العالم يقف على شفا عصر جديد من الحمائية
(البيان)-12/12/2024
أصدر دونالد ترامب تحذيراً قوياً إلى الشركات حول العالم، وذلك قبل أكثر من شهر من فوزه الحاسم بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي، ففي تجمع انتخابي صاخب احتشد فيه مؤيدوه في مدينة سافانا بولاية جورجيا في أواخر سبتمبر، قال ترامب: «لن يشعر العمال الأمريكيون بالقلق بعد الآن من فقدان وظائفهم لصالح دول أجنبية، بل ستكون هذه الدول هي القلقة من فقدان الوظائف لديها لصالح الولايات المتحدة».
وتابع: «صوتوا لترامب، وسترون نزوحاً جماعياً للتصنيع من خارج الصين باتجاه بنسلفانيا، ومن كوريا إلى كارولاينا الشمالية، ومن ألمانيا إلى هنا في جورجيا». وقد أظهر الكثير من الأمريكيين إيماناً قوياً بطرحه عن التعريفات الجمركية الشاملة، والترحيلات الجماعية، والتخفيضات الحادة للضرائب، والتخفيف الكبير للوائح التنظيمية. لذلك، لم يسلموا دونالد ترامب البيت الأبيض فحسب، بل منحوا الجمهوريين هيمنة على كلا الغرفتين في الكونغرس.
وتستعد الشركات في الداخل الأمريكي وفي الخارج إلى اضطرابات بينما تواجه حالة من عدم اليقين الشديد بشأن مدى الصرامة الذي سينفذ بها ترامب أهدافه، وتعزيز القطاع التصنيعي الأمريكي وتحقيق ما وصفه ذات مرة بأنه «نهضة اقتصادية وطنية». وتتوقع ويندي كاتلر، نائبة رئيس معهد سياسات آسيا والنائبة السابقة للممثل التجاري الأمريكي، أن تسبب عودة ترامب إلى البيت الأبيض شللاً من حيث قدرة المسؤولين التنفيذيين على اتخاذ القرارات. وأوضحت: «أشعر أن الشركات ستمسك عن اتخاذ القرارات وستراقب التطورات قبل إعلانها أية التزامات جادة».
وتوجد في قلب مقترحات ترامب، فرض تعريفات جمركية تصل إلى 20% على كل الواردات الأمريكية، بالإضافة إلى رسوم قاسية على السلع الصينية. وبعد أسابيع من فوزه بالانتخابات، أعلن ترامب نيته فرض تعريفات جمركية قدرها 25% على كندا والمكسيك، بجانب تعريفات إضافية قدرها 10% على الصين.
كما تعهد ترامب بتمزيق التشريعات التي أقرها الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، الرامية إلى تشجيع الصناعات الأمريكية عن طريق منحها حوافز لكسر الهيمنة الصينية على سلاسل التوريد الحيوية. واقترنت سياسات ترامب بشأن التعريفات الجمركية بخطط تهدف إلى خفض عدد المهاجرين غير الشرعيين في البلاد، مع إقراره تخفيضات ضريبية حادة للشركات، والحد من العوائق الرقابية.
ويتعين على الشركات الأجنبية التي تعمل في الولايات المتحدة وضع تأثيرات هذه السياسات في اعتبارها أيضاً. وقد تضخمت الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الولايات المتحدة منذ عام 2018 من قرابة تريليون دولار إلى 5.4 تريليونات دولار في عام 2023، بحسب آخر البيانات المتاحة من مكتب التحليل الاقتصادي. وأفادت البيانات أن نحو ثلاثة أرباع هذه الاستثمارات جاءت من 8 دول فقط، كلها حليفة للولايات المتحدة.
وتشكل الصين ما يقل عن 1% من هذه الاستثمارات، وفق بيانات تحالف الشركات العالمية، وهو جمعية للأعمال تمثل الشركات الأمريكية التابعة للشركات العالمية. ويعمل أكثر من 8 ملايين أمريكي حالياً بصورة مباشرة لدى شركات عالمية تعمل في الولايات المتحدة، ويعمل 3 ملايين أمريكي تقريباً في قطاع التصنيع من بين هؤلاء. وتشكل هذه الشركات نحو 12% من كل جهود البحث والتطوير التي تجرى داخل الولايات المتحدة، وبلغ إجماليها 80 مليار دولار بنهاية عام 2022.
وذكر توني إيانيللي، الذي يرأس غرفة التجارة في وادي ليهاي بولاية بنسلفانيا والذي برز باعتباره مركزاً تصنيعياً للشركات المحلية والعالمية، أنه تحدث إلى عدد من الشركات، ووجد أن الخوف من التعريفات يعوضه تفاؤل بشأن جوانب أخرى تحويها الخطة الاقتصادية لترامب، مثل تعهداته بالتقليل من العقبات البيروقراطية.
وأوضح قائلاً: «يكمن القلق الأكبر في سؤال رئيسي هو: كيف سيؤثر ذلك على المخزون؟»، وأسهب: «كيف سيؤثر ذلك على أسعار المخزونات؟ وكيف سيؤثر على المبيعات في النهاية؟ ففي نهاية المطاف، يجب أن يكون القلق بشأن ماهية السعر النهائي لمنتج ما، وكيف سيؤثر ذلك على الطلب؟».
ستتوقف الإجابة عن هذه التساؤلات على مدى دقة ترامب بشأن التعريفات الجمركية، وما إذا كان سيستخدمها كأداة تفاوضية للحصول على بنود أفضل للاتفاقيات مع الشركاء التجاريين.
وتحدث سكوت بيسيت، وزير الخزانة المتوقع، إذا وافق مجلس الشيوخ على ترشيحه، عن التعريفات باعتبارها «سياسة متشددة»، ما يعني احتمالية تخفيف التعهدات التي صدرت عن ترامب وروج لها في حملته الانتخابية بمجرد حصوله على تنازلات من الشركاء التجاريين. وسيعتمد الكثير أيضاً على ماهية المنتجات المستهدفة، ومدى سرعة تطبيق الرسوم، ومدة سعي الدول إلى تطبيق تدابير انتقامية.
وصرحت لايل برينارد، كبيرة المستشارين الاقتصاديين للرئيس بايدن، لصحيفة «فاينانشال تايمز» أخيراً، بأن التعريفات الجمركية الشاملة وخطط التخلي عن الحوافز التي أقرتها الإدارة المنتهية ولايتها الموجهة للتصنيع، ربما تخاطر بـ «إعادتنا للوراء إلى حقبة من الفوضى وزيادات الأسعار».
ولفتت كاتلر إلى أن بعض الشركات «تسارع بالفعل لمعرفة ما يمكنها فعله لاسترضاء الإدارة». وقد يشمل ذلك زيادة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الولايات المتحدة، وهو ما ألمح بالفعل جيونغ إن كيو، وزير التجارة الكوري الجنوبي، إلى كونه أمراً محتملاً. فقد صرح أخيراً لوكالة «رويترز» قائلاً: «هناك استثمارات موجودة بالفعل، وهناك احتمالية بأن تتسارع وتيرتها، وسيتبع ذلك زيادة في الصادرات الموجهة إلى الولايات المتحدة من مصنعي قطع الغيار الصغار والمتوسطين».
من ناحيته، قال جوناثان سامفورد، نائب الرئيس التنفيذي لدى تحالف الشركات العالمية: «من المؤكد أن الترابط العالمي أمر مهم بالنسبة للولايات المتحدة في شأن الاستدامة على المدى الطويل». وأضاف: «تعتمد الشركات التي تتخذ قرارات الاستثمار هنا على منتجات من أرجاء العالم. والأمر لا يتعلق فحسب بالشركات الدولية العاملة في الولايات المتحدة، وإنما يتعلق أيضاً بالشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها ولديها القدر ذاته من العالمية».