مشروع قانون إصلاح المصارف «لا يُقرأ من عنوانه»
(القبس)-18/04/2025
يعمل في لبنان 60 مصرفاً، من بينها مصارف تُصنّف أجنبية و4 مصارف تُصنّف إسلامية، بالإضافة إلى مصارف استثمار، من بينها مصرف الإسكان.
إنّ عدد المصارف الحالي في لبنان، وعددها تاريخياً قد حدا بالعديد من المؤسسات المالية العالمية، والمهتمّين بالقطاع المصرفي والمالي اللبناني إلى توصيف هذا القطاع بـ»التمصرف» الزائد، وذلك على خلفية تعداد لبنان السكاني المقيم وحجم قطاعاته الاقتصادية المنتجة، وبالتالي من حيث المبدأ اشتداد التنافسية وإمكانية أن تنسحب هذه التنافسية سلباً على أداء بعض المصارف، وبالتالي إمكانية ديمومتها.
وبالفعل، شهد القطاع المصرفي على امتداد تاريخه الحديث بعض عمليات التعثر المحدودة وعمليات دمج لا بأس بها، أي عمليات إعادة هيكلة ذاتية بالاتجاهَين العمودي والأفقي وبتشجيع من مصرف لبنان المركزي في حينه، بموجب بعض الحوافز التي تضمّنها أصلاً قانون دمج المصارف وتعديلاته، والذي ما زال ساري المفعول.
أمّا في ما يتعلّق بمشروع قانون إصلاح وضع المصارف وإعادة تنظيمها، الذي يهدف إلى تعزيز استقرار النظام المالي المصرفي وضمان استمرارية الوظائف الأساسية للمصارف وحماية الودائع في عملية التصفية والإصلاح. وكذلك، الحَدّ من استغلال الأموال العامة في عملية إصلاح وضع المصارف.
من الممكن جداً أن يكون هذا المشروع من المشاريع التي لا تُقرأ من عنوانها، إذ إنّه برأيي الأغلبية المطلقة لمحتواه، هو مشروع في فلسفته العامة يهدف إلى تعزيز الأطر القانونية والنظم القائمة التي تُحَوكم القطاع المصرفي، وكذلك هيئات ولجان الإشراف والرقابة والتدقيق المباشرة وغير المباشرة في المصرف المركزي، والتي نؤجّل التعليق عليها لمناسبة أخرى، إن لجهة ما قد يَشي بتقليص دور حاكم المصرف المركزي وتحديد أسس شفافيّتها ومرجعيّاتها الإدارية وحَوكمتها… وبالأخص تحديد غياب أسس وأطُر حماية الودائع في عملية التصفية والإصلاح، وكذلك تحديد الفجوة المالية والمسؤوليات الحقيقية عن هذه الفجوة وإخراجها من الجدل التنكري والإنكاري الذي ما زال قائماً على امتداد السنوات الخمس الماضية، ممّا زاد من عمق هذه الفجوة واتساعها على حساب المودعين وأصحاب الحقوق.
بالمختصر المفيد، إنّ مشروع القانون يتعامل مع المصارف كحالات منفردة قد تستجد، ممّا يدعونا إلى القول إننا اليوم في قلب أزمة مصرفية مصيرية، فالمصارف تُعتبَر تقنياً وحتى عملياً متوقفة عن الدفع منذ أن ابتدأت بالانتقاص وبعده بالتناقص من حقوق المودعين. أي، وتكراراً تحديد المسؤوليات وتوزيع الخسائر الحقيقي وتجميد حقوق المودعين «بالتشاطر» في تسمية ودائعهم. فالوديعة وديعة وليست أي نوع آخر من أدوات الدَيْن، وكذلك التمادي في تحديد أفضلية الودائع الصغيرة على أحقيتها، علماً أنّه في مقابل هذه الودائع هناك ودائع متوسطة لمودعين متقاعدين. والأهم في الودائع أن تكون حقيقية ومحقة، وكذلك ضمانة هذه الودائع وكيفية الوصول إليها من ناحية الكمية والوقت.
وتجدر الإشارة إلى أنّ عودة المصارف للقيام بدورها في الاقتصاد الوطني مرهونة بمستوى وكيفية رسملتها، خصوصاً أنّ هناك أسهماً تفضيلية يملكها أفراد، قيمتها قد تطال حوالى الـ 4 مليارات دولار، وهناك أدوات دين أخرى على المصارف. وكذلك، بإعادة إنتاج هذه المصارف ذاتها، وبكل ما يكفل أن يؤمّن علاقتها مع زبائنها من خلال تحوّلها الرقمي وإعادة النظر في سلاسل إنتاجها وسلاسل إمدادها وديمومتها ومصادر حصولها على التمويل اللازم لعملياتها، إذ إنّه من الممكن ألّا يكون جذب الودائع بالفعالية المطلوبة، فعليها إيجاد مصادر تمويل أخرى من المؤسسات العالمية، وهذا أمرٌ دونه الجهد الكبير والالتزام الثابت والوقت الكثير واستعادة الثقة في البلد المعقودة أولاً على أداء القطاع العام ومدى حَوكمته وشفافية هذا الأداء وفعالية سبل وأصول محاسبته.
إنّنا نخشى أنّ عملية استرداد العمل المصرفي لجهة تقليص عدده ما زالت قائمة، في حين أنّ المطلوب استعادة عافيته على أسس صلبة ومستدامة مالياً وعملياً ليستطيع القيام بدوره في خدمة الاقتصاد الوطني، وهذا يتطلّب من جميع المعنيِّين بهذا الأمر الوضوح والشفافية والتعاون والحكمة والجرأة في اجتراح الحلول العملية والجدّية والمجدية.
ونخشى في المحصلة، أنّ أي شيء خلاف ذلك أن يكون في مجال المجهول المعلوم.