مصارف لبنانية تُغري زبائنها بفوائد على الإيداعات بالليرة… “المركزي” يتحرّك ويدرس إقراضها بفائدة مقبولة
(النهار)-23/12/2024
بين ليلة وضحاها، و”غمضة عين وانتباهتها” تغيّرت حال الليرة من حال إلى حال، وباتت العملة اللبنانية المنبوذة من أهلها، لهزالتها أمام وحش الدولار، سلعة مفقودة من الأسواق، تُدفع “جائزة” مرتفعة من الفوائد، لمن يملكها، وتغريه بعض المصارف للاستثمار لديها فيها.
هذا الانقلاب المالي مردّه إلى افتقار بعض المصارف أخيراً إلى السيولة بالليرة اللبنانية، وتعذّر حصولها على ما يكفي حاجتها لتلبية طلبات عملائها، فبدأت بإغراء زبائنها بفوائد وصلت إلى 45% على حسابات مجمّدة لبضعة أشهر، بعدما عانت هذه المصارف من قساوة فائدة الانتربنك التي وصلت إلى 100% (Overnight).
ارتفاع الفائدة هذا على الليرة، ظاهرة حسّاسة برأي مصادر في مصرف لبنان، وهو ما يجب ألا يستمر طويلاً، فالاستقرار النقدي متين، ولمصرف لبنان القدرة على كبح أيّ تفلت في سعر الصرف من جهة، والتحكم بالسيولة الناشطة في السوق من جهة أخرى، وتالياً ليس صحياً وضع فوائد مرتفعة على الليرة أسوة بما يحصل حالياً في تركيا، حيث تصل الفائدة إلى 50% على الليرة التركية.
بيد أنه أمام استقرار قيمة العملة الوطنية، وتوازياً مع موجة تفاؤلية اقتصادية وسياسية، بدا أن بعض اللبنانيين متحمّس لاستثمار “ليراته” وإيداعها المصارف مقابل فوائد مرتفعة تعرضها الأخيرة.
هذا التعافي المفاجئ للثقة بالليرة وبالمصارف، قد يخفي في طيّاته مشكلة مستقبلاً، إذا ما استمر عرض الفوائد المرتفعة، مع ما يمكنه أن يضع المصارف العارضة أمام معضلة عدم القدرة على تأمين سيولة لدفع هذه الفوائد، بما سيؤدي حتماً إلى المزيد من التعثر وفقدان الثقة بالقطاع المصرفي برمّته، فيما يعرف الجميع أن القطاع يعيش ظروفاً وأوضاعاً تعوق قدرته على تحمّل أيّ خضّات جديدة.
صحيح أنه يمكن للمصارف تأمين تسديد الفوائد على المدى القصير، بيد أن ثمة شكوكاً في ظل توقف التسليف، في قدرة بعضها على تأمين تسديدها لمدة سنة، علماً بأن المصارف عاجزة عن إعادة الودائع، فمن أين ستدفع الفوائد المرتفعة؟ بالإضافة إلى أن سلوك خيار الفوائد المرتفعة يُعدّ اقتصادياً إشارة خطرة إلى ملاءة المصرف. من هنا تؤكد المصادر ضرورة تحرك مصرف لبنان لمعالجة هذه الظاهرة قبل تفاقمها.
أمام ما يحصل في ميدان مسؤول منه، هل سيبقى مصرف لبنان متفرجاً؟
جزمت مصادر حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، بأنه يتجه حتماً إلى التدخل لضبط الأمور، وإعادة الانتظام لحركة السوق، وخفض فائدة الأنتربنك، توازياً مع ضبط تصاعد الفائدة وإبقائها تحت سقف الـ12%.
ولهذه الغاية ولغيرها، يعقد المجلس المركزي اليوم اجتماعاً للبحث في أمور عدة، منها إمكان تمديد الإجراءات المتعلقة بالتعميم 158 و166 المعتمدة منذ 3 أشهر والتي تتيح للمستفيدين منهما سحب دفعتين شهرياً بدل دفع واحدة، أو تعديل التعميمين المذكورين، لتثبيت إجراءات التمديد وجعلها دائمة. ومن ثم سيناقش المجلس موضوع الفوائد وسيتخذ ما يلزم من قرارات، لإعادة التوازن إلى سوق الفائدة، وقطع الطريق على انزلاق بعض المصارف إلى خيارات خطرة على القطاع.
ليرات الضمان الاجتماعي!
مصادر مطلعة أكدت أن مصرف لبنان لديه ما يكفي من أوراق وإمكانيات، لمعالجة مشكلة الفوائد المرتفعة المستجدة، وخياراته لذلك متعددة. أولها ضخ أكبر للعملة اللبنانية في السوق ليروي ظمأه لليرة، بما سيمنحه أيضاً فرصة شراء الدولار لتعزيز احتياطاته. ثاني الخيارات، هو إقراض المصارف التي تفتقر إلى السيولة بفائدة تراوح بين 15 و20%، أو دراسة تحرير جزء من ودائعها لديه. بالإضافة إلى تعليق “تمنٍّ” قيل إنه أبداه، بعد تفاقم الحرب الإسرائيلية على لبنان، لإحدى المؤسسات العامة، لنقل سيولتها المودعة في المصارف التجارية، إلى مصرف لبنان.
وقد شاع أن ذلك حصل مع الضمان الاجتماعي، حيث أكدت مصادره أنه مع بداية الحرب والعدوان الكبير في أيلول، تمنّى بعض المعنيين في مصرف لبنان، على الضمان نقل أمواله من المصارف التجارية إلى “المركزي”، لمنع استخدامها للمضاربة على الليرة، والتأثير على سعر الصرف.
وفيما نفت مصادر “المركزي” طلبها من الضمان هذا الأمر، أكدت أن الأمر حصل من دون أي تدخل منه، مشيرة إلى أن قانون إنشاء صندوق الضمان يلزمه استثمار 80% من أمواله لدى الدولة.
إثارة هذا الموضوع أتت بعدما تبيّن أن المبلغ المسحوب ضخم جداً، جعل سيولة بعض المصارف التي كان الضمان يودعها أمواله بالليرة تقترب من الصفر، ما دفعها إلى رفع الفائدة إلى مستويات قياسية لجذب حملة الليرة ودفعهم إلى الاسثمار فيها.
وتجزم المصادر بأن قلة قليلة من مجموعة مصارف “ألفا” ومصارف أخرى صغيرة، هي التي لجأت إلى تدبير رفع الفائدة، بعدما عانت من نقص مفاجئ كبير في السيولة، وليس القطاع المصرفي برمته، وأن الأزمة إلى زوال فور توافر السيولة مجدداً لديها وزوال الانكماش الاقتصادي.
وتؤكد مصادر “المركزي” أنه ليس ثمة اتجاه لتحرير ودائع المصارف لديه كلياً، فيما التوجّه قد يكون هو لإقراض المصارف بفائدة مدروسة جداً، تعيد التوازن إلى السوق من جهة، وتبعد شبح احتمال تعثر مصرفي في تسديد الفوائد المرتفعة من جهة أخرى.
وفي حال الإقراض، سيستخدم “المركزي” الكميات الكبيرة من الليرة التي يحوزها في خزائنه، والتي اشتراها على مراحل إبان سعيه لتقليص نسبة التضخم، وتعمّده تجفيف السوق ما أمكن منها، لقطع الطريق على المضاربات غير الشرعية، وفرض الاستقرار المستمر منذ سنة ونصف في سعر الصرف. وقد استطاع حينذاك شفط السيولة من السوق وخفضها لتصل راهناً، إلى نحو 55 ألف مليار ليرة فقط، بما يعادل 600 مليون دولار تقريباً.