هل بدأ الانفصال بين أكبر اقتصادين؟ وما تبعاته على البلدين والعالم؟
(الشرق الاوسط)-03/03/2025
بعد إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، عزمه على فرض رسوم جمركية بدءاً من يوم الثلاثاء 4 مارس (آذار) على كل من المكسيك وكندا والصين، وتهديده بفرض رسوم جمركية لاحقاً على دول الاتحاد الأوروبي، تكون الولايات المتحدة قد دخلت حرباً تجارية، ستحدد إلى حد بعيد مستقبل علاقاتها مع معظم شركائها وحلفائها وخصومها. غير أن التأثير الأكبر لهذه «الحرب» الجديدة، سيتأتى من الصين. وبعد نسبة 10 في المائة التي فرضها ترمب مطلع فبراير (شباط)، أعلن عن نسبة 10 في المائة إضافية، الأمر الذي ردت عليه الصين بالتوعد باتخاذ «كل التدابير المضادة الضرورية».
غير أن هذا التصعيد طرح كثيراً من التساؤلات عمّا إذا كان «فك الارتباط» بين أكبر اقتصادين في العالم قد بدأ بالفعل، وعن تأثير ذلك على البلدين والعالم.
ويرى البعض أن الورقة الرابحة الرئيسية في تحديد مدى تقدم الولايات المتحدة في حربها مع الصين، هو ترمب نفسه. فهو مهتم بإبرام صفقة محتملة مع الرئيس الصيني شي جينبينغ. ويرجع ذلك جزئياً إلى فشل الصين في الوفاء بشروط الاتفاق الذي وقّعه الزعيمان في أوائل عام 2020.
ويقول المستشارون الحاليون والسابقون إن ترمب يتبنى وجهة نظر أكثر تعاملية تجاه قضايا مثل الاستثمار الصيني مقارنة بكثير من مستشاريه الأكثر تشدداً، وهو الموقف الذي قد يؤدي إلى استمرار العلاقات الاقتصادية في مقابل صفقة يشعر بأنها تعود بالنفع على الولايات المتحدة.
سياسة جمهورية وديمقراطية
فسياسة زيادة الرسوم الجمركية، ليست «جمهورية»، بل و«ديمقراطية» أيضاً، وسط «إجماع» سياسي وشعبي قلّ نظيره تجاه العلاقة مع الصين. غير أن القرارات التي اتخذها ترمب منذ توليه منصبه، تظهر أنه يفكر في مجموعة أوسع بكثير من القيود الاقتصادية على بكين، والتي يمكن أن تسرع بشكل أكثر عدوانية من انفصال أميركا عن شريك تجاري مهم. وهو ما يتعارض، ولو جزئياً على الأقل، مع توصيات وزيرة الخزانة الأميركية السابقة المؤثرة وصاحبة الخبرة العميقة، جانيت يلين، عندما أشارت إلى أن التنافس مع الصين، يجب ألّا يقودنا إلى فك الارتباط معها، بسبب تشابك الاقتصادين والنتائج الكارثية المتوقعة.
وفي بداية فبراير (شباط)، فرض ترمب نسبة 10 في المائة، في خطوة وصفها بأنها «ضربة افتتاحية». واقترح حتى الآن توسيع القيود على الاستثمارات المتدفقة بين الولايات المتحدة والصين، بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي، وفرض مزيد من القيود على الاستثمارات الصينية ومبيعات التكنولوجيا إلى الصين.
أداة مساومة أم انفصال حقيقي؟
البعض عدّ الأمر «أداة مساومة» قبل بدء المفاوضات مع الزعيم الصيني. لكن إيلين ديزنسكي، المديرة البارزة لمركز القوة الاقتصادية والمالية، في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات في واشنطن، تقول إن الانفصال الاقتصادي بين البلدين جارٍ على قدم وساق بالفعل، وكان كذلك خلال العقد الماضي، في ظل إدارتي ترمب وبايدن السابقتين.
ولفتت في حوار مع «الشرق الأوسط»، إلى أن السؤال الحقيقي هو ما إذا كان بوسعنا (أو ينبغي لنا) أن نفعل أي شيء لوقفه، أم لا. صحيح أن الانفصال سوف يسبب الألم لكلا الاقتصادين – وإن كان من شأنه أن يسبب ألماً أعظم للصين مقارنة بالولايات المتحدة، نظراً لضعف اقتصاد الصين واعتمادها على الصادرات – لكنه سوف يخلق أيضاً فرصاً هائلة، سواء في الولايات المتحدة أو في مختلف أنحاء العالم، مع تسابق البلدان الثالثة والأسواق الناشئة لسد الفجوات مع انفصال الأسواق العالمية عن الصين. وفي نهاية المطاف، فإن الترتيب الحالي ليس مستداماً سواء بالنسبة للولايات المتحدة أو للصين.
الصين بدأت الانفصال
وقالت ديزنسكي إن الجزء الأعظم من هذا الانفصال يأتي من الصين نفسها. إذ، وعلى الرغم من فتح الاقتصاد الصيني ظاهرياً، سعى الرئيس شي إلى فك الارتباط بين الاقتصادين بنشاط، والدفع بأبطال محليين لطرد الشركات الأجنبية، والقضاء على الاعتماد على المدخلات الأجنبية لسلاسل التوريد، والدفع نحو مزيد من التجارة مع الجنوب العالمي لتقليل الاعتماد الاقتصادي على الولايات المتحدة كسوق تصدير.
وأضافت ديزنسكي: «الأمر الأكثر أهمية هو أن المشاركة الاقتصادية بين الاقتصادين إشكالية للغاية وغير مستدامة بطرق تجب معالجتها. وتُستَخدَم التعريفات الجمركية، مرة أخرى من بايدن وترمب، لممارسة القوة الاقتصادية الأميركية ضد الصين من أجل فرض إعادة التوازن. وكما استُخدِمَت ضوابط التصدير وأدوات أخرى من أدوات الحكم، من المرجح أن يستمر استخدامها، من قِبَل كل من الصين والولايات المتحدة، في هذه الديناميكية. ولكن في نهاية المطاف، هناك حاجة إلى صفقة اقتصادية جديدة بين الدول إذا كنا سنستمر في كوننا شركاء تجاريين رئيسيين. وأعتقد أن هذا هو ما تعنيه هذه الإدارة باستخدام لغة مثل (الضربة الافتتاحية). أتخيل أنه إذا لم يتمكن ترمب وشي من التوصل إلى اتفاق أفضل بين اقتصاداتنا، فلن تكون هذه سوى الضربة الأولى من بين كثير من الضربات».
وبينما أعرب ترمب عن دعمه للاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة التي يعدُّها بعض الجمهوريين قضايا تتعلق بالأمن القومي، مثل اقتراح شركة «نيبون ستيل» اليابانية للاستثمار في شركة «يو إس ستيل»، أو إنقاذ تطبيق «تيك توك»، قال إنه سيرحب بالشركات الصينية لبناء مصانع السيارات في الولايات المتحدة طالما أنها توظف محلياً. ويقول مستشاروه إنه قد يستمر في زيادة الضغوط على بكين، لأنه قد يرى في ذلك وسيلة لإجبار المسؤولين الصينيين على تقديم تنازلات. ونتيجة لذلك، قد تتصاعد التوترات التجارية في الأشهر المقبلة.
دعم الاستثمار السلبي
لكن توجيهات ترمب في قضايا الاستثمار، كانت عبارة عن مذكرة رئاسية وليس أمراً تنفيذياً، مما يعني أنها لم تؤثر على السياسات بشكل فوري. فقد طلب من وزارة الخزانة والوكالات الأخرى، وضع قواعد جديدة لمنع الشركات والمستثمرين الأميركيين من القيام باستثمارات من شأنها أن تساعد في التقدم العسكري للصين، ومنع الأشخاص المرتبطين بالصين «من شراء الشركات والأصول الأميركية الحيوية» بشكل منهجي، للحصول على التكنولوجيا والملكية الفكرية والنفوذ في الصناعات الاستراتيجية. وطلب استبدالها بالاستثمار «السلبي»، الذي يمنع المستثمرين من الحصول على حصص مسيطرة أو نفوذ إداري في الشركات المستهدفة.
لكن تأثيرات ذلك قد تكون محدودة لأن استثمارات الصين في أميركا تراجعت بالفعل منذ عام 2017. فما الذي يمكن أن تحققه واشنطن إذا تضررت صورتها بوصفها ملاذاً استثمارياً، في الوقت الذي تعلن فيه حرباً تجارية على الحلفاء والشركاء والمنافسين؟
المتضرر الأكبر هو الصين
تقول ديزنسكي إن الاستثمار في الولايات المتحدة امتياز وليس حقاً. فالولايات المتحدة هي أقوى اقتصاد في العالم، وهي موطن لأكثر الأصول أماناً في العالم. وأضافت في حديثها مع «الشرق الأوسط»: «نحن لسنا على أعتاب استثمار ضئيل للغاية، بل الكثير للغاية. ولكن هذا الاستثمار لا بد أن يتم وفقاً لقواعد معينة. ولا بد أن تكون هناك حواجز واضحة على ما هو مسموح به من جانب الخصوم والحلفاء. وبالنسبة للدول التي تسعى إلى سرقة ملكيتنا الفكرية، أو تقويض اقتصادنا، أو إضعافنا، فإن الاستثمار في الولايات المتحدة سوف يكون من خلال الاستثمار السلبي وحده. وهذا هو ما ينبغي أن يكون عليه الحال. وبالنسبة للدول التي تستطيع أن توافق على الشفافية وسيادة القانون، فإن فرص الاستثمار سوف تكون أعظم. والواقع أن تبسيط اللوائح التنظيمية من المرجح أن يجعل الاستثمار أكثر جاذبية لحلفاء أميركا الاقتصاديين».
وتضيف ديزنسكي: «من الصحيح تماماً أن الاستثمار الصيني في الولايات المتحدة انخفض منذ عام 2017، لكن في الواقع فإن الاستثمار الصيني في مختلف أنحاء العالم انخفض مع مواجهة اقتصادها لرياح معاكسة لا حصر لها، وفشل رهانها الكبير على مبادرة (الحزام والطريق). وهذا لا يشكل سبباً كافياً لتجاهل التهديد الاقتصادي والأمن الوطني الذي يشكله الاستثمار غير المنظم من جانب خصومنا. والواقع أن هذه الفترة من الهشاشة الاقتصادية في الصين وروسيا وإيران تشكل خطورة بالغة، وهي فترة يتعين علينا أن نحرص فيها على اتخاذ الخطوات الكفيلة بمنع هذه البلدان (اليائسة) على نحو مزداد من استخدام الاقتصاد الأميركي المفتوح سلاحاً ضدنا».