لماذا باتت أسواق الأسهم تتجاهل قانون الجاذبية؟
(البيان)-15/11/2024
*جوناثان غوثري
من العبارات المثالية لوصف الارتفاع غير المستدام عادة للأسعار هو أنها: «تصعد كالصاروخ، وتهبط كالعصا». وتلقى هذه العبارة رواجاً لأن فكرة قانون الجاذبية تستخدم كثيراً في عالم الاستثمار، وهو ما يفسر استخدام مصطلحات مثل «ارتفاع»، «صعود»، «هبوط»، و«انخفاض حاد»، التي يستخدمها مراسلو السوق عند الحديث عن الأسهم.
لكن مفهوم «الجاذبية» يبدو أنه بات مألوفاً لدرجة أنه فقد طابعه التقني، ولهذا يفضل الخبراء استخدام مصطلح «معدل أو متوسط الارتداد». ونهدف هنا إلى تحليل واختبار التفكير الكامن وراء هذا المفهوم، فقد يسهم ذلك في إعادة تقييم بعض الأسهم الأمريكية المرتفعة بشكل حاد، خصوصاً تلك المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.
في الحياة اليومية، قد يبدو مفهوم «متوسط الارتداد» كرد فعل انتقامي، كأن تتعمد على نحو غير أخلاقي تماماً الرجوع بالسيارة وتدهس قطة الجار. أما في السياق المالي، فيعني أن الأسعار تميل إلى الارتفاع والانخفاض حول قيمة حقيقية تعود إليها دائماً.
وإن كنت تعرف هذه القيمة (المتوسط) بدقة، فيمكنك شراء الأسهم عندما تكون دونها وبيعها عندما تتجاوزها.
فمفهوم «الارتداد» هذا يبرر كلا الإجراءين. لكن، كما يقول جو ويجينز، خبير التمويل السلوكي ومدير الأبحاث الاستثمارية في «سانت جيمس بليس»: «من المستحيل التنبؤ بتوقيت حدوث العودة إلى المتوسط».
وفي السياق نفسه، قال غيوم رامبورغ، المستثمر المستقل والناشط في مجال الأعمال الخيرية: «كل من حاول التنبؤ بمتوسط الارتداد خلال الأعوام الخمسة الماضية أخطأ في تقديراته».
رغم ذلك، فإن المحللين الماليين لا يزالون يتحدثون عن هذا المبدأ، خاصة مع ارتفاع مؤشر «إس آند بي500» بنسبة 94%في 5 سنوات، ما جعله في أعلى مستوياته على الإطلاق، وأصبحت الأسهم الأمريكية تمثل الآن ربع قيمة الأسهم العالمية.
ويرجع هذا الارتفاع في المقام الأول إلى الأداء المذهل لأسهم شركات التكنولوجيا الأمريكية، لا سيما ما يُعرف بـ «العظماء السبعة» مثل مايكروسوفت وآبل، والتي استفادت بداية من الجائحة، ثم من الاهتمام المتزايد بتقنيات الذكاء الاصطناعي الناشئة.
وتتألف مجموعة «العظماء السبعة» من سبع شركات من أصل أكبر ثماني شركات مُدرجة في مؤشر «إس آند بي 500». بالتالي، تكررت التوقعات بـ«متوسط الارتداد»، ومن الواضح هنا أن ما يشير إليه المحللون بوضوح هو احتمال انخفاض أسعار الأسهم الأمريكية.
لكن، كما يقول همفري بوغارت، فإن الأسعار الاسمية للأسهم ليست سوى جزء بسيط في عالم التقييمات. فالأهم هو علاقة تلك الأسعار بالأرباح المُستقبلية المُحتملة، وهو ما يُركز عليه المُحللون عادةً عند تكهنهم بتراجع السوق، باستخدام مؤشر شيلر «كايب» كمقياس مُفضل.
وهذا ليس رداء واقياً من المطر تلبسه أثناء ركوب دراجتك بعد أن صادرت الشرطة سيارتك خلال التحقيق في حادثة وفاة قطة جارك. بل هو «معدل السعر إلى الأرباح المعدل دورياً، والذي طوره البروفيسور روبرت شيلر. ويقيس هذا المؤشر عدد المرات التي يمكن فيها قسمة أسعار الأسهم على متوسط الأرباح لكل سهم، مع تعديل يأخذ في الحسبان التقلبات الاقتصادية. وحالياً، يبلغ الرقم لمؤشر«إس آند بي 500» نحو 38 ضعفاً، وهو ليس بعيداً عن الذروة التي وصل إليها خلال فترة الجائحة، وهي 44 ضعفاً. وعلى مدار العشرين عاماً الماضية، كان المتوسط عند 27 ضعفاً.
وربما تكون هذه القيمة الحقيقية التي يفترض أن يعود إليها معدل «كايب». وعادة ما يتوقع المتشائمون في سوق الأسهم حدوث «متوسط الارتداد» في السعر/ الأرباح عن طريق انخفاض أسعار الأسهم، وهي بالطبع الطريقة الأكثر تشاؤماً لحدوث ذلك. لكن ارتفاع الأرباح قد يحقق النبوءة بشكل أكثر إيجابية، من خلال زيادة الأرباح.
وبوسعنا أن نزعم أن هذه توقعات الأسواق، على افتراض أنه يجسد شيئاً آخر أكثر تعقيداً من الجشع والخوف.
وقد دفعتني هذه الفكرة إلى التراجع والتحقق من خدمة بيانات «إس آند بي فيزيبل ألفا» التي تجمع عدداً كبيراً من توقعات محللي الوساطة المالية. وقد أجمع المحللون على أن الأرباح سترتفع بما يكفي لخفض نسبة السعر إلى الأرباح الخاصة بـ«العظماء السبعة» إلى مستويات متواضعة في السنوات الخمس المقبلة، باستثناء شركة تسلا التي تبقى حالة فريدة.
وعلى سبيل المثال، سيكون مضاعف القيمة بالنسبة لشركة إنفيديا لصناعة رقائق الذكاء الاصطناعي 16 مرة فقط، إذا استندنا إلى سعر السهم الحالي والأرباح المتوقعة عام 2029، مقارنة بتقييم حالي يصل إلى 48 مرة بناء على أرباح عام 2024.
ولتحقيق التقديرات الواردة في «فيزبيل ألفا»، يجب على شركات «العظماء السبعة» أن تزيد أرباحها بشكل كبير، لكن معدلات الزيادة لن تكون أعلى من التي تحققت في السنوات الخمس الأخيرة. وإذا حدث ذلك، فيمكن القول إن الذكاء الاصطناعي قد ألغى تأثير الجاذبية، أو على الأقل النسخة المتشائمة منها التي توقعها بعض مراقبي السوق. فهل يعني ذلك أن القضية قد أغلقت؟
إذا كنت تؤمن أن الذكاء الاصطناعي هو تكنولوجيا ستغير العالم وستحقق أرباحاً ضخمة، فقد تكون مؤشرات الأسهم الأمريكية مغرية عند المستويات الحالية. أما إذا كنت تشك في ذلك، فقد حان الوقت للبيع أو تجنبها.
وتعلمنا التجارب المرهقة أنه عندما تكون حالة عدم اليقين مرتفعة، فإن الراحة التي توفرها التوقعات المبنية على الأرقام تكون وهمية عادة. وسيحدث الكثير في مجال التكنولوجيا، والكثير منه غير متوقع، على مدار السنوات الخمس المقبلة.
علاوة على ذلك، تعاني صناعة الخدمات المالية من ضعف في الهندسة العكسية. وهذا يعني البدء بالأرقام التي تناسب عملاءك وإنشاء حسابات لتبريرها. وقد تكون أسعار أسهم التكنولوجيا العالية هي تلك الأرقام التي ترضي الجماهير.
وقد تكون تقديرات الأرباح التي ينتجها محللو الوساطة مبررات لاحقة. وستكون التقييمات القائمة على الأرباح، في هذه الحالة، ببساطة، مثيرة للاهتمام لكن غير موثوق بها.
إن المؤشرات الأمريكية تستحق الاحتفاظ بها عند مستوياتها الحالية إذا كنت تعتقد أن الذكاء الاصطناعي هو تقنية تحويلية ومربحة. لكن إذا لم تكن كذلك، فيجب عليك البيع أو تجنبها. وبالنسبة لي، تبدو الأنظمة الآلية القادرة على الاستعاضة عن البشر بشكل سلس بمثابة تحول على نحو لم يكن ليحدث مع الواقع الافتراضي، وإنترنت الأشياء، والعملات المشفرة، والميتافرس.
عموماً، فأنا أفترض أن السوق الأمريكية ستشهد على الأقل انهياراً واحداً على طول الطريق. بطبيعة الحال، ليس لدي أي فكرة عن موعد حدوث ذلك.
فبعض الشركات التي تستثمر مليارات الدولارات في الذكاء الاصطناعي ستخسر ما لديها. ومن المحتم أن تنجم الاضطرابات عن انتشار التكنولوجيا التخريبية. والدليل يكمن في الاسم. وسيكون من الخطأ وصف هذا الانهيار بأنه «متوسط الارتداد».
فهو يعني ضمناً أن الثوابت موجودة في التمويل كما كان يعتقد ذات يوم أنها موجودة في ظواهر فيزيائية مثل الجاذبية. وفي التمويل، كما هي الحال في الفيزياء، يتضح أن الحقيقة أكثر تقلباً.