إلى أين يسير الاقتصاد العالمي؟
(العربية)-05/03/2025
*صالح السلطان
مر الاقتصاد العالمي بأحداث غير عادية في العام الماضي وما مضى من هذا العام 2025. واتسعت التوقعات مع ما تبناه الرئيس الأميركي وحكومته من سياسات اقتصادية مضادة مع كبريات الدول المصدرة لأميركا. سياسات تقوم على رقع معدلات الرسوم والضرائب الجمركية. ومن أهداف هذه السياسات في أميركا تقليل العجز التجاري، وإنعاش الصناعات التقليدية المتضررة من كون الواردات من دول كبيرة أرخص من المنتجات الأميركية.
لكنها سياسات تعمل بطبيعتها على إعادة تشكيل الاقتصاد العالمي وعلى إعادة توجهات الدول الكبرى في علاقاتها الاقتصادية مع أميركا. ومن جانب آخر، تلك السياسات لا تحقق لأميركا مصالح يتوخاها كثير من ذوي النفوذ الأميركي من رئيس وغيره. العالم يمر ويواجه سباقا وتنافسا عالميا أكثر تعقيدا. مكانة أميركا الاقتصادية عالميا في انحدار تدريجي لأنه بسيط بالنسبة المؤية السنوية. طبعا هذا الانحدار جعلها أقل تأثيرا اقتصاديا مما كانت عليه مطلع هذا القرن. ذلك لأن دولا كثيرة نمت اقتصاداتها بقوة منذ بداية هذا القرن، وعلى رأسها الصين. وجر ذلك إلى سباق اقتصادي عنيف ونوع حرب تجارية بين أميركا ودول أخرى وخاصة الصين، ما له تأثيرات بالغة في اقتصاد الدولتين وعلى الاقتصاد العالمي.
تبعت دول أخرى نهج الصين في مكافحة سياسات أميركا تجاه الاستيراد. بعبارة أخرى، تبنت مجموعات وكبريات الدول الأخرى المتأثرة سياسات مضادة. تلك الأحداث طبعا تسببت في جلب تغييرات في الوضع الاقتصادي عالميا، سواء الاقتصادي المحض، أو المختلط بتوترات أخرى من سياسية وغيرها. وباختصار، زادت التوترات الاقتصادية والمالية في أسواق العالم.
العجز التجاري السلعي الأميركي مع الصين كبير، وبلغ نحو 300 مليار دولار في العام الماضي، وفقاً لبيانات مكتب الإحصاء الأميركي. ويعتقد ترامب أن فرض رسوم جمركية كبيرة سيقلل هذا العجز كثيرا. لكن هذا الفرض له تأثيرات سلبية في المستهلكين داخل أميركا، وعلى الشركات داخلها التي تعتمد على الواردات.
وفي الشرق الأوسط تصاعدت توترات في أماكن، على رأسها غزة وفلسطين المحتلة عامة. بالمقابل حققت دول أخرى منافع لكونها مصدرة لسلع وخامات، ولكونها بعيدة عن التوترات، بل تلجأ إليها دول كثيرة طلبا للمساعدة على مكافحة التوترات. كما تشهد استقرارا وتطورا ونموا وتنوعا اقتصاديا ملموسا وعلى رأسها بلادنا أدام الله عزها وخيرها. كما تضمنت الأحداث ظهور نجوم في سماء الاقتصاد وأسواق المال على مستوى قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والعملات المشفرة.
وشهد الأسبوع الماضي الاجتماع الأول هذا العام لوزراء مالية مجموعة العشرين ومحافظي البنوك المركزية. في هذا الاجتماع تطرق الجدعان، وزير المالية السعودي إلى ما يواجهه الاقتصاد العالمي من تحديات، ونمو بطيء وديون مرتفعة، وتوترات تجارية. وأشار إلى الحاجة الملحة إلى تنسيق فعّال وتعاون متعدد الأطراف. وتطرق إلى ما تتمتع به بلادنا من فرص وممكنات تطور وازدهار. وكل ذلك بفضل الله وحمده. جعلنا الله من الشاكرين.
كما أكدت في الاجتماع كريستالينا جورجيفا، المديرة العامة لصندوق النقد الدولي على مطلب تحفيز الاقتصاد العالمي، بما يحقق نموا ملموسا. مطلب في زمن بيئة اقتصادية صعبة تتسم بتحديات كبيرة من حيث السياسات الاقتصادية والشكوك السياسية.
كان مما صرحت به كريستالينا أن التوقعات الاقتصادية لعام 2025 تشير إلى نمو عالمي قرابة 3%. هذا معدل نمو أقل من المتوسط المحقق عبر سنين كثيرة. السبب في الانخفاض حسب حديثها استمرار الفجوات بين الاقتصادات الكبرى. وبينما يتوقع انخفاض تدريجي لأسعار الطاقة، يظل خفض التضخم من أهداف البنوك المركزية.
مما جرى عليه التأكيد في الاجتماع السابق أهمية العمل على ما يدعم النمو الاقتصادي باستمرار، ويقف على رأس متطلبات ذلك تحقيق استقرار ملموس في الاقتصاد الكلي والمالي. كما جرى التأكيد على عوامل على رأسها تحسين التعليم وتعزيز المنافسة. لكن هذه المنافسة تتصادم مع مصالح بعض الدول، كأميركا التي رأت حكومتها أن المصلحة في رفع الرسوم الجمركية ولو على حساب المنافسة.
مع تلك التطورات كتب كثير من المتخصصين في الاقتصاد الدولي تساؤلهم عن الاقتصاد الأميركي، هل هو عملاق بأرجل من طين؟.
كان من عوامل تساؤلاتهم خطاب رئيس أميركا المضخم لدور أميركا الاقتصادي، وتجاهل ما تمر به من مشكلات اقتصادية. مشكلات خطيرة، على رأسها ضخامة حجم الدين العام الأميركي الذي تجاوز 33 تريليون دولار. دين بمستوى يضع الاقتصاد الأميركي على حافة أزمات على رأسها موجة تضخم جديد، أو ضعف نمو اقتصادي. ومع ضخامة هذا الدين هناك مشكلات أخرى، ارتفاع معدلات الفائدة، وزيادة الديون الاستهلاكية، ما يجعل الاستقرار الاقتصادي الأميركي موضع شك.
الأحداث السابقة جلبت سؤالا كبيرا: هل ما زالت أميركا الوجهة الاستثمارية الأكثر أمانًا؟ سؤال كبير يتطلب نقاشا مستقلا. وتقبل الله من الجميع الصيام والقيام.