الذكاء الإصطناعي في البنوك اليمنية
الواقع وآفاق الـمستقبل «تجربة يمنية خالصة»
في وقتٍ يُناقش العالم العديد من الفرضيات الكبيرة التي ستصبح واقعاً معاشاً في القريب العاجل، وأبرزها هل سيقود ويدير الذكاء الإصطناعي (AI) البنوك الكبيرة وعلى رأسها البنوك المركزية؟! ها هي البنوك اليمنية تقبع في حالةٍ من التقوقع والمراوحة حيال الإستفادة من تقنيات الذكاء الإصطناعي – الثورة التكنولوجية الهائلة – في أعمالها، ويُمكننا التساؤل حول أبرز تجاربها – إن كانت موجودةً – في هذا المجال ليتسنّى لنا معرفة الفوائد المكتسبة من هذه التقنيات في تطوير عملها البنكي، وهذا الأمر سيأخذنا في أتون أطروحات ورؤى عدة؛ ولكننا قبل هذا وذاك سنعرّج قليلاً على واقع الذكاء الاصطناعي في العالم، وواقع إستخدامه في البنوك العالمية، وأخيراً سنناقش هذه القضية الهامة في عمل البنوك اليمنية، وتقصّـي إحدى تجاربها الناجحة في هذا المجال.
محمـــد علــي ثامـــر
كاتب وباحث مـن اليمــن
عصر الذكاء الإصطناعي
نشـر الملياردير الأميركي بيل غيتس، مقالاً بعنوان: «لقد بدأ عصـر الذكاء الاصطناعي.. ثورةٌ هائلة تحاكي ثورة الإنترنت»، بقوله: «في حياتي رأيتُ عرضين للتكنولوجيا صدمني كل منهما لأنهما كانا ثوريين، كانت المرة الأولى في العام 1980 عند تعرّفت على واجهة مستخدم تستخدم الرسوم – نظام التشغيل windows ، وجاءت المفاجأة الكبيرة الثانية، عندما رأيتُ للتو أهم تقدّمٍ في التكنولوجيا منذ واجهة المستخدم الرسومية السابقة، وهو (Chat GPT)، وألهمني هذا التفكير في كل الأشياء التي يُمكن أن يُحققها الذكاء الإصطناعي في السنوات الخمس المقبلة»،
والآن لم يعد الأمر وقفاً على (Chat GPT) فقط الذي يعد باكورة برامج الذكاء الإصطناعي التي تطورت إصداراتها، وتنوعت مسمياتها، وأصبحنا نعيش في عالمٍ من تقنياته الكثيرة والمتعدّدة، والتي ستستخدم في العديد من المجالات؛ التعليمية والطبية، والصناعية، والتحكُّم الآلي والقيادة الذاتية للمركبات، وإجراء المسوحات لأعماق البحار والمحيطات وطبقات الفضاء المختلفة، والتنبوءات الجوية.. وغيرها؛ كما ينفّذ العديد من المهام الصعبة والمعقَّدة كالتحليل الإحصائي، والعمل كمحرّك بحث، والترميز والبرمجة، وكشف الثغرات الأمنية، والبحث العلمي، والتواصل الاجتماعي، وشـرح المواضيع المعقدة ببساطة، والتخاطب باللغات العالمية، وتطوير الألعاب، وأتـمتة المهام الإدارية.. وغيرها؛ مما جعل العديد من الشـركات والدول الإعلان عن إستثمارها وضخها لمليارات الدولارات في هذا المجال الخصب، لنكون على موعدٍ مع ثورةٍ حقيقيةٍ عنوانها واسمها «الذكاء الإصطناعي.. الغول المقبل».
بإختصار، إن الذكاء الإصطناعي سيُشكل ثورةً تكنولوجيةً ضخمةً ستغيّر كل جوانب حياتنا بشكلٍ عام، والعمل البنكي بشكلٍ خاص، ولعلّ هذا حادث، فالبنوك الأميركية كـ «دويتشه بنك»، ومجموعة ING Group المصـرفية، ومصـرف «ويلز فارغو» تُعد من أوائل البنوك في العالم إستخداماً لتقنيات الذكاء الإصطناعي، تلتها العديد من البنوك الأوروبية والصينية وغيرها.
أما عربياً فنلاحظ الطموح الكبير للمملكة العربية السعودية في إعتماد الذكاء الإصطناعي في كل أعمالها ومؤسساتها بل وتستعد لإنشاء (300) شـركة متخصّصة للذكاء الإصطناعي في حلول العام 2030 وبالطبع البنوك السعودية على رأسها، تلتها دولة الإمارات العربية المتحدة التي إستحدثت وزارةً للذكاء الإصطناعي (AI) في مبادرةٍ هي الأولى عالمياً من نوعها، كما أن هناك تجارب ملموسة للعديد من الدول العربية، حيث تعمل البنوك العربية على إستخدام تقنيات الذكاء الإصطناعي في أعمالها، وإن كانت بنسبةٍ قليلة إلاّ أن لها بصماتٍ واضحةٍ في هذا المجال.
الذكاء الإصطناعي وفوائده في البنوك
تزداد أهمية الذكاء الاصطناعي (AI) في القطاع المصـرفي من حيث عمل على تعجيل عملية التحول الرقمية في هذه البنوك، وجعلها ضـرورةً حتميةً لا بد منها، كما أنه سهل لها العديد من المعضلات الكبيرة في أعمالها، كتحليل البيانات الضخمة، وتقديم الإستشارات المالية المخصّصة للعملاء، وأتـمتة العمليات المصـرفية عبر الروبوتات (Chatbot) التي تتولى مهاماً مثل معالجة المعاملات، والرد على إستفسارات العملاء، وتحليل المخاطر، وغيرها من الأعمال.
ونورد هنا بعض النماذج أو التجارب الناجحة في العمل البنكي، ومنها: منصة «سوب تك (SupTech)» للتعامل مع تعقيدات القطاع المصـرفي، ونموذج المحادثة (chatbot) للإستعلام عن بيانات الرقابة والمنهجيات الإحترازية، و«أثينا» (Athena) لترجمة وتحليل ودمج محتوى المستندات، و«غابي» (GABI) لإجراء المقارنات، و«نافي» (NAVI) لتأمين نظرة شاملة وواضحة عن هياكل الملكية المعقدة للمصارف، و«همدال» (Heimdall) لتقييم سمعة ومهارات أعضاء مجلس الإدارة في المصارف، و«ميدوزا» (Medusa) لصياغة التقارير والتحقق من إتساقها مع عمليات التفتيش، و«أغورا» (Agora) للعثور على نقاط بيانات محددة، وغيرها.
ويُتوقع أن تحدث تقنيات الذكاء الإصطناعي ثورةً في مجال العمل المصـرفي، وفوائد عدة نوردها:
- التنبؤ بالسوق عن طريق تحليل توجهات السوق؛ مما يساهم في إتخاذ قراراتٍ صحيحةٍ وفي فترةٍ زمنيةٍ وجيزة، إضافةً إلى تحليل بيانات الزبائن لتقديم الإستشارات المالية لهم، وتشجيعهم على الإقبال على منتجات البنوك، كما يُمكن لأنظمة الذكاء الإصطناعي والروبوتات، أتـمتة العديد من العمليات التشغيلية مما يؤدي بدوره إلى تحسين التكاليف وتقليل الأخطاء البشـرية.
- الكشف عن الإحتيال عبر إستخدام خوارزميات الذكاء الإصطناعي ونماذج التعلم الآلي التي تُسجِّل البيانات التاريخية لحالات الإحتيال، وتكشف عن السلوكيات التي تحمل سماتٍ مشابهة للعمليات الإحتيالية، كإنتحال الهوية، وغسيل الأموال، وحماية العملاء من الخسائر.
- تحليل المخاطر وتقييم الجدارة الائتمانية عن طريق تحليل وتقييم طلبات القروض الإئتمانية التي تـمنحها البنوك لعملائها، وذلك عبر إستخدام الأتـمتة المكثفة والتحليل اللحظي لبيانات العملاء عن طريق تحليل مجموعة متنوعة من البيانات من مصادر مختلفة، مثل تاريخ المعاملات البنكية، وتقرير الإئتمان، فضلاً عن دورها في الإمتثال للوائح المختلفة من خلال أتـمتة عملية المراقبة والإبلاغ عن الأنشطة المتعلقة بالامتثال.
- تعزيز إستخدام واجهة برمجة التطبيقات (APIS) من خلال تفعيل المزيد من الإجراءات الأمنية وأتـمتة المهام المتكررة، ما يجعلها أكثر صلابةً وقدرة.
- ولعلّ الجانب الأبرز في إستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي تتمثل في خدمة العملاء، وذلك عبر الدردشة الآلية والمساعدين الافتراضيين، ومعالجة مجموعة متنوعة من المهام، من مساعدة العملاء في العثور على بطاقات الإئتمان المناسبة إلى إلغاء الحسابات غير الضـرورية وحتى التفاوض في حالات التحصيل.
لنصل إلى حقيقة مفادها أن القطاع المصـرفي سيصبح من أكثر القطاعات إستفادةً من تقنيات الذكاء الإصطناعي؛ نظراً إلى قدرة الذكاء الإصطناعي على الرفع من كفاءة هذا القطاع في مجالاتٍ عديدة؛ كالإئتمان، والوساطة المالية، والتأمين، وتوقع أوضاع السوق، والتدفقات النقدية، وسيُحقق إدارة أفضل للأصول والسيولة والمدفوعات والمهمات المتكررة، وسيُساهم في تقديم خدمات أفضل للعملاء ويعزّز قدرة القطاع على كشف الإحتيال و«الإمتثال» الدقيق للوائح التنظيمية، في مقدمها «إعرف عمليك» (Know Your Customer – KYC) ومكافحة غسل الأموال وتـمويل الإرهاب.
الذكاء الإصطناعي في البنوك اليمنية
يذهب التقرير الإقتصادي السنوي لبنك التسويات الدولية (BIS) إلى التوصية بأهمية إستخدام الذكاء الإصطناعي في البنوك، موضحاً العديد من التوقعات التي ستؤثر تقنيات الذكاء الإصطناعي على النظام المالي بشكلٍ عام والنظام المصـرفي بشكلٍ خاص؛ أي أن بمقدور الذكاء الإصطناعي أن يعيد تشكيل أسواق المال والأعمال، وتحديد توجهات الإنتاج والنمو الإقتصادي، وتوقع التضخُّم وما هي العوامل التي تساهم فيه، والطلب على الأوراق النقدية، وإجراء تحليلٍ معمق للإستقرار المالي، ودعم التنظيم الإحترازي الكلي، تحليل كميات البيانات المصـرفية بسـرعة ودقة وتحسين اكتشاف الأخطار.. إلخ.
وكدراسةٍ حقيقيةٍ على البنوك اليمنية من خلال زيارة مواقعها الإلكترونية، والبحث في منصاتها الرقمية وفي مواقع التواصل الاجتماعي، ومن خلال تجارب حقيقية مع بعض المنتجات والخدمات الإلكترونية التي أطلقتها تلك البنوك، نجد بأن الذكاء الإصطناعي في البنوك اليمنية بشكلٍ عام عبارة عن مصطلحٍ تلوكه الألسن، وتتمناه الخواطر فقط، لم يجد طريقه للتطبيق في أعمالها وخدماتها؛ اللهم إلا من تجربةٍ فريدةٍ وطموحة تتمثل في بنك اليمن والكويت للتجارة والإستثمار، الذي كان صاحب السبق في هذا المجال على مختلف البنوك اليمنية.
الذكاء الإصطناعي في بنك اليمن والكويت
حرص بنك اليمن والكويت للتجارة والإستثمار خلال مسيرته على مواكبة كافة التطورات في المجال الرقمي، وتحديداً ونحن اليوم في أتون الثورة الصناعية الرابعة؛ التي هي بالدرجة الأولى ثورةٌ رقمية تقوم على تقنياتٍ ذكيَّة، مثل: الذَّكاء الإصطناعي (AI)، وتعلُّـم الآلة (ML)، وشبكات إنترنت الأشياء (IoT)، والتحليلات المتقدمة وأتـمتة العمليات بالروبوتات (RPA)، وسلاسل الكُتل (البلوك تشين)، وتقنيات الحوسبة السحابية.. وغيرها، والتي يجب أن يكون لأيّ بنكٍ أو مؤسسةٍ مصـرفية موضع قدمٍ فيها في جميع أعماله ونشاطاته؛ حيث واصل البنك التوسع في عمليات الأتـمتة، وإعادة هندسة العمليات، ودعمها عبر إعتماد تقنياتٍ جديدة، مثل: إنترنت الأشياء، والذَّكاء الإصطناعي، وغيرها من الحلول التي أصبحت شيئاً واقعاً في عالم اليوم بشكلٍ عام، والعمل المصـرفي بشكلٍ خاص.
ومن هذا المنطلق، فقد تبنَّى بنك اليمن والكويت رؤيةً واضحةً للإرتقاء بأعماله إلى مصاف البنوك الرائدة القائمة على الذكاء الإصطناعي، وكان تاريخ 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2022 هو موعد إطلاق أول إدارةٍ متخصّصةٍ في مجال الذكاء الإصطناعي في اليمن، سبقه إعتماد الذكاء الإصطناعي والبيانات كركائز رئيسية في خطته الإستراتيجية الطموحة، ليعلن البنك من خلالها عن رؤيته ورسالته في هذا المجال، وذلك لخلق تجارب مخصصة وذكية، وإتباع نهج قائم على الإحتياجات لتطوير منتجات البيانات والذكاء الإصطناعي التي تضيف قيمةً فوريةً للبنك، ولعملائه، تتمثل عبر: إدارةٍ آمنةٍ لبياناتٍ شاملة عن العملاء والعمليات، ومنصّة بيانات وذكاء إصطناعي متصلةٍ وذكية، وزيادة تدفق المعلومات في كافة أنحاء البنك، ورفع مهارات موظفيه وتـمكينهم من إستخدام تقنيات الذكاء الإصطناعي وعلوم البيانات المتقدمة من أجل تعزيز وتطوير خدمات ومنتجات البنك، وجعلها ذات قيمةٍ كبيرة. وعقب إطلاق هذه الإدارة ورفدها بالكوادر الوظيفية المتخصصة والمؤهلة، فقد بدأ البنك في حصد إدخالها لتقنيات الذكاء الإصطناعي في أعماله، ومنها:
تخريج الفوج الأول من سفراء الذكاء الإصطناعي والبيانات.
- تنفيذ البنية التحتية للبيانات الضخمة وتحليلاتها (مايكروسوفت أزور & باور بي آي).
- دمج وإثراء وأتـمتة مشاريع تحليلات المراكز المالية، وتحليلات بطاقات الدفع، وتحليلات الفوركس بالإضافة إلى (Social Listening Platform).
- تنفيذ مشـروع تحديث بيانات العملاء.
- إطلاق العديد من منتجات البيانات (Data Products).
- تطبيق علم البيانات (Data Science)،
- تنفيذ الأتـمتة الذكية (Intelligent Automation).
- تنفيذ حوكمة البيانات (Data Governance).
- تعزيز القدرات في الذكاء الإصطناعي.
ومن خلال ذلك، فإن بنك اليمن والكويت قادمٌ لا محالة في هذا المجال، وذلك عبر تحوُّله رقمياً، ومن ثم تحوُّله لإدارةٍ شاملةٍ للبيانات، وأتـمتةٍ ذكية للعمليات، ورقمنةٍ للبيانات ودمجها من صوامع البيانات، وتوليد القيمة الإقتصادية، وذكاء الأعمال أي قراراتٍ مستنيرةٍ بالبيانات، ومن ثم حوكمةٍ للبيانات، ومنصات البيانات، ومحو الأمية بالبيانات، وكلّها تعتمد على كل ركيزةٍ وعلى الركائز الأخرى لضمان قدرة البنك على زيادة القيمة إلى أقصـى حد، مع تقليل وتصفير المخاطر وغيرها.
الذكاء الإصطناعي وإنتاجاته في البنك
وكواقعٍ ملموس قام بنك اليمن والكويت بإطلاق العديد من المنصّات والمساعدات الإفتراضية كـ (منصة أنا)؛ وهي منصةٌ إلكترونية تعمل بالذكاء الاصطناعي مرخصة من البنك المركزي اليمني، ومعتمدة من مصلحة الأحوال المدنية، حيث يُمكن تحويل الهوية الشخصية للعميل إلى هوية رقمية تُـمَكِّنه من فتح حساباتٍ بنكيةٍ في بنك اليمن والكويت عن بُعد، ومن أي مكان، وفي أي وقت، وذلك عبر إدخال بياناته المطلوبة وإتباع التعليمات.
كما يُمْكِنه الإرتباط بمصادر بيانات وتقنيات موثوقة، وإنشاء ملف إلكتروني له يستطيع مشاركته، والتحكُّم به في جميع القنوات الإلكترونية في مختلف المجالات مثل: البنوك – المحافظ– المواقع الإلكترونية– المؤسسات الخاصة – المؤسسات الحكومية – الاتصالات… إلخ، والاشتراك في هذه المنصّة، بحيث إنَّ مستخدماً واحداً يساوي بصمة وجهٍ فريدة واحدة، يساوي ملفاً شخصياً واحداً، كما قام البنك أيضاً بإطلاق مشـروع المجيب الآلي لاستفسارات الموظفين عبر الذكاء الإصطناعي.
في الخلاصة، يفخر بنك اليمن والكويت، كونه دائماً الرائد في تطبيق أحدث التقنيات الجديدة في عالم المصارف، والإستفادة منها لإضافة قيمٍ جديدة لعملائه، بل ولأثره الواسع لعملياته في تحقيق النمو المستدام، وتحقيق الكفاءة التشغيلية لديه وسـرعته في إنجاز العمليات، وتعزيز الضوابط الداخلية، وتوكيد قدراته التنافسية في السوق المصـرفية اليمنية.