إجتماعات الخريف السنوية 2024
هموم إقتصاديّة عالميّة ولبنان خارج التغطية
صندوق النقد الدولي يتوقع إنخفاض معدّلات التضخّم العالميّة
من 5.7 % في العام 2023 إلى 5.3 % في العام 2024
وصولاً إلى 3.5 % في العام 2025
شهدت العاصمة الأميركية واشنطن، خلال إجتماعات الخريف السنوية 2024، التي نظّمها صندوق النقد والبنك الدوليان، بمشاركة آلاف المسؤولين الذين يمثّلون مصارف مركزيّة ووزارات ماليّة ومنظمات المجتمع المدني، مناقشة أبرز التحدّيات التي تعصف في كبرى الإقتصادات العالميّة في الوقت الحالي: مخاطر الحروب التجاريّة، مآلات الصراعات الجيوسياسيّة في الشرق الأوسط وأوكرانيا، المخاوف المرتبطة بنتائج الإنتخابات الأميركيّة، إرتفاع معدّلات الديون السياديّة، هشاشة أُطر التعاون الإقتصادي العابر للحدود وغيرها.
علماً أن التقارير التي جرى عرضها خلال الإجتماعات، عكست «صمود» الإقتصاد العالمي حتّى اللحظة أمام كل هذه المخاطر، لكنّها عكست أيضاً هموم الحاضرين وتوجّسهم من حالة «عدم اليقين الشديد» الراهنة.
والملفت، أن فصول العالم تتقلّب إلّا في لبنان، في حكم الأزمة الماليّة التي جعلت هذا البلد معزولّا عن كل تقلّبات وتحوّلات الإقتصاد العالمي، فلبنان المأزوم لم يكن معنياً في كل النقاشات الدائرة حول أسعار الفوائد وتدفّق الرساميل والإستثمارات. علماً أن خروج لبنان عن التغطية كلياً، جاء بعدما إمتنع صندوق النقد الدولي عن إعطاء أي تقدير لنسبة النمو المتوقّعة لهذا البلد في العام 2024، في ظل الحرب الدائرة، وأمام توالي الخسائر التي تتراكم مع مرور كل يوم، إذ لم يعد هناك ما يسمح بتقديم توقّع من هذا النوع.
التفاؤل بإنخفاض التضخّم العالمي
كان تقرير «آفاق الإقتصاد العالمي» لصندوق النقد الدولي، أبرز ما جرى الإفصاح عنه على هامش تلك الإجتماعات، لتقديم معطيات يُمكن في ضوئها البحث في التحدّيات القائمة راهناً. وتوقّع الصندوق أن تنخفض معدّلات التضخّم العالميّة من نسبة 5.7 % في العام 2023 إلى 5.3 % في العام 2024، وصولًا إلى 3.5 % في العام 2025. علماً أنه كان هناك ما يدعو الحاضرين للتفاؤل بقرب إنتهاء عاصفة التضخّم التي ضربت الأسواق العالميّة منذ العام 2021، والتي بلغت ذروتها في العام 2022 بنسبة ناهزت الـ 8.8 %.
الإقتصاد العالمي يُظهر مرونة
مع انتهاء موجة التشديد النقدي، وبدء مرحلة خفض الفوائد، يكون الإقتصاد العالمي قد تجاوز أبرز التحدّيات التي واجهته خلال السنوات الماضية، غير أن تقرير الصندوق يشير كذلك إلى نوعيّة التحدّيات التي تراكمت وتقاطعت خلال السنوات نفسها: من تفشّي الجائحة، إلى الأحداث المناخيّة المتطرّفة، وأزمات الطاقة والغذاء، بالإضافة إلى إضطرابات سلاسل التوريد الناتجة عن الصراعات الجيوسياسيّة. وتوقع التقرير للعام الجاري 2024، أن يسجل النمو الإقتصادي نسبة 2.8 % في الولايات المتحدة، و0.8 % في منطقة اليورو، و1.1 % في المملكة المتحدة، و0.3 % في اليابان، و4.2 % في الأسواق الناشئة والإقتصادات النامية.
لا توقّعات للبنان
محلياً، قدّر صندوق النقد الدولي إنكماش الإقتصاد اللبناني بنسبة 0.7 % في العام 2023، بعد معدّلات نمو بلغت 1.0 % في العام 2022، و2.0 % في العام 2021، وإنكماش حاد بنسبة 24.6 % في العام 2020. غير أنّ الصندوق لم يقدّم أي تقديرات للنمو بعد العام 2023، بما في ذلك العام 2024 الراهن، بسبب «الدرجة العالية من عدم اليقين»، التي تحيط بآفاق الإقتصاد اللبناني. وبهذا المعنى، رأى الصندوق أن تطوّر الأوضاع الأمنيّة بات يشكّل تحدياً كبيراً، بما يحول دون تقديم أي توقّعات حيال مستوى الناتج المحلّي في نهاية العام الحالي.
د. أزعور: دمار كبير في البنية التحتية
مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي جهاد أزعور، برّر صعوبة توقّع المنحنى الذي سيأخذه الإقتصاد اللبناني بالإشارة إلى وجود دمار كبير في البنية التحتيّة، وأضرار كبيرة جداً لحقت بالمناطق الزراعيّة جنوب البلاد، بالإضافة إلى تعطّل النشاط الإقتصادي، معتبراً «أنّ الواقع الراهن يفرض دعوة المجتمع الدولي وأصدقاء لبنان إلى تقديم هبات، لتمكين البلاد من تجاوز الأضرار المباشرة للحرب».
في النتيجة، غاب لبنان عن أي مناقشات جديّة، تتصل بأزمته الماليّة أو مستقبل البلاد الإقتصادي، كما غابت الدولة نفسها عن التعامل مع المناقشات المتعلّقة بأثر التحوّلات الإقتصاديّة العالميّة. علماً أن هذا الغياب كان مفهوماً هذه المرّة، في حكم الحرب التي أرخت بظلالها على المشهد في لبنان، والتي طغت على أي إهتمام رسمي أو شعبي آخر. لكنّ عزلة لبنان الإقتصاديّة عن العالم، لم تبدأ مع هذه الحرب كما هو معلوم، بل بدأت أساساً بالأزمة الماليّة المستمرّة منذ أواخر العام 2019، والتي عطبت النظام المالي المحلّي لأكثر من خمس سنوات.