التنويع الاقتصادي يُمهّد طريق الاستدامة لدول الخليج
(القبس)-18/04/2025
تمر دول الخليج بمرحلة تحولية، إذ ينتقل من اعتمادها التاريخي على النفط إلى اقتصاد أكثر تنوعاً وجاذبية للاستثمار، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي نمو اقتصادات دول التعاون بمعدل نمو متوسط قدره %3.5 في عام 2025 و%4.2 في عام 2026، متجاوزاً المتوسط العالمي البالغ %3.3 ومعدلات النمو المتوقعة للاقتصادات المتقدمة. ومع ذلك، تتزامن الحاجة الحالية للتنويع الاقتصادي مع التحول العالمي المتسارع نحو الطاقة المتجددة والكهرباء، وهو تحول يُعيد تشكيل اقتصادات بأكملها كانت تعتمد سابقاً على الوقود الأحفوري.
أفاد تقرير حديث على المنتدى الاقتصادي العالمي أن القطاع غير النفطي قد نما بنسبة قوية بلغت %3.7 في عام 2024، وسيظل محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي في المنطقة، متوقعاً معدلات نمو تبلغ %3.4 و%3.5 لعامي 2025 و2026 على التوالي. ويأتي هذا في ظل اهتمام متزايد بدول الخليج، سواء في مجال الأعمال أو السياحة، وفق ما أشار البنك الدولي.
فكيف تتكيف دول الخليج مع هذا المشهد؟ من خلال المبادرات الإستراتيجية، والبرامج التحويلية، والبنية التحتية الحديثة، وجودة الحياة العالية التي تدفع الاستثمارات الكبيرة، وتجذب أفضل الكفاءات وتحافظ عليها لضمان مستقبل مزدهر.
اقتصاد أكثر تنوعاً
وأشار التقرير الى أنه مع تزايد تأثير الأحداث العالمية على سوق النفط، وما يصاحبها من صدمات في الأسعار، والتوجه نحو الطاقة المتجددة الذي يشير إلى انخفاض طويل الأمد في الطلب، أصبح التنويع الاقتصادي أولوية قصوى في المنطقة. ويتجلى ذلك في الالتزام بجذب الاستثمار والنمو المستمر في القطاع غير النفطي.
وتُعدّ قطاعاتٌ مثل الخدمات المالية والتكنولوجيا والتصنيع والسياحة من أهمّ العوامل المؤثرة في هذا التحوّل. كما تتوسّع دول الخليج في الصناعات الناشئة من خلال برامج «الرخص الذهبية» المصمّمة لجذب الاستثمارات، والاحتفاظ بالمواهب، وترسيخ مكانة دولنا كقادة عالميين.
وقد استقطب برنامج «الرخصة الذهبية» في البحرين بالفعل استثماراتٍ بقيمة 2.4 مليار دولار، ومن المتوقع أن يُوفّر 3000 فرصة عمل. ومن بين المستفيدين شركةٌ سويسريةٌ تابعةٌ تُخطّط لبناء مصنعٍ للتيتانيوم بقيمة 200 مليون دولار، لإنتاج 4000 طن من المعدن سنوياً، وهو ما يُمثّل دفعةً هائلةً للصناعة التحويلية في البحرين. وقد دفع نجاح هذا البرنامج دولاً أخرى إلى استكشاف خيار إصدار «الرخص الذهبية» للشركات العالمية والمشاريع الإستراتيجية. وتدرس دبي هذه البرامج في سعيها لجذب المزيد من المستثمرين والشركات، كما تفعل حكومة الإمارات عموماً.
دعم الصناعات بمواهب عالمية
وأوضح التقرير أن العديد من دول الخليج تمتلك بالفعل مجموعةً من المواهب المحلية عالية المهارات؛ ومع ذلك، تحتاج هذه الصناعات المُتنوّعة إلى توسيع نطاقها للحفاظ على توسعها السريع. فكيف يُمكن إذاً جذب المواهب العالمية إلى المنطقة؟ بتسهيل العيش والعمل في بلد جديد على الشركات والأفراد.
وتُعد مبادرات مثل برنامج «الإقامة الذهبية» في البحرين مهمة في هذا الصدد. فهو يمنح المستثمرين المؤهلين والأفراد الموهوبين وغيرهم إقامة دائمة؛ وهو توسع كبير في مدة الإقامة السابقة التي كانت سنتين. كما يتيح البرنامج إمكانية كفالة تصاريح إقامة لأفراد العائلة المباشرين – وهو عرض جذاب للعائلات التي تبحث ليس فقط عن فرص عمل، بل أيضاً عن جودة حياة عالية، بما في ذلك مجتمع آمن وصديق للعائلة.
كما صُمم برنامج «التأشيرة الذهبية» في الإمارات وتأشيرة الإقامة المميزة في السعودية، أو «البطاقة الخضراء السعودية»، لجذب رواد الأعمال والمهنيين في مجالات مثل الطب والعلوم والهندسة والتعليم. ويعتمد تصريح الإقامة المماثل في قطر لمدة خمس سنوات على نجاح تصريح إقامة المستثمر الأجنبي لمدة خمس سنوات، والذي أُطلق لدعم اقتصادها في الفترة التي سبقت كأس العالم لكرة القدم 2022. ولدى عُمان أيضاً برنامجان للإقامة يستهدفان المستثمرين.
ويؤثر التحول الرقمي في جميع القطاعات، مما يجعل من تدريب قوى عاملة مستعدة للمستقبل أولوية. إن استقطاب أفضل المواهب في هذه المجالات في جميع أنحاء المنطقة لن يؤدي فقط إلى خلق كتلة حرجة من الخبرات المبتكرة والمواهب التقنية، بل سيضمن أيضاً تعزيز الصناعات المتوسعة خارج قطاع النفط لسمعتها العالمية.
بيئة استثمارية مُحسّنة
وأكد تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي على أن بناء القدرة التنافسية في السوق العالمية يعتمد على عدد من العوامل من بينها:
1 – البنية التحتية.
2 – شبكات النقل.
3 – البيئة المالية والتنظيمية.
ولفت التقرير الى أن دول الخليج تُعالج هذه العوامل لتسريع تأسيس الأعمال، وتخصيص الأراضي للمواقع الصناعية، وتوفير بيئة تنظيمية مستقرة. هذا يجعل المنطقة جذابة للشركات التي تتطلع إلى الانتقال أو افتتاح مركز إقليمي.
على سبيل المثال، يوجد في الإمارات 40 منطقة حرة متعددة التخصصات – وهي مناطق توفر بيئة جاذبة للغاية للشركات. يمكن للمقيمين والمستثمرين الأجانب التملك الكامل للشركات، والوصول إلى إجراءات تأسيس الشركات المُبسطة، والاستفادة من إعفاءات ضريبية وجمركية كاملة. كما توجد في عُمان وقطر مناطق حرة مماثلة في مواقع إستراتيجية تُتيح الوصول إلى طرق التجارة والنقل.
الانفتاح الاقتصادي وتعزيز القدرة التنافسية
أشار التقرير إلى أن البحرين من أكثر دول الخليج انفتاحاً اقتصادياً، إذ تُعتبر البلاد بأكملها منطقة حرة، مُكملة بمناطق صناعية توفر بنية تحتية عالية الجودة، وحوافز إضافية، وسهولة الوصول إلى موانئ الدخول. وتشمل المناطق الصناعية البارزة منطقة البحرين اللوجستية، وقرية الشحن السريع في مطار البحرين الدولي (BIA)، ومنطقة البحرين العالمية للاستثمار، التي تجذب حوالي %80 من استثماراتها من مصادر دولية. علاوة على ذلك، تتميز أيضاً بعروض ضريبية جذابة، ورسوم جمركية منخفضة، وملكية أجنبية كاملة (%100) في معظم الأنشطة التجارية.
في إطار خطتها لرؤية 2030 لتعزيز قدرتها التنافسية العالمية، التزمت السعودية قانوناً بجذب استثمارات جديدة. يمنح القانون الجديد المستثمرين، المحليين والأجانب، عدداً من الحقوق والحماية المصممة لتعزيز المنافسة العادلة. سيُسهّل هذا الإطار الاستثماري الموحد، بإجراءات مُبسطة وشفافة، الاستثمار في المملكة. وهو مدعوم بمبادرات رئيسية، مثل تطوير مدينة نيوم التي تعمل بالطاقة المتجددة. يُعد هذا المركز الرائد للابتكار والتكنولوجيا على البحر الأحمر وجهةً جذابةً للشركات والسياح على حدٍ سواء.