حالة عدم اليقين هو اليقين الوحيد في مشهد النفط
(العربية)-28/02/2025
*د. فيصل الفايق
يضغط الرئيس الأميركي ترامب على العراق لاستئناف صادرات النفط من إقليم كردستان في شمال العراق عبر خط الأنابيب الممتد من كركوك إلى ميناء جيهان، والذي كان يعبر منه أكثر من مليون برميل يوميًا وصولًا إلى ميناء جيهان التركي على البحر الأبيض المتوسط، يعمل حاليًا بمعدل أقل بكثير، حيث تتراوح طاقته التشغيلية الحالية بين 300 و 400 الف برميل يوميا. ومع ذلك، يبقى السؤال الرئيسي: هل هناك طلب كافٍ من أوروبا وسوق البحر الأبيض المتوسط لاستيعاب هذه الإمدادات الإضافية؟ بالنظر إلى التباطؤ الاقتصادي المستمر في القارة العجوز.
هل تستطيع الولايات المتحدة تحقيق أهدافها الجيوسياسية دون الإخلال بتوازن أسواق النفط؟
تسعى الولايات المتحدة مرة أخرى إلى فرض نفوذها على أسواق النفط العالمية، هذه المرة من خلال الضغط على العراق لاستئناف تصدير النفط الكردي عبر تركيا بعد توقف دام نحو عامين، كما حذرت واشنطن العراق من أن عدم استئناف هذه الصادرات قد يؤدي إلى فرض عقوبات، كما يُسلّط هذا الضغط الضوء على تزايد اعتماد الولايات المتحدة على استخدام صادرات النفط كأداة للتأثير على “منظمة أوبك”، لا سيما مع اقتراب موعد تجديد الإعفاءات التي تسمح للعراق باستيراد الغاز الطبيعي الإيراني الذي يستخدم لتوليد الكهرباء ويتأثر بالعقوبات الأميركية على إيران. ومع ذلك، فقد منحت الولايات المتحدة العراق إعفاءات لمواصلة استيراد الغاز من إيران على الرغم من العقوبات لتجنب نقص الكهرباء. يعكس هذا القرار تعقيد الاستراتيجية الأميركية في إدارة طموحاتها السياسية بتوظيف تغييرات كبيرة في سياسات الطاقة لخدمة المصالح الجيوسياسية، والتي تكون ربما على حساب استقرار الأسواق.
هل تغيير سياسات الطاقة الأميركية يُهدد أمن الطاقةالعالمي؟
في شهر يونيو عام 2024، تجاوز العراق حصة سقف انتاج تحالف منتجي “أوبك بلس” بمقدار 184 الف برميل يوميًا. وبحلول شهر أكتوبر عام 2024، بلغ إنتاجه 4.14 مليون برميل يوميًا، متجاوزًا حصته البالغة 3.905 مليون برميل يوميًا. وبالتالي، فإن العراق سبق أن أنتج كميات تفوق حصة سقف انتاج “أوبك بلس”، وقد أقر بهذا التجاوز وهو يعمل حاليًا على اتخاذ تدابير للامتثال لمستويات الإنتاج المتفق عليها.
ومع ذلك، فإن عودة الإمدادات النفطية غير المجدولة من العراق تأتي في وقت يشهد حالة عدم يقين كبيرة في سوق النفط العالمي، زادتها تعقيدًا العقوبات المفروضة على صادرات النفط الروسية. في الوقت نفسه، انتهزت الولايات المتحدة الفرصة لتوسيع صادراتها النفطية. ومع ذلك، يظل من غير الواضح ما إذا كان هذا التحرك يهدف إلى تعويض أي تراجع محتمل في الصادرات الإيرانية نتيجة العقوبات الأميركية، وتظل هذه الفرضية غير واردة نظرًا للاختلافات الكبيرة في مواصفات النفط الخام، ونطاق الأسواق، والاعتبارات الجيوسياسية بين النفط من كردستان العراق وإيران. لذلك، يجب على الولايات المتحدة تقييم التداعيات الأوسع نطاقًا لسياساتها، لا سيما فيما يتعلق بتوازن العرض والطلب باتباع نهج استراتيجي يحقق الأهداف السياسية دون التسبب في اضطرابات في أسواق النفط العالمية.
يبرز الضغط الأميركي الأخير على العراق لاستئناف صادرات النفط الكردي التداخل بين سياسات الطاقة وأمن الطاقة العالمي، ولا ينبغي الاستهانة بالتداعيات طويلة الأجل لمثل هذه السياسات. ومن أجل الحفاظ على استقرار نظام الطاقة العالمي، يجب على الولايات المتحدة التأكد من أن قراراتها السياسية لا تؤدي إلى تقلبات غير محمودة في الأسواق. هناك حاجة إلى استراتيجية أكثر توازنًا، تأخذ في الاعتبار الطبيعة المترابطة لأسواق الطاقة العالمية وتأثيرها على المنتجين والمستهلكين على حد سواء، لا سيما وأن الولايات المتحدة نفسها تعد أكبر منتج ومستهلك للنفط في العالم.
وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة ربنا قد تستخدم العقوبات لتحقيق أهدافها الجيوسياسية، فإن لهذه الإجراءات تداعيات واسعة النطاق، قد تؤدي إلى زعزعة استقرار أسواق الطاقة والتأثير على اقتصادات المنتجين والمستهلكين. وتثير العقوبات المفروضة على صادرات الطاقة تساؤلات حول مدى استدامة هذه الاستراتيجية على المدى الطويل، ويظل السؤال الأهم: هل يمكن تحقيق الأهداف الجيوسياسية دون تهديد أمن الطاقة العالمي؟
تعقيدات سوق النفط والتحديات التي تواجهها “منظمة أوبك“
مع ترقب متداولي السوق لاحتمال عودة الصادرات النفطية العراقية عبر كردستان، يجد سوق النفط نفسه أمام مفترق طرق جديد. في الوقت ذاته، قد يواجه منتجي “أوبك بلس” تحديًا متزايد التعقيد: كيفية التخلص التدريجي من تخفيضات الإنتاج دون التسبب في تقلبات السوق. ويزيد من تعقيد معادلة التحديات الاقتصادية، لا سيما في الولايات المتحدة، حيث تؤدي التحولات السريعة في السياسات والتهديد الوشيك لحرب تجارية عالمية إلى زيادة حالة عدم اليقين. كما أن توجه السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، إلى جانب استراتيجيات الطاقة المتغيرة، قد يؤثر بشكل كبير على نمو الطلب على النفط في أكبر اقتصاد في العالم.
وفي الوقت نفسه، تستمر التوترات الجيوسياسية في التأثير على توقعات العرض والطلب، وسيكون للتفاعل بين هذه الضغوط الجيوسياسية وسياسة إنتاج أوبك دور حاسم في تشكيل استقرار السوق خلال الأشهر المقبلة. وبالتالي، فإن إنهاء تخفيضات الإنتاج بشكل مبكر قد يؤدي إلى إغراق السوق بالنفط واحداث تقلبات هبوطية حادة للأسعار.
لذلك تجد صناعة النفط نفسها في لحظة حاسمة، حيث يحمل كل تغيير جيوسياسي عواقب كبيرة على الأسواق العالمية. وبينما تعمل “منظمة أوبك” جاهدة على تحقيق توازن بين العرض والطلب وسط الإشارات المتضاربة القادمة من سياسات الطاقة الأميركية، فإن الرسالة واضحة: عدم اليقين هو اليقين الوحيد في مشهد النفط اليوم. وستشهد الأشهر القادمة تحديات كبيرة لقدرة تحالف منتجي “أوبك بلس” على التكيف مع استمرار حالة عدم اليقين، وضمان بقاء سوق النفط العالمي متوازنًا وقادرًا على الصمود.