ديناميكيات سوق الإسكان ودور المصارف والحكومات
تقوم المصارف والحكومات بدور كبير في سوق الإسكان، وهناك جهود مكثّفة على المستوى العالمي لمعالجة أزمات الإسكان ولضمان حصول الجميع على مكان آمن للعيش فيه. ويساهم الإسكان المستدام في توفير صحة ونوعية حياة أفضل للسكان. كما وأن التصميم المستدام يعود بالفائدة للسكان والعالم، علماً أن الجهود التعاونية بين المصارف والحكومات والمجتمعات ضرورية لحل أزمات الإسكان.
يساهم تمويل الإسكان المستدام في حماية البيئة والقدرة على تحمل التكاليف ورفاهية المجتمع. كما وأن الشراكات الناجحة بين القطاعين العام والخاص تتطلب إتفاقيات واضحة وشفافية ومواءمة الأهداف للمساهمة في تعزيز ديناميكيات سوق الإسكان.
ونعرض في هذا المقال، أحدث الإتجاهات في سوق الإسكان في العام 2024، وتقديرات أسعار المساكن المتوسطة في العام 2024، ودور المصارف في سوق الإسكان وفي حل أزمات الإسكان وتمويل الإسكان المستدام، وسياسات الإسكان، والتدخل الحكومي لحل أزمات الإسكان، وإستدامة الإسكان، وتصميم المنازل المستدامة المبتكرة، ونختتم بالتوقعات المستقبلية لسوق الإسكان في العام 2024، والنصائح لأخذ التدابير المناسبة لشراء المنازل، وأهمية دور الشراكات بين المصارف والحكومات وبين القطاعين العام والخاص لدعم سوق الإسكان وتطويره وإستدامته.
سوق الإسكان في العام 2024
شهدت ديناميكيات سوق الإسكان تطورات مختلفة في العام 2024، مدفوعة بالتضخُّم وإرتفاع أسعار الفائدة والهجرة وعدم الإستقرار الجيوسياسي. ومن أهم التطورات الرئيسية في سوق الإسكان في العام 2024 التالي:
- أسعار المساكن ومعدلات الرهن العقاري: إرتفعت أسعار المساكن على أساس سنوي في العام 2024 في معظم الدول في العالم. ويتوقع العديد من الخبراء أن تستمر الأسعار في الإرتفاع طوال العام. كما إرتفعت أسعار الرهن العقاري، مما أثّر على قدرة المشترين على تحمل التكاليف. ومع ذلك، تزدهر مبيعات المساكن المبنية حديثاً، في حين تشهد مبيعات المساكن القديمة ركوداً. وتختلف تقلبات الأسعار في جميع أنحاء العالم، اعتماداً على العرض في السوق المحلية.
- ديناميكيات السوق: إن إنتعاش سوق الإسكان يحدث عندما يزيد عدد المساكن المعروضة للبيع بشكل كبير، وهذا من شأنه أن يخفف الضغط التصاعدي على الأسعار، كما وأن خفض أسعار الرهن العقاري يعود بالفائدة على سوق الاسكان.
- تنظيم الإسكان: وضعت الولايات المتحدة في أبريل/ نيسان 2024 تشريعات جديدة لعمولة سماسرة العقارات تنص على قواعد جديدة وتدخل تغييرات كبيرة في نموذج الشراء والبيع في سوق الإسكان.
- التوقعات طويلة الأجل: يُواجه سوق الإسكان في مختلف البلدان تحديات لها تأثير كبير على ديناميكيات السوق واتجاهات الإسكان.
أسعار المنازل
تشير إحصاءات فوربس Forbes الى أن متوسط سعر المنازل المبنية حديثاً في الولايات المتحدة في مارس/ آذار 2024 تبلغ 430.700 دولار مقارنة مع 438.900 دولار في العام 2023.
دور المصارف في سوق الإسكان
تلعب المصارف دوراً حاسماً في سوق الإسكان، حيث تقدم المصارف قروض الرهن العقاري لمشتري المنازل، مما يسمح لهم بشراء العقارات. هذه القروض مضمونة بالعقار نفسه. وتقوم المصارف بتقييم الجدارة الإئتمانية للمقترضين ودخلهم وعوامل أخرى تحدد الأهلية وأسعار الفائدة. وتساهم المصارف في سيولة السوق من خلال تقديم قروض الإسكان. وتدعم هذه السيولة معاملات العقارات. وتجمع المصارف الأموال من خلال الودائع والسندات والأدوات المالية الأخرى التي تفرضها بعد ذلك على مشتري المنازل. تدير المصارف أيضاً المخاطر المرتبطة بقروض الإسكان، حيث تقوم بتقييم قدرة المقترضين على السداد وتحديد الشروط المناسبة، كما وتراقب ظروف السوق وتعدل ممارسات الإقراض وفقاً لذلك. تشارك المصارف في سوق الرهن العقاري الثانوي من خلال بيع الأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، مما يسمح لها بتحرير رأس المال للإقراض الإضافي، بينما يحتفظ المستثمرون بالأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري.
تحدد البنوك المركزية أسعار الفائدة، مما يؤثر على أسعار الرهن العقاري وتعدّل المصارف أسعار الإقراض وفقاً لذلك. وتؤثر التغيُّرات في السياسة النقدية على القدرة على تحمل تكاليف الإسكان والطلب عليه. عندما يتخلّف المقترضون عن السداد، تقوم المصارف بعمليات الحجز، وقد تبيع العقارات المتعثرة لتعويض الخسائر، وبذلك تؤثر نشاطات المصارف على العرض والتسعير في سوق الاسكان.
سياسات الإسكان
تؤثر سياسات الحكومة بشكل كبير على سوق الإسكان، وتسنّ الحكومات القوانين واللوائح لضمان الممارسات العادلة وحماية المستهلك والإستقرار. وتشرف الهيئات التنظيمية على الإقراض العقاري ومعاملات الملكية ووكلاء العقارات، وقد تقدم الحكومات إعانات أو حوافز ضريبية لتشجيع امتلاك المساكن.
وتهدف برامج الإسكان الميسور إلى مساعدة الأفراد والأسر ذات الدخل المنخفض، وتحدد البنوك المركزية أسعار الفائدة، مما يؤثر على أسعار الرهن العقاري. وتشجع أسعار الفائدة المنخفضة الإقتراض وتحفز الطلب على الإسكان.
تنظم الحكومات إستخدام الأراضي من خلال قوانين تقسيم المناطق. ويؤثر تقسيم المناطق على تطوير الممتلكات والكثافة وطبيعة الاحياء السكنية، ويُمكن للسياسات أن تؤثر على العرض السكني من خلال تشجيع البناء أو الحفاظ عليه.
- المواد والبناء: يستخدم الإسكان المستدام مواد صديقة للبيئة، مثل المنتجات المعاد تدويرها أو التي يتم الحصول عليها محلياً، وتركز ممارسات البناء المستدام على تقليل النفايات والتلوث.
خلال الأزمات الاقتصادية، قد تتدخل الحكومات لتثبيت استقرار سوق الإسكان، وتشمل التدابير منع الحجز العقاري، وضوابط الإيجار، ومساعدة الإسكان. وتختلف السياسات الحكومية باختلاف الدول والمناطق، ويمكن أن يكون تأثيرها على سوق الإسكان متعدد الأوجه.
أزمة الإسكان العالمية والتدخل الحكومي
تلعب التدخلات الحكومية دوراً حيوياً في معالجة أزمات الإسكان، وتتطلّب التدخلات الحكومية الناجحة في سوق الإسكان اتباع نهج متعدد الأوجه، يأخذ في الإعتبار الإغاثة القصيرة الأجل والحلول الطويلة الأجل.
إن أزمة الإسكان العالمية تشكل قضية ملحَّة تؤثر على ملايين البشر، وتشير التقديرات العالمية إلى أن نحو 3 مليارات شخص سيحتاجون إلى الحصول على سكن ملائم في حلول العام 2030. وفي حلول العام 2025، قد تؤثر الأزمة على 1.6 مليار شخص في جميع أنحاء العالم. ويساهم نقص الأراضي والقروض والعمالة والمواد في أزمات الإسكان. منذ الأزمة المالية في العام 2008، أدّت عوامل مثل ندرة الأراضي، وتقليص الإقراض، ونقص العمالة، والقيود المادية إلى إرتفاع تكاليف الاسكان. وقد أدت أسعار الفائدة المنخفضة في السابق إلى تحفيز الطلب على الاسكان مما جعله أقل تكلفة. وأدى الإغلاق خلال جائحة كوفيد-19 إلى زيادة الطلب على مساكن أكثر اتساعاً. وعلى مستوى العالم، إرتفعت أسعار المساكن بأسرع معدل لها منذ أربعين عاماً بسبب إختلال التوازن بين العرض والطلب. كما إرتفعت الإيجارات لمختلف أنواع المساكن بشكل ملحوظ في مناطق مثل أوروبا وآسيا. وأصبحت تكاليف السكن باهظة الثمن في العديد من المدن، حيث تتجاوز تكاليف الإسكان متوسط الدخل للأفراد.
يُمكن إتخاذ تدابير مختلفة لمعالجة أزمات السكن، ومنها:
- زيادة العرض من المساكن من خلال الشراكات بين القطاعين العام والخاص وإتباع طرق البناء المبتكرة.
- وضع سياسات جديدة لجعل السكن أكثر سهولة في الوصول إليه، مثل الإعانات، والحوافز الضريبية، وإصلاحات تقسيم المناطق.
- بناء مساكن مقاومة للتغيُّرات المناخية ومعالجة آثار تغيُّر المناخ من خلال تحفيز البناء المستدام.
السكن المستدام
إن بناء السكن المستدام يلتزم بمبادئ البناء الأخضر، بهدف تقليل التأثير البيئي الناجم عن المنازل التقليدية، وتشمل الجوانب الرئيسية للسكن المستدام التالي:
- كفاءة الطاقة: تعمل التصميمات والتقنيات الموفرة للطاقة على تقليل إستهلاك الطاقة، وتساهم مصادر الطاقة المتجددة في تحقيق الإستدامة.
- المواد والبناء: إن بناء السكن المستدام يستخدم مواد صديقة للبيئة، مثل المنتجات المعاد تدويرها والمنتجات التي يتم الحصول عليها محلياً. وتركز ممارسات البناء المستدام على تقليل النفايات والتلوث.
- الحفاظ على المياه: تعمل التركيبات المنخفضة التدفق، وتجميع مياه الأمطار، وأنظمة الري الفعّالة على تقليل إستخدام المياه. كما تعمل المناظر الطبيعية المستدامة على تعزيز الحفاظ على المياه.
- جودة الهواء الداخلي: تعمل التهوية المناسبة والدهانات غير السامة والمواد الطبيعية على تحسين جودة الهواء الداخلي. كما أن المساحات المعيشية الصحية تعود بالنفع على السكان.
- إختيار الموقع والتصميم: إختيار المواقع المناسبة للبناء يقلل من التأثير البيئي. كما وأن التصميم الذكي يأخذ في الاعتبار اتجاه الشمس والضوء الطبيعي والمساحات الخضراء.
- المتانة على المدى الطويل: تعمل المواد المتينة والصيانة المستمرة على إطالة عمر المنازل، إذ إن تقليل الحاجة إلى الإصلاحات المتكررة يعود بالنفع على أصحاب المنازل والبيئة.
التصميم المبتكر للسكن المستدام
إن التصميم المبتكر للسكن المستدام أمر ضروري لتقليل التأثير وتوفير مساحات معيشية مريحة. وهناك العديد من الاعتبارات المتعلقة بالتصميم المستدام منها:
- تصميم موارد الطاقة الشمسية: يضمن هذا التصميم حصول المنزل على أقصى قدر من الضوء الطبيعي والحرارة في البلدان الباردة. ويتم استخدام النوافذ التي تساعد على التقاط ضوء الشمس في الشتاء، مما يقلل من إحتياجات التدفئة. ويُمكن للأشجار حجب أشعة الشمس الزائدة في الصيف.
- كفاءة الطاقة: يعمل العزل المناسب على تقليل إستهلاك الطاقة. يُمكن أن تكون حلول الطاقة المتجددة مثل الألواح الشمسية أو توربينات الرياح حلولاً فعّالة لتوليد الطاقة. ويُمكن إستخدام الأجهزة الذكية والموفّرة للطاقة.
- المواد الخضراء: يُمكن إستخدام المواد المعاد تدويرها والمواد المحلية ذات التأثير البيئي الأدنى لأغراض الإستدامة.
- المنازل المعيارية: تساعد المنازل المعيارية الجاهزة من تقليل النفايات ووقت البناء. ومن الأمثلة على ذلك المنزل الخالي من الكربون ZeroCabin.
- الحدائق العمودية والأسطح الخضراء: زراعة النباتات هي من أهم الممارسات في تصميم المنازل المستدامة. وتعمل الحدائق العمودية والأسطح الخضراء على تحسين جودة الهواء والعزل.
- المنازل الخالية من الإنبعاثات: تولد هذه المنازل قدراً من الطاقة يساوي ما تستهلكه.
دور المصارف في تمويل الإسكان المستدام
تلعب المصارف دوراً حاسماً في تمويل الإسكان المستدام. إن البنوك الخضراء Green Banks هي كيانات عامة أو شبه عامة أو غير ربحية تعمل على تعزيز الإستدامة، وتستخدم الأموال العامة لتشجيع الإستثمار الخاص في البنية التحتية المنخفضة الكربون والمقاومة للمناخ. من خلال خفض المخاطر للمستثمرين من القطاع الخاص، تسهل البنوك الخضراء مشاريع مثل الإسكان بأسعار معقولة والطاقة المتجددة.
وتقدم البنوك الخضراء شروطاً مواتية لقروض الإسكان المستدام، وتتعاون مع الحكومات والمطورين لتمويل المنازل الموفرة للطاقة والبنية التحتية الخضراء. كما وتتعاون البنوك الخضراء مع الحكومات والمؤسسات غير الربحية لمعالجة نقص الإسكان.
الشراكات بين القطاعين العام والخاص
إن الشراكات بين القطاعين العام والخاص هي جهود تعاونية بين الكيانات الحكومية والمنظمات الخاصة، بما في ذلك المصارف، لمعالجة تحديات الإسكان. يوفر القطاع الخاص رأس المال والخبرة والموارد. في حين تقدم الحكومات الأراضي والحوافز الضريبية والدعم التنظيمي. وتساعد هذه الشراكات على تمويل مشاريع الإسكان والبنية الأساسية ومبادرات الإسكان بأسعار معقولة.يتولى القطاع الخاص تطوير وتنفيذ وإدارة مشاريع الإسكان. وتتولى الحكومات وضع السياسات وضمان الإمتثال ومراقبة التقدم. وتعمل الشراكات بين القطاعين العام والخاص على تبسيط العمليات وتحسين الكفاءة.
يقدم القطاع الخاص الإبتكار والتكنولوجيا ورؤى السوق. وتوفر الحكومات المعرفة المحلية والمشاركة المجتمعية والرؤية الطويلة الأجل. ويؤدي التعاون بين القطاع العام والخاص إلى حلول سكنية أفضل تصميماً وأكثر إستدامة.
يتحمّل القطاع الخاص المخاطر المالية، وتتولى الحكومات إدارة المخاطر الاجتماعية والتنظيمية. وتعمل الشراكات بين القطاعين العام والخاص على توزيع المخاطر، مما يجعل المشاريع أكثر قابلية للتطبيق. إن الشراكات بين القطاعين العام والخاص تساعد في القيام بمشاريع تنموية، وتوازن بين الربح والتأثير الاجتماعي، وهي تعالج مشكلة نقص المساكن، والتشرد، والتجديد الحضري.
شراء وبيع المنازل في عام 2024
إن سوق العقارات يمتاز بالديناميكية الفائقة، مما يستوجب على المشترين والبائعين للمنازل أن يأخذوا في الاعتبار العديد من الامور ومنها:
- الميزانية: يجب على المشترين تقدير المبلغ الذي يمكنهم تحمله كدفعة شهرية. وتتأثر الدفعات الشهرية للسكن بسعر المنزل والدفعة المقدمة ومعدل الرهن العقاري ومدة القرض والتأمين على المنزل وضرائب الملكية.
- الحجم والموقع: إن فهم الأولويات والمرونة تساعد في طرح المنازل المناسبة في سوق الاسكان.
- أبحاث السوق: يمكن للمشترين والبائعين إجراء أبحاث حول العرض المتاح ومستويات الأسعار والانتباه إلى سرعة بيع المنازل مع إستشارة وكلاء العقارات.
توقعات سوق الإسكان للعام 2024
مع إستمرار ارتفاع أسعار المساكن في جميع أنحاء العالم، يشعر الناس بالقلق إزاء قلة العرض للمساكن الجديدة. ومع ذلك، يرى العديد من الخبراء أن إحتمال إنهيار سوق الإسكان يظل منخفضاً في حلول العام 2024. وعلاوة على ذلك، يشير الخبراء إلى أن أصحاب المنازل اليوم هم أكثر أماناً من الذين تعرضوا للأزمة المالية في العام 2008 وذلك بفضل الدور التعاوني للمصارف والحكومات.
نظرة مستقبلية
إن شراء منزل في أي سوق هو قرار فردي خاص، ولأن المنازل تمثل أكبر عملية شراء يقوم بها غالبية الناس في حياتهم، فمن الأهمية بمكان أن يكون على إطلاع على تطوُّرات سوق الإسكان قبل أن يشرع في الشراء. تُستخدم حاسبة الرهن العقاري أحياناً لتقدير تكاليف الإسكان الشهرية. وسوق الإسكان، مثل العديد من الأسواق الأخرى، دائمة التقلب. وأفضل وقت للمشترين المحتملين هو عندما يجدون منزلاً يعجبهم ويلبي إحتياجات أسرهم الحالية والمتوقعة ويمكنهم تحمُّل أعبائه، وتلعب المصارف والحكومات دوراً كبيراً في دعم وتطوير سوق الإسكان.
ولا يزال الإسكان والبناء المستدام مجالاً ناشئاً، وهناك حاجة كبيرة للمزيد من البحث والإبتكار في حقل البناء والتشييد المستدام، ويُمكن للمصارف والحكومات التدخل في أشكال مختلفة من الشراكات بين القطاعين العام والخاص. أزمة الإسكان أمر لا مفرّ منه في ظل التوترات الجيوسياسية المتصاعدة، ومع ذلك، يُمكن للمصارف والحكومات التعاون للتخفيف من تأثير التوترات الجيوسياسية وتعزيز سوق الإسكان.
الدكتورة سهى معاد