ثلاثة عقود من الشراكة… هل تعدل تونس اتفاقيتها مع الاتحاد الأوروبي؟
(النهار)-11/11/2024
هل تتجه تونس نحو تعديل الاتفاقية المشتركة مع الاتحاد الأوروبي بعد 30 عاماً من توقيعها؟ سؤال طرحه العديد من المراقبين بعد تصريحات لوزير الخارجية التونسي محمد علي النفطي، لم يستبعد فيها هذا الخيار، موازاةً مع تصاعد الأصوات المنادية بهذه الخطوة.
وعلى هامش الاحتفال بالعيد الوطني لإسبانيا، قال النفطي إن اتفاقية الشراكة بين بلاده والاتحاد الأوروبي “تتطلب التقييم وإعادة النظر”، ولفت إلى أن تونس تبحث عن الشراكات القائمة على المنفعة المتبادلة، علماً أنها أول دولة في جنوب المتوسط تبرم اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي.
جدل قديم متجدد
في الواقع، الجدل حول الاتفاقية المشتركة بين تونس والاتحاد الأوروبي، والتي تنص على تحرير التجارة تدريجياً حيث تسمح لتونس بتصدير منتجاتها الصناعية إلى الاتحاد الأوروبي من دون رسوم جمركية بينما تفتح تونس أسواقها للسلع الأوروبية، قديم متجدد يطفو على الساحة بين فترة وأخرى مع كل حكومة جديدة.
ولم تشهد الاتفاقية تقييماً منذ توقيعها في عام 1965، وفي فترة حكم الترويكا (تحالف النهضة مع مجموعة من الأحزاب) أعلنت تونس توجهها نحو إعداد دراسة حولها من دون إنجازها.
والاتحاد الأوروبي شريك استراتيجي لتونس، وهو شريكها الاقتصادي الأول حيث تنشط نحو 3 آلاف مؤسسة أوروبية، توفر نحو 300 ألف فرصة عمل للشباب التونسي.
يقول المحلل السياسي إبراهيم الغربي لـ “النهار” إن التفكير في تعديل هذه الاتفاقية “خطوة جريئة، تعكس حرص تونس على الدفاع عن سيادتها، وتستجيب لأصوات ودعوات عديدة تطالب بذلك نظراً لتداعيات هذه الاتفاقية على الاقتصاد التونسي”، مشيراً إلى الموقف الجزائري الذي يتجه أيضاً نحو مراجعة اتفاقية الشراكة مع أوروبا بعد 20 عاماً من توقيعها، مؤكدا أن “من حق دول المنطقة أن تعيد النظر في مثل هذه الاتفاقيات، خصوصاً إذا شعرت بأنها غير متوازنة”.
شراكة مختلة
لم تكن هذه الشراكة مبنيةً على الندية وفق العديد من المراقبين ممن يرون أنها شراكة غير متوازنة كرست تبعيةً اقتصاديةً لأوروبا.
ويقول منتقدو الاتفاقية إنّ تونس لم تتمكّن من تعديل ميزانها التجاري المختلّ مع أوروبا، ويستحضر هؤلاء انعكاسات هذه الاتفاقية على عديد القطاعات وخصوصاً الصناعية مقابل صادرات محدودة في قطاعات بعينها مثل زيت الزيتون والتمور.
ويقول الخبير الاقتصادي مراد الحطاب لـ “النهار” إن تونس وقعت مع الاتحاد الأوروبي في عام 1995 اتفاقية لفتح السوق الأوروبية للمنتجات الصناعية التونسية، “بحجة تعزيز النمو الاقتصادي، وتمكينها من بلوغ مركز أفضل في سلسلة القيم العالمية، وجذب عدد أكبر من الاستثمارات الأجنبية المباشرة وتقليص الديون الخارجية”.
لكنه يلفت إلى أن تداعيات هذه الشراكة، وإن لم تجر عملية تقييم لها بادية للعيان، تتمثل أساساً “في تفشي ظاهرة التصحر الصناعي في تونس بعد إغراق السوق المحلية بالسلع الموردة من الاتحاد الأوروبي في مرحلة أولى، ثم من دول أخرى في مرحلة ثانية، كالصين وتركيا، وفي اقتصار حضور الاستثمار الأوروبي على مجال المناولة الصناعية الخفيفة، ما جعل من تونس ورشة خلفية لأوروبا من دون أي قيمة مضافة أو نقل للتكنولوجيا، علاوة على ارتفاع العجز في الميزان التجاري”.
يضيف الحطاب أن الاستثمارات الأوروبية المباشرة في تونس تركزت منذ عام 1995 في المناطق الساحلية، وتمثل أغلبها في شركات مصدّرة عاملة بالنظام الخارجي (offshore)، أي لا تساهم في المداخيل المالية العمومية للبلاد، ملاحظاً أن “العجز التجاري لتونس مقارنة بالاتحاد الأوروبي تحسن فقط في علاقة بالنظام الاستثماري الخارجي، أما في علاقة بالاستثمارات الداخلية فقد تعمق منذ توقيع اتفاقية الشراكة”.
ويشدد على أنه في ظل هذا النظام الشبيه باتفاقيات منظمة التجارة العالمية، “يعود 66% من رؤوس الأموال لأجانب غير مقيمين يتمتعون بامتيازات جبائية وجمركية تفوق قيمتها ملياري دينار سنوياً على حساب الصناعي التونسي ودافع الضريبة بشكل عام، وهؤلاء المستثمرين لا يدفعون رسوماً جمركيةً خلال السنوات الأولى لبداية نشاطهم في تونس، فيما لا تتجاوز نسبة الضرائب التي يدفعونها في مرحلة تالية 10%”.
تنويع الشراكات
توحي تصريحات النفطي برغبة تونسية في إعادة تقييم هذه الشراكة بالتخلص من التبعية الاقتصادية لمعسكر الغرب في وقت لا يخفى فيها تقاربها من معسكر الشرق ممثلاً في الصين وروسيا خصوصاً.
وخلال العامين الأخيرين، بدا سعي تونس لتمتين علاقاتها مع هذا المحور واضحاً من خلال الزيارات المتبادلة على أعلى مستوى. وتراهن تونس على تنويع علاقاتها من أجل فتح آفاق اقتصادية أكبر تساعدها على الخروج من أزمتها الحالية وتقطع مع “منطق التبعية لهذا المعسكر أو ذاك”، وهو ما يصف به مراقبون علاقاتها بالاتحاد الأوروبي.
وفي تصريح سابق لـ”النهار”، قال وزير الخارجية التونسي السابق أحمد ونيس إن بحث تونس عن تنويع شراكاتها أمر مهم خصوصاً في الوقت الحالي، “حيث يعيش العالم على وقع تغييرات إقليمية كبيرة قد تنتهي بتشكيل نظام عالمي جديد ثنائي أو متعدد الأقطاب”.
وأشار إلى أن من حق تونس أن تبحث عن شركاء جدد، مع الحفاظ على شركائها التقليدين، “ما من شأنه سد الطريق أمام أي محاولة للهيمنة عليها”.