قمّة الذكاء الإصطناعي العالمية في الرياض
منذ نحو أربع سنوات، تسعى المملكة العربية السعودية إلى التقدم في الذكاء الإصطناعي متعدّد الوسائط، والرعاية الصحية المدعومة بالذكاء الإصطناعي، ومبادرات المدن الذكية، حيث يُتوقع أن يُسهم هذا القطاع في خلق وظائف عالية المهارات، مع تطوير قطاعات كثيرة، وهو ما سيعمل على تعزيز القدرة التنافسية العالمية للمملكة، وإدخال الإبتكار في الصناعات التي تعتمد على الذكاء الإصطناعي.
لا شك في أن المملكة العربية السعودية، تتهيّأ لمرحلة جديدة من التطوّر بتميّزها في مجال البيانات والذكاء الإصطناعي وسعيها للريادة العالمية، بعدما تبوأت أعلى المؤشرات العالمية، معزّزة قدرتها في قيادة المشهدين المحلي والإقليمي في الذكاء الإصطناعي لتصل ضمن أفضل الإقتصادات في العالم القائمة على المعلومات والبيانات والذكاء الإصطناعي، ولتحقق طموحاتها في أن تصبح مركزاً تقنياً عالمياً لأحدث التقنيات المتقدمة وتلك المرتبطة بالذكاء الإصطناعي.
وتُعدّ تقنيات الذكاء الاصطناعي من أهم المقوّمات الأساسية التي أسهمت في إنتاج تقنيات غير مسبوقة، جعلت الدول تعتمد عليها في صوغ حاضرها وبناء مستقبلها، فيما تتولى الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الإصطناعي «سدايا» منذ إنشائها في العام 2019 قيادة الملف الوطني للذكاء الإصطناعي والبيانات، بما في ذلك البيانات الضخمة، وهي المرجع الوطني في كل ما يتعلق بهما من تنظيم وتطوير وتعامل، للقطاعات التنموية الإنتاجية والخدمية في المملكة لتحقيق مستهدفات رؤية السعودية 2030 الرامية إلى بناء إقتصاد قائم على المعرفة والتقنية.
وشكّلت القمّة العالمية للذكاء الإصطناعي التي سعت إلى تنظيمها «سدايا» في ثلاث نسخ، منعطفاً مهماً في مسيرة التطور التي تعيشها المملكة بوصفها منصّة سعودية عالمية تطل بها على العالم المتقدم وتواكب حراكه التنموي، فضلاً عن كون هذه القمم عاملاً مساهماً في نقل مساعي الإهتمام السعودي بهذه التقنيات على المستوى المحلي إلى الإهتمام الدولي، من خلال العمل على تكاتف الجهود الدولية وتوحيد الرؤى تجاه مفهوم إستخدام هذه التقنيات وضبط إستخداماتها لتصبح ساعد بناء للمجتمعات البشرية لا معول هدم لها، وتُسهم في تحسين جودة حياة الإنسان وتحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة 2030.
وأصبحت القمة العالمية للذكاء الإصطناعي، منذ تنظيم النسخة الأولى منها في العام 2020 ثم الثانية في العام 2022 ثم الثالثة في العام 2024، واحدة من أهم القمم التي ينتظرها المختصون في الذكاء الإصطناعي وقادة الفكر والإبتكار ورؤساء كبرى الشركات التقنية وصنّاع السياسات الاقتصادية في العالم، بل وأصبحت محط أنظار المراقبين في مختلف أنحاء العالم، حيث يتابعون عن كثب آخر تطورات الذكاء الإصطناعي وعلاقته ببناء مستقبل البشرية، مما إنعكس على مستوى المتحدثين والحضور الذين آثروا هذه القمم في نسخها الثلاث، ومنها أعمال القمة في نسختها الثالثة التي تجاوز عددهم 456 متحدثاً في حضور مئات من الخبراء والمختصين والمهتمين بالذكاء الإصطناعي من أكثر من 100 دولة.
وتأتي رعاية الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس إدارة الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الإصطناعي للقمم العالمية للذكاء الإصطناعي الثلاث في إطار إهتمامه بتعزيز مساهمة المملكة في رسم مستقبل مشرق للمجتمعات البشرية، من خلال تعظيم الإستفادة من تقنيات الذكاء الإصطناعي ووضع إطار أخلاقي يضمن الإستخدام الأمثل لهذه التقنيات على نطاق واسع.
وقطعت «سدايا» أشواطاً طويلة في مجال التقدم بتقنيات البيانات والذكاء الإصطناعي، وجاء إنعقاد القمة الأولى في العام 2020 في عام إستثنائي للذكاء الإصطناعي كما قال ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في كلمته التي ألقاها في حينه: «إن العام 2020 شكل عاماً إستثنائياً لإختبار إمكانات الذكاء الإصطناعي في الوقت الذي يشهد فيه تشكّل حالةٍ عالمية جديدة تُعيد تعريف أساليب الحياة والأعمال والتعلّم».
وكرّست «سدايا» جهودها من أجل إنجاح تنظيم هذه القمة التي إستمرت يومين عبر 30 جلسة شارك فيها ما يقرب من 60 متحدثاً من الوزراء، وقادة الفكر، ورؤساء شركات التقنية في العالم من 20 دولة.
أما القمّة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الثانية فقد تميّزت بالحضور النوعي من الشخصيات والخبراء من مختلف دول العالم، وبحجم الإتفاقيات التي تجاوزت 40 إتفاقية جمعت شراكة فريدة بين القطاعين العام والخاص نحو إستثمار تقنيات الذكاء الإصطناعي في تطوير الخدمات التي تقدمها الجهات، فضلاً عن إعلان 10 مبادرات محلية ودولية ما بين شركات ومؤسسات عالمية، وإستطاعت أن تجمع أكثر من 200 متحدث دولي ومحلي وإقليمي في الرياض، وسط حضور ناهز الـ 10 آلاف شخص من 100 دولة.
وبرز من مخرجات هذه القمة إنشاء «المركز الدولي لأبحاث وأخلاقيات الذكاء الإصطناعي» الذي صدر قرار مجلس الوزراء في العام 2023 بالموافقة على إنشائه في مدينة الرياض، ويتمتع بالشخصية الإعتبارية والإستقلال المالي والإداري، وأقرّ المؤتمر العام لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة «اليونسكو» في دورته الـ 42 منح المركز صفة مركز دولي من الفئة الثانية تحت رعاية اليونسكو، وأعلنت عنه اليونسكو بشكل رسمي في القمة الثالثة.
وجاءت القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في نسختها الثالثة، مكمّلة للنجاحات الكبيرة التي حققتهما النسختان الأولى والثانية خلال عامي 2020 و2022، لكنها تميّزت في إتساع محاورها التي غطت أوجه الإهتمام الدولي بالبيانات والذكاء الإصطناعي في ظل التطوُّر المتسارع لتقنياتها وتأثيرها الكلي على مستوى الفرد والمؤسسات.
وتناولت القمّة جملة من الموضوعات التي تشغل إهتمام المجتمع الدولي، ومنها دور الحكومات في تسخير قدرات تقنيات الذكاء الإصطناعي لدفع عجلة النمو الإقتصادي في العالم، وتحقيق الصالح العام للبشرية مع رفع مستوى الوعي تجاه هذه التقنيات الرائدة وآثارها على مستقبل الإنسان، وكيف يُعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل حياتنا، كما استعرضت موضوعات التفاعل بين الإنسان والذكاء الاصطناعي وتأثير الأخلاقيات والحوكمة والذكاء الاصطناعي على مجالات التعليم والثقافة والعلوم.
وشهدت القمّة في نسختها الحالية، (ما بين 10 أيلول/ سبتمبر 2024 و12 منه)، مشاركة أكثر من 456 متحدثاً، وحضور نخبة من الشخصيات العالمية من 100 دولة، في مركز الملك عبد العزيز الدولي للمؤتمرات في مدينة الرياض، وقد حظيت بتفاعل كبير سواء على مستوى الحضور أو المشاركين، الذين توافدوا إلى الرياض، وتجاوز عددهم 30 ألف شخص على مدى ثلاثة أيام، حيث إنضموا إلى أكثر من 150 جلسة وورشة، بينما إنضم 3.7 ملايين إفتراضياً من أنحاء العالم.
وشهدت القمّة كذلك توقيع أكثر من 80 إتفاقية ومذكّرة تفاهم محلية ودولية، و25 إعلاناً ومبادرة تتعلق جميعها بتحقيق الإستفادة من تقنيات الذكاء الإصطناعي، كما أُقيم معرض مصاحب ضمّ عروضاً لكبرى شركات التقنية في العالم، وخرجت بحزمة من المخرجات التي تصب في صالح تحقيق الإستفادة المثلى من الذكاء الإصطناعي على المستوى العالمي، وضمان توظيف تقنياته لخدمة البشرية جمعاء، وأُعلن خلالها عن عدد من المبادرات والإتفاقيات ما بين الجهات الحكومية والقطاع الخاص، وما بين هذه الجهات وكبرى شركات التقنية والذكاء الإصطناعي في العالم، لتتوّهج هذه الإتفاقيات أمام مرأى العالم وما تحمله من أهمية دولية.