حوكمة الديون.. مفتاح الاستدامة المالية والتنمية المستدامة
(العربية)-04/11/2024
*علاء المنشاوي
تتوالى التحذيرات من تفاقم أزمة الديون العالمية. قبل أيام أصدر صندوق النقد الدولي تقريرا قال فيه إن حجم الديون وصلت مستويات تهدد الاستقرار المالي العالمي، وتوقع أن يتجاوز الديون العامة العالمي 100 تريليون دولار خلال 2024.
تعتبر استدانة الدول أداة أساسية لتمويل مشاريعها التنموية وتحقيق الأهداف الاقتصادية والاجتماعية. ومع ذلك، فإن الإدارة غير السليمة للديون يمكن أن تؤدي إلى أزمات اقتصادية ومالية، مما يهدد استقرار الدول ورفاهية شعوبها. لذا، فإن حوكمة استدانة الدول تلعب دوراً حيوياً في ضمان الاستخدام الأمثل للديون وتجنب المخاطر المالية ممكنة الحدوث.
أزمات الديون التي شهدتها الدول النامية في العقود القليلة الماضية – أزمة الديون اللاتينية في الثمانينيات وأزمة الديون الآسيوية في التسعينيات- كشفت على ضرورة إجراء تعديلات جوهرية على نظام الديون العالمية. في عام 2001 أصدر خبراء صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المبادئ التوجيهية لإدارة الدين العام، والتي شملت على العديد من الأمور الضرورية لضمان بقاء الاستدانة أداة لتحقيق أهداف تنموية، وتجنب تسببها في حدوث أزمات أعمق.
في مسألة استدانة الدول الكل سواء، بدءا من حجم الدين الأميركي الذي تجاوز 35 تريليون دولار في يونيو الماضي، مرورا بدول الاتحاد الأوروبي -فرنسا و6 دول أوروبية تواجه إجراءات تأديبية لتجاوز حدود العجز في الميزانية- وصولا إلى الدول النامية.
يتطلب ذلك الالتزام الصارم بمبادئ حوكمة الاستدانة من قبل الحكومات، وهي مجموعة قواعد وأنظمة وعمليات تضمن إدارة الديون الحكومية بطريقة شفافة ومسؤولة.
تشمل هذه القواعد وضع أطر قانونية واضحة عبر تحديد صلاحيات الجهات المسؤولة عن الاقتراض، والشروط والأحكام المتعلقة بالديون.
من بين القواعد التي تحقق حكومة الاستدانة؛ نشر معلومات مفصلة عن الديون المستحقة، وشروطها، واستخداماتها، ومحاسبة المسؤولين عن إدارة الديون وتقييم أدائهم أولا بأول، مع إعداد ميزانيات واقعية وتحديد أولويات الإنفاق، بما يضمن قدرة الدولة على سداد ديونها.
كل هذه القواعد يجب أن تعمل بطريقة تكاملية لتجنب التشتت، وذلك بهدف حل الأزمات عبر توفير التمويل من خلال الاستدانة، وأيضا منع الأزمات التي قد تنشأ بسبب الإفراط في الاستدانة.
تستهدف هذه القواعد التخفيف من حدة مخاطر الديون والإفراط في الاستدانة إلى أقصى درجة ممكنة عبر تعديل هيكل الدين، مع أخذ تكلفة هذا التعديــــل فـي الاعتبار.
أيضا؛ الدراسات الأكاديمية تؤكد أن الدين العام يتفاعل بشكل إيجابي مع الحوكمة، مما يؤكد أن الحوكمة هي قناة يؤثر من خلالها الدين العام على النمو الاقتصادي. وتلعب الحوكمة دوراً وسيطاً في العلاقة بين الدين والنمو، إذ كلما ارتفع مستوى الحوكمة، قل التأثير السلبي للدين العام على النمو الاقتصادي.
وتواجه عملية حوكمة استدانة الدول العديد من التحديات، من بينها الضغوط السياسية، كما تواجه بعض الحكومات الأوروبية التي تخشى تصويتا عقابيا حال خفض الإنفاق. وقد تعاني بعض الدول من ضعف المؤسسات المالية، مما يجعل من الصعب إدارة الديون بكفاءة، إضافة إلى إساءة استخدام الأموال المقترضة.
للتغلب على كل هذه التحديات توجد 5 ممارسات ومعايير هامة لتحقيق حوكمة الاستدانة، تشمل تحديد الأهداف التي يسعى القرض إلى تحقيقها، التأكد من أن المشاريع الممولة ستحقق عوائد اقتصادية واجتماعية، عدم الاعتماد على مصدر واحد للتمويل، تقييم المخاطر المرتبطة بالديون واتخاذ التدابير اللازمة للحد منها، والبحث عن بدائل للتمويل.