ما وضع البنوك الخليجية أمام التوترات التجارية؟! البنوك قادرة على التعامل مع التداعيات.. ولكن التأثيرات غير المباشرة قد تكون كبيرة على بعض الدول
(اخبار الخليج)-17/04/2025
تؤثر التوترات التجارية العالمية المتصاعدة سلبًا على ظروف الائتمان العالمية وتهدد البيئة التي كانت حتى وقت قريب مواتية لمعظم المقترضين. وفي حال طبقت الإدارة الأمريكية الرسوم الجمركية المعلقة بالنسب التي أعلنتها في البداية، فإن التداعيات الاقتصادية ستكون واسعة وعميقة.
على أية حال، مدة التعليق المعلنة للرسوم الجمركية على جميع البلدان باستثناء الصين هي 90 يومًا، ومن المرجح أن تؤدي حالة عدم اليقين السائدة إلى تراجع ثقة الشركات والمستهلكين أكثر وتزايد المخاوف بشأن الاستثمار المؤسسي والتوظيف والإنفاق الاستهلاكي والنشاط الاقتصادي عمومًا.
وفي هذا السياق، اختبرت وكالة «إس آند بي جلوبال للتصنيفات الائتمانية» قنوات نقل المخاطر الائتمانية المحتملة للبنوك في دول الخليج، بناءً على سيناريوهات الضغط الافتراضية التي وضعتها، ويبدو أن البنوك قادرة على التعامل مع التداعيات المحتملة بفضل امتلاكها مستويات جيدة من السيولة والربحية ورأس المال.
استيعاب بعد الصدمة
الخبير الاقتصادي د. عبدالحسن الديري، قال إن أسواقنا قابلة للتغيرات والتأثيرات، حيث إن السوق الخليج يحتوي على 60% من المخزون العالمي للنفط، ولا يقل عن الاقتصاديات الكبرى في العالم، نصدر النفط والألمنيوم والبتروكمياويات والصناعات الناشئة، ولكن سلسلة التأثيرات ألقت هذه بظلالها خلال الأيام الأولى من قرار الرئيس الأمريكي، حيث هبطت أسهم بعض البنوك المحلية، وهي ظاهرة صحية وهذا يعني اننا على صلة مع العالم، ولكن بعد استيعاب الصدمة عادت اسعار الاسهم الى المعدلات الطبيعية إلى حد ما، وكذلك الذهب والفضة.
وأضاف الديري لـ«أخبار الخليج»، أن الأسواق استوعبت الصدمة وخاصة بعد إعلان الرئيس الأمريكي اصبحت 90 يوما مدة التعليق المعلنة للرسوم الجمركية على جميع البلدان باستثناء الصين، وبالتالي انتعشت الاسواق وعادت الى وتيرتها السابقة.
ولفت إلى أن هذه التغييرات في السوق فرصة لإعادة النظر في استراتيجية الصناعة لدى دول الخليج عموماً بحيث يكون هناك اعتماد ذاتي في الصناعة خاصة في الامور الاستهلاكية، وكل ما كان هناك نسبة عالية من الاكتفاء الذاتي كانت الدول في مأمن في مثل هذه الظروف، فلو وصلنا على سبيل المثال إلى ما نسبته 30% – 40% من الاكتفاء الذاتي في الصناعات والغذاء، السوق يكون في مأمن في مثل هذه الأزمات، وتكون صمام الأمان.
وأوضح، أن الاكتفاء الذاتي في الغذاء أيضاً مهم جداً لضمان استقرار الأسواق في وقت الأزمات وتقلب الأسواق العالمية، مشيراً إلى الدور المهم للصناعات الصغيرة والمتوسطة التي لديها المرونة الكافية لتكيف خط إنتاجها في مثل هذه الظروف، ولكن بشرط ان تلقى الدعم اللازم من الحكومة لكي تعمل على سد النقص الحاصل في بعض خطوط الإنتاج.
تقلبات السوق وعزوف المستثمرين عن المخاطرة
وبالعودة إلى البنوك الخليجية، يبدو أنها في وضع جيد لمواجهة هذه التهديدات. وتمثل المحافظ الاستثمارية لدى البنوك الخليجية عادةً ما بين 20%-25% من إجمالي أصولها. وتميل أدوات الدخل الثابت عالية الجودة إلى الهيمنة، مع إسهام محدودة من الاستثمارات الأكثر خطورة. ولذلك، فإننا نتوقع أن يظل تأثير تقلبات سوق رأس المال على البنوك قابلًا للإدارة. بالإضافة إلى ذلك، من غير المرجح تحقق الخسائر ما لم تحتاج البنوك إلى تسييل بعض الاستثمارات للتعامل مع هروب رأس المال، الأمر الذي لا نتوقع حدوثه.
وبالنسبة الى بعض البنوك التي تنشط في قطاع الخدمات الاستشارية لأسواق الدين أو رأس المال، فإن التقلبات الحالية قد تؤدي إلى انخفاض الإيرادات. مع ذلك، تسهم هذه الأنشطة – في المتوسط – بنسبة متواضعة فقط في إيرادات البنوك.
وتعتمد بعض البنوك الخليجية بدرجة أكبر على أسواق رأس المال أو استثمارات الأسهم الخاصة، وبالتالي قد تكون أكثر عرضة للمخاطر. ويُعد الإقراض بالهامش مصدرًا آخر للمخاطر مع انخفاض التقييمات. مع ذلك، ندرك أن إسهام هذه القروض في إجمالي دفاتر الإقراض لدى البنوك محدودة وأن تغطيتها لهذه القروض بالضمانات تميل إلى أن تكون متحفظة.
في الوضع القائم، نتوقع أن يُخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس فقط هذا العام وأن تحذو البنوك المركزية الخليجية حذوه. وهذا سيدعم ربحية البنوك الخليجية. مع ذلك، في حال انخفضت أسعار الفائدة بحدة أكبر، فإن انخفاض الهوامش واحتمال تباطؤ نمو الإقراض قد يؤدي إلى إضعاف ربحية البنوك.
البنوك الخليجية قادرة على التعامل
مع الهروب الافتراضي لرأس المال
نظرًا الى تقلبات السوق الحالية، فمن المرجح أن تشهد البنوك الخليجية انخفاضًا في تدفقات رأس المال، وبعضها قد يشهد حتى هروبًا للتمويلات. ولتحديد حجم المخاطر، وضعنا سيناريوهات ضغط افتراضية تفترض هروبًا كبيرًا للتمويل الخارجي، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر، هروب 50% من الودائع بين البنوك لغير المقيمين و30% من ودائع غير المقيمين. لقد افترضنا أيضًا تراجعًا للأصول الخارجية.
ووفقًا لحساباتنا، يبدو أن معظم الأنظمة المصرفية الخليجية قادرة على التعامل مع هروب الأموال الافتراضي. وتعتبر البنوك القطرية أكثر عرضة للخطر من الأنظمة الأخرى في المنطقة بسبب صافي مركز ديونها الخارجي الكبير، ولكن سجل الحكومة القطرية القوي في دعم البنوك وقدرتها على مساعدتها خلال الأزمات يخفف من المخاطر.
وفي المملكة العربية السعودية، في حين أن الوضع الفعلي للبنوك يبدو مريحًا، فإن عدم تمكنها من الاستمرار في اللجوء إلى أسواق رأس المال قد يؤدي إلى انخفاض قدرتها على مواصلة تمويل مشاريع رؤية المملكة 2030. وتتمتع البنوك الإماراتية بأقوى صافي مركز أصول خارجية في المنطقة، وبالتالي تتمتع بأعلى قدر من المرونة في مواجهة هروب رأس المال في سيناريوهاتنا الافتراضية.
انخفاض أسعار النفط قد يؤدي
إلى ضعف جودة الأصول
أدى تصاعد التوترات التجارية إلى انخفاض كبير في أسعار النفط. عدّلنا افتراضاتنا لسعر النفط إلى 65 دولارًا أمريكيًّا للبرميل لبقية عام 2025، ونعتقد أنه هذا سيؤثر على الأرجح على الإنفاق الحكومي والنمو الاقتصادي في المنطقة. وفي حال انخفاض أسعار النفط أكثر، فقد يعني هذا انخفاض النمو الاقتصادي في كل من القطاعين النفطي وغير النفطي، وزيادة الضغوط على مؤشرات جودة الأصول لدى البنوك.
وأظهرت البنوك الخليجية مؤشرات قوية لجودة الأصول قبل بدء التوترات، حيث بلغ متوسط نسبة القروض المتعثرة 2.9% لأكبر 45 بنكًا في المنطقة بنهاية عام 2024. وكانت البنوك قد احتفظت أيضًا بمخصصات تزيد على 150% من حجم من قروضها المتعثرة في نفس التاريخ، وهو ما يوفر لها بعض الحماية لامتصاص الصدمات الإضافية. بالإضافة إلى ذلك، تظل ربحية البنوك الخليجية جيدة نسبيًّا، مع عائد على الأصول بنسبة 1.7% بنهاية عام 2024. وتستمر البنوك في إظهار رسملة قوية، حيث بلغ متوسط نسبة رأس المال من الشريحة الأولى 17.2% في التاريخ نفسه.
ولتقييم قدرة البنوك على الصمود، اختبرنا سيناريوهين افتراضيين للضغط. ويفترض السيناريو الأول زيادة محتملة في القروض المتعثرة بنسبة 30% عن الرقم المسجل في نهاية عام 2024، ويحدد نسبة القروض المتعثرة عند 5% على الأقل، أيهما أعلى. ويفترض السيناريو الثاني زيادة قدرها 50% ويحدد نسبة القروض المتعثرة عند 7% على الأقل. ووفقًا لحساباتنا، فمن المرجح أن يسجل 16 بنكًا من أكبر 45 بنكا في المنطقة خسائر تراكمية قدرها 5.3 مليارات دولار أمريكي في السيناريو الأول. وترتفع الخسائر إلى 30.3 مليار دولار أمريكي في السيناريو الثاني، وهو ما يؤثر على 26 بنكًا من أكبر 45 بنكا.
وفي كلا السيناريوهين، فإن التأثير التراكمي أقل من 60 مليار دولار أمريكي في صافي الدخل الذي حققه أكبر 45 بنكًا في دول الخليج في عام 2024. وهذا يعني أنه حتى في أسوأ السيناريوهات لدينا، ما نزال نتوقع أن تؤثر الصدمة على ربحية البنوك وليس على قدرتها على الوفاء بالتزاماتها.
وتعتبر ردة فعل الجهات التنظيمية مهمة أيضًا في تقييم كيفية تطور الوضع. على سبيل المثال، أثناء جائحة كوفيد-19، قدمت الهيئات التنظيمية تسهيلات ساعدت البنوك على التعامل مع حالة عدم اليقين. ونتوقع أن يتخذوا إجراءات مماثلة إذا تجاوز تأثير التوترات التجارية العالمية على اقتصادات دول الخليج توقعاتنا الحالية.