين، أحدهما يربط الهند بالخليج العربي والآخر يربط الخليج العربي بأوروبا.
وتنجز هذه المشاريع عادة لتعزيز التجارة العالمية، وفي هذا السياق، قال جون فاينر نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، على هامش قمة العشرين: «إن الإتفاق يهدف إلى البحث في مشروع للنقل البحري والسكك الحديد، وسيسمح بتدفق التجارة والطاقة والبيانات من هنا في الهند، عبر الشرق الأوسط وصولاً إلى أوروبا».